لا تتهاون بأعباء الحياة الثقيلة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

أخي الشاب أختي الشابة:

أليس وعاء الماء الفارغ خفيف المحمل؟ تحمله بلا مشقة، لكنك حينما تفتح صنبور الماء لتعبئته وتمسكه بطريقة خاطئة غير متوازنة تشعر بأن الثقل يزداد عليك بسرعة غير متوقعة، حتى تعجز عن مقاومة حمله قبل امتلائه، فإن قاومت سقط منك وتدفق الماء الذي تعبت في تعبئته.

ولكن من جهة أخرى: حينما تمسكه مع المكان المخصص للحمل بطريقة متوازنة صحيحة فإنك قادر على تحمل ثقله التدريجي حتى يمتلئ، ولا تشعر بالإجهاد من ذلك لأنك بذلت أسبابًا لذلك.

وهذا المثل ينطبق بدرجة كبيرة على مراحل عمر الإنسان، ففي المراحل الأولى من عمره تكون عليه المسؤوليات خفيفة جدًا، وأعباء الحياة خفيفة جدًّا، وكلما زاد عمره زادت وثقُلت مسؤولياته، ومن ذلك مثلا:

1- الالتحاق بالمدرسة للتعلم في جميع المراحل.

2- ثم جهود البحث عن الوظيفة المناسبة، وما يتبع ذلك بعد الحصول عليها من مسؤولياتها وضغوطاتها، وما يتخللها من علاقات مع الزملاء والإدارة التي تتطلب ضبطًا وحسن سياسة.

3- التعامل الأوسع مع عموم الناس على مختلف درجات عقولهم وأمزجتهم وطباعهم.

4- العلاقة مع الأصدقاء وما يطرأ عليها من مدٍّ وجزر، ولين وجفاء، وتوافق وتخالف .

5- مرحلة الزواج ومسؤولياتها، وما يطرأ فيها من نقْلة في نمط الحياة من سعادة وارتياح، أو ما قد يشوبها على عكس ذلك نتيجةَ عدم التوافق أو غير ذلك من الأسباب.

6- مسؤولية تربية الأولاد، والتعامل مع بعض الابتلاءات كالولد العاق أو الكسول أو المشاكس صاحب المشاكل.

7- مسؤولية الإنفاق على النفس والأهل والأولاد، والمتطلبات التي تزداد مع مرور السنين.

8- مسؤولية بناء البيت وتأثيثه ومصروفات الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء والهاتف.

9- مصائب الأمراض والهموم وموتِ الأقارب والأحباب.

وغيرها من المسؤوليات والأعباء التي تزداد وتثقل كلما تقدم عمر الإنسان.

وقد انقسم الشباب والشابات تجاهها إلى قسمين:

القسم الأول: من استخف بها حينما رأى خفة الأعباء في مقتبل العمر، فاغتر بخفتها، وتساهل في التعامل معها، فلم يحمل أعباءها على الوجه الصحيح، فتراه مثلا: مهملا في القيام بواجباته الدينية والشرعية، مفرّطًا في علاقته مع أهله ووالديه، مهملا في دراسته، مؤْثرًا اللعب والسهر والكسل، ولم يعتن بتحسين أخلاقه وتهذيب طباعه.

فهذا القسم من الشباب والشابات لم يفكر أن أعباء الحياة ستكبر كلما كبر عمره، وستثقل حتى يعجز عن حملها، فينهار يومًا ما ويسقط، لأنه لم يحمل هذه الأعباء على الوجه الصحيح ولم يسمع نصح الناصحين وتوجيه المربين.

القسم الثاني: من استفاد من نصح الناصحين وتوجيهات المربين وحملها محمل الجد، فاستعدّ للأعباء الحياتية، ولم يغتر بخفتها في مقتبل عمره، ولم يتساهل في التعامل معها، بل تدرج في حمل أعبائها؛ فتجده مثلا: حريصًا على تأدية واجباته الدينية والشرعية، حريصًا على علاقته مع أهله ووالديه، جادًّا في دراسته، مقللًا اللعب والسهر والكسل، ساعيًا في تحسين أخلاقه وتهذيب طباعه.

فلما كبر عمره وزادت أعباء الحياة عليه، لم تكن ثقيلة عليه، لأنه استعد لها مبكرًا فازداد قوة وصلابة كلما تقدم به العمر، فأصبح لا يشعر بثقل هذه الأعباء كشعور غيره، ولأنه تدرج في حمل هذه الأعباء منذ مراحل عمره الأولى على الوجه الصحيح.

ومع ذلك لا نقول للإنسان الذي استخف بأعباء الحياة في مراحل عمره الأولى: بأن الفرصة قد انتهت، بل نبشره بأنها لا تزال ممكنة إذا استعان بربه وصدقت عزيمته وقويت إرادته، وأولى الخطوات للتدارك والتصحيح هي إعادة النظر في طريقة إدارة شؤون الحياة، ثم التحول للأفضل شيئًا فشيئًا، وحينها بإذن الله تعالى ستخف عليك أعباء الحياة تدريجيًّا إن شاء الله، وستلاحظ ذلك جليًّا، وستتنفس الصعداء، وستشعر بالتخفّف منها وسينشرح صدرك ويزول همك، وتذوق طعم الحياة الطيبة، وستحمد الله على ما أنعم عليك.

جعلنا الله من سعداء الدنيا والآخرة... آمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply