بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
السؤال: كيف الجمع بين الآيات التي أفادت أنَّ القرآن نزل منجمًا، والآيات الأخرى التي أفادت نزوله في ليلة القدر؟
الجواب:
أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل، فلم تنزل آيات هذه الكتب متفرقة، بل نزل كل منها على كل نبي من السابقين جملة واحدة.
وأما القرآن فالصحيح الذي عليه الجمهور، بل حُكي فيه الإجماع أنَّ الله تعالى قد جمع للقرآن الصفتين:
1- الأولى: إنزاله جملة واحدة، وذلك من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر من شهر رمضان، كما قال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وقال تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر:1)، وَقَالَ تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}(الدخان:3).
2- الثانية: إنزاله بعد ذلك من بيت العزة في السماء الدنيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم منجمًا بحسب الوقائع والحوادث في نحو ثلاثة وعشرين عامًا، ثلاث عشرة سنة بمكة، وعشر بالمدينة من بعثته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم.
وهذا ما أثبتته شواهد القرآن في مواطن عدة:
-1الموطن الأول: قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ{(النساء: 136).
فقوله تعالى: }نزَّل على رسوله{: و}نزَّل{: فعل من التكرر والتكثر، لأنه نزل مفرقًا منجمًا، بينما قال عن الكتب المتقدمة: }والكتاب الذي أنزل من قبل{: لأنها كانت تنزل جملة واحدة.
-2الموطن الثاني: قوله تعالى: }نَزَّلَ عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَينَ يَدَيهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّورَىٰةَ وَٱلإِنجِيلَ ٣ مِن قَبلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلفُرقَانَ{(آل عمران: 2/3).
ويقال هنا ما سبق ذكره في الموطن الأول.
-3الموطن الثالث: قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ )الإسراء: 106).
فقوله تعالى ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ﴾ أي: قطعناه آيةً آيةً، وسورةً سورةً في عشرين سنة، ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ تؤدة وَتَرسُّلٍ ليفهموه ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ نجومًا بعد نجومٍ، وشيئًا بعد شيءٍ، فلم ينزل مرة واحدة، وقد ذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه بتشديد الراء:}فَرَّقْناهُ{.
روى الطبري في *جامع البيان* (3/ 192)، والنسائي في *السنن الكبرى* (6 / 519) بسند حسن: أنَّ رجلًا قال لابن عباس رضي الله عنهما: إنه وقع في قلبي الشك من قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}[سورة البقرة: 185]، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}[سورة الدخان: 3]، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}[سورة القدر: 1]، وقد أنزل الله تعالى في شوال، وذي القعدة وغيره؟!
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: *إنما نزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم رسَلًا في الشهور والأيام*. (وهذا الأثر له ألفاظ متقاربة، ومخارج متعددة، ولذلك صححه الحافظ ابن حجر في *فتح الباري(* (9 / 4).
• ثم نقول: وتظهر الحكمة في نزول القرآن مفصلًا آيات بعد آيات فيما يلي:
1- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم فيما أصابه في مراحل دعوته من محن وكروب. قال الشيخ السعدي: *لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينةً وثباتًا، وخصوصًا عند ورود أسباب القلق؛ فإن نزول القرآن عند حدوث السبب، يكون له موقع عظيم، وتثبيت كثير، أبلغ مما لو كان نازلًا قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه*. ا. هـ.
2- التدرُّج في بعض التشريعات والأحكام؛ حتى يسهل على الناس الالتزام بها.
3- تنوع نزول الآيات بما يوافق ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد