الأجر في العادات المباحة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

هل يشترط في حصول الثواب على العادات اليومية المباحة كالإنفاق على الأهل ونحوها أن يستحضر الإنسان النية الصالحة فيها ؟ أم أنه يثاب لمجرد فعلها حتى ولو لم يستحضر النية الصالحة فيها ؟

الخلاصة:

فيه ثلاث توجهات للعلماء:

(الأول): يثاب ولو بلا نية لإطلاق بعض الأحاديث واكتفاء بالنية العامة. ومال له ابن دقيق العيد.

(الثاني): يثاب على أداء الواجب، فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك.

(الثالث): لا يثاب إلا مع النية والاحتساب. للأحاديث المقيدة بذلك. ومال له ابن رجب.

ولعل هذا الثالث أرجحها -إن شاء الله- لأن قاعدة الشرع في الثواب :إنما الأعمال بالنيات.” مع أنه لا يخفى قوة الخلاف في المسألة.

التفصيل:

جاء في الحديث:"وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت. حتى ما تجعل في في امرأتك" أخرجاه

قال النووي :(وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى)، قال ابن دقيق العيد: «وفيه دليل على أن الثواب في الإنفاق: مشروط بصحة النية في ابتغاء وجه الله وهذا دقيق عسر إذا عارضه مقتضى الطبع والشهوة فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله ويشق تخليص هذا المقصود مما يشوبه من مقتضى الطبع والشهوة....

نعم في مثل هذا يحتاج إلى النظر في أنه هل يحتاج إلى نية خاصة في الجزئيات أم تكفي نية عامة؟

وقد دل الشرع على الاكتفاء بأصل النية وعمومها في باب الجهاد حيث قال:لو مر بنهر ولا يريد أن يسقي به فشربت: كان له أجر، أو كما قال. فيمكن أن يعدي إلى سائر الأشياء فيكتفي بنية مجملة أو عامة ولا يحتاج في الجزئيات إلى ذلك. إحكام الأحكام (ص: 385).

قال ابن رجب:صح الحديث بأن نفقة الرجل على أهله صدقة، ففي الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نفقة الرجل على أهله صدقة" وفي رواية لمسلم:"وهو يحتسبها"، وفي لفظ للبخاري: "إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها، فهو له صدقة"، فدل على أنه إنما يؤجر فيها إذا احتسبها عند الله كما في حديث سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك" خرجاه.... (ثم ذكر بعض الأحاديث التي تدل على الأجر بغير قيد النية ثم قال) وظاهر هذه الأحاديث كلها يدل على أن هذه الأشياء تكون صدقة يثاب عليها الزارع والغارس ونحوهما من غير قصد ولا نية، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أرأيت لو وضعها في الحرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" يدل بظاهره على أنه يؤجر في إتيان أهله من غير نية، فإن المباضع لأهله كالزارع في الأرض التي يحرث ويبذر فيها، وقد ذهب إلى هذا طائفة من العلماء، ومال إليه أبو محمد بن قتيبة في الأكل والشرب والجماع، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه".وهذا اللفظ الذي استدل به غير معروف، إنما المعروف قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد:"إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك"،  وهو مقيد بإخلاص النية لله، فتحمل الأحاديث المطلقة عليه؛ والله أعلم. ويدل عليه أيضا قول الله عز وجل:{لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما}. 

فجعل ذلك خيرا، ولم يرتب عليه الأجر إلا مع نية الإخلاص.جامع العلوم والحكم (2/63).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply