بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نفدي بكلِّ حياتِنـا القـــرآنا | ونردُّ عن آياته الطغيانـا |
والسُّنَّةُ الغراءُ أغلى مالنا | في ذي الحياةِ مكانةً ومكانـا |
فهما عمادُ عقيدة ولأجلهـا | سنواصلُ الإفصاحَ والتِّبيانا |
إنَّ العقيدةَ لم تزل لأولي الهدى | رغمَ العـدا طولَ المدى عنوانـا |
وجنودُها لــم يركنوا إذعـانـا | |
وبغيرها كانت هزائمُ قومنا | إذ أفلسوا من خيرِها هتَّانـا |
وبها النُّبُوَّةُ أقفلتْ أبوابَها | وبها النَّبيُّ أتى بها بـرهانا |
ومن ارتأى غير العقيدة مذهبًا | ضَلَّتْ رؤاه وقد هوى حيرانـا |
وبفضلها الأعرابُ كانوا أٌمَّةً | قادوا الشعوبَ وحطَّمُوا الأوثانا |
ولهم إذا جارَ العدوُّ فيالقٌ | تردي العدوَّ مجندلًا خزيـانا |
ولها بتاريخ المآثرِ سِفرُهـا | فاحتْ نسائمُه لهم ريحـانـا |
وغـدتْ على ظهرِ البسيطةِ رأسَها | تملي أواصرُها الإخــا هتَّانـا |
لكنَّها من بعدِ عــزٍّ أذعنتْ | وقَلَتْ متونَ إبائـها خـذلانا |
أمست وواأسفي كقطعانٍ مشت | بيدِ الهوانِ يُذيقُهـا الأحـزانـا |
كانت تقودُ ولا تُقادُ لظالمٍ | وجدوه في أكنافهم خـوَّانا |
كانت تقولُ فيُذعن الأشرُ الذي | وجـدَ الكمـيَّ ولم يجدْهُ جـبانـا |
وجـدَ الأباةَ إذا هُــمُ قد كشَّرُوا | فــرَّ المُضلَّـلُ خائفًـا حيرانـا |
لاتنفعُ الشكوى لقلبٍ جمرُه | يكوي بِوَقْــدِ لهيبِه الشريانا |
إنْ لــم تُجدِّدَ أُمتي إيمانَها | وتسل سيفَ إبائهـا ظمـآنـا |
إنَّ العدوَّ وإن بــدا في عــزَّةٍ | لهــو الذليلُ وإن بغى وتفانى |
واللهِ لو سمع اليهودُ وغيرُهم | من حمحماتِ خيولِنا سحبانا(1- |
لانهدَّ ركنُ غرورِه وتعثَّرتْ | قدمـاهُ وارتجَّ البيانُ لسانـا |
أتعودُ بيضُ الأُمنياتِ لأُمَّــةٍ | آذى العدوُّ وجودَهـا أزمـانـا |
أتعودُ تصفعُ ظلمَهم وفسادَهم | ليعودَ عصرُ زمانِهـا مزدانا! |
هـا قــد عَــَرا وأتى الزُّبى طغيانُهم | هــلاَّ أثارَ لأُمَّــتي المُــرَّانا (2- |
هــلاَّ توقَّدَ في جوانحها الفـدا | ليُشيدَ في أقطارِهـا الأركانـا |
لقد امتطتْ حقبًا ظهورَ بطولةٍ | كانت لكلِّ مؤمِّـلٍ سلوانـا |
ولكلِّ طاغيةٍ نـذيرَ فنائــه | لمَّـا ادَّعى الجبروتَ والسُّلطانـا |
زمنُ الفراعنةِ الذين استنسروا | وهـم البُغاثُ طوى بهم خسرانا(3- |
الله أهلكهم لسوءِ جحودِهم | ورأوا لبارئ كونِهم كفرانـا |
فأذاقهم ربِّـي مرارةَ كفرِهم | ويرونَها يوم القيامةِ آنا(4- |
ولقد أذاقوها أذى لشعوبهم | فغدت حياةُ شعوبهم أشجانا |
إنَّ المرارةَ لن تفارقَ ظالما | أو خائنا أو مترعًـا أضغانـا |
والله يدفعُ عن عبادٍ آمنوا | شــرَّ الذين تحزَّبُـوا أخـدانا |
أولم نَــرَ الحملاتِ في تاريخنا | جاءت تريدُ فناءَنا أزمانا |
هـم يطمعون بأنْ يُبـدَّدَ دينُنا | ويُغَيِّبُـوا الإيمانَ والفرقانا |
ويبدِّدوا سُنَنَ الحبيبِ مُحَمَّدٍ | وهي التي قد أبهجتْ دنيانا |
لكنَّهم خسئوا ويخسأُ غيُّهم | طولَ الزمانِ وإنْ طغوا إمعانــا |
إسلامُنا باقٍ ويحفظُه الذي | بعثَ الرسولَ وأنزل القرآنـا |
فبعصرنا هذا تداعتْ في الورى | أمــمٌ على إسلامِنـا عدوانـا |
لمَّـا تناءى المسلمون عن الهدى | وعن العقيدة والنَّوى أوهانـا |
ماتت عزائمنُا وشتَّتَ شملَنا | مكرُ الأعادي والهـوانُ رمـانـا |
فغَدَتْ بلاد المسلمين مباحةً | يجتاحُها بالبغيِ مَن عادانا |
حتى إذا امتلأت من الأمم التي | تنوي احتلالَ بلادِنا إمعانـا |
تلك الشعوب المستفزة حثَّها | وَهَنٌ طـوى العزماتِ والشُّجْعانا |
وتآمرتْ نحلٌ على طمسِ الهدى | واستوردتْ لِحُمَاِتِهِ أكفانـا |
كم في النوايا من مخازيهم أذى | للمسلمين فـلم تجدْ فرسانا |
هاهم ببعض بلادنا قد عربدوا | وسقوا الأهالي بأسهم ريَّانـا |
وأظنُّهم لاقدَّرَ الرحمنُ سوفَ. | . يجدِّدُونَ بأرضنا الأوثانا |
تلكم أمانيهم فيالشعوبِنا | إن نالَ منها المجرمون علانـا |
أَوَلَـم تروا حالَ الذين استسلموا | للمرجفين ترنُّحًـا و هــوانا |
يشكون عسفَ الظلمِ في أوطانهم | وتذوبُ غُصَّتُهم بهم خسرانا |
في كل قطرٍ للطغاةِ مصيبةٌ | أودتْ بحالِ الآمنينَ عيـانـا |
قـد أوغلوا فيما تُصابُ شعوبُهم | وإلى كرامتها الهوانُ تـدانى |
ولقد تنوَّعتِ الرزايا فوقها | وبليلها لم تغمض الأجفانـا |
رقدت به ثكلى تناجي ربَّها | وتبثُّه أوجاعَهــا طوفانا |
لم يبق بيتٌ في ثراهـا آمنا | فالثُّكلُ باتَ لأهلها عريانا |
غَزَتِ المآسي كالعواصف لم تدع | من وخزهـا وجحيمها السُّكانا |
بل أوغلت عبر البيوت ودمَّرتْ | بِيَدَيْ ضغائن مَن طغوا بنيانا |
والناسُ تجأر للبصير بحرقةٍ | يستنجدون المنقذَ الرحمانا |
واللهُ يحكم ما يريدٌ بحكمةٍ | ويُذيقُ أربابَ الفسادِ هــوانــا |
فعقيدة الأبـــــــــــــرارِ إســــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاميَّةٌ | رسمتْ على هَدْيِ النَّبيِّ خطـانـا |
عاشوا وعاشتْ في ضمائرِهم سنى | وهب القلوبَ يقينَها المزدانا(4- |
وهي العقيدةُ روحُهـا تسري إذا | حمل الأباةُ لواءَهـا نشوانا |
أولا ترى كيف الشعوب اهتزَّ في | أعماقهـا هذا الشعورُ عيانـا |
فحماس نادتْ للجهادِ وقدَّمتْ | شهداءَها لِلِـوائها قربانـا |
ضحَّت بما ملكتْ ولم تخش | وهفتْ لبارئها تـريدُ جِـنـانــا |
فأعزَّها الدَّيَّـانُ تنصرُ دينَه | وتعيدُ للأقصى المقدسِ شـــانــا |
والناس في كل البسيطةِ أيقنوا | أنَّ العقيدةَ شأنُهــا قــد بــانــا |
والدِّينُ دينُ مُحَمَّدٍ حقٌّ وقد | وسِواه أضحتْ تشبه الأوثانا |
فتهافتوا يرجون رحمةَ ربِّهم | وأتوا المساجدِ يبتغون أمـانـا |
وهي البشاراتُ التي جاءت لنا | بالفتحِ تطوي البغيَ والأحـزانـا |
ويغادر السُّفهاءُ إذ حكموا بمــا | فيه الفسادُ محمَّلا أدرانـا |
فالحكم لله القديرِ ومَن أبى | فالكفرُ أوقعَ أهلَه عميانــا |
مَن لـم يــرَ الإسلامَ أهلا للعلى | باءت تجارةُ كفرِه خُسرانـا |
عبدوا الهوى والموبقاتُ استهلكتْ | أخلاقَهم وطاوعوا الشَّيطانـا |
فالفسقُ والترفيه بعضُ تجارةٍ | فيها الفجورُ معربــدًا عريانـا |
خابوا وربِّك لـم يروا إلا الذي | قد أغرقَ الفرعونَ والهامـانا |
ولقد عتا النمرودُ ثم أذلَّـه | ربُّ البريةِ مـُوجَعًـا خـزيـانـا |
هل يملكُ السفهاءُ غيرَ سويعةٍ | فيها الرذيلةُ لطَّختْ أردانـا |
والناسُ تلعنُ كلَّ طاغٍ مجرمٍ | أو مَن سعى في أمرهم فتَّـانـا |
أو باعَ حقَّ الشَّعبِ للعادي الذي | قــد هدَّدَ المأفونَ والخـوَّانا |
هـم في الخسارةِ قَيَّدتْ إقدامَهم | كفُّ الشعوبِ أذلَّـةً عُبدانـا |
والويل ثم الويلُ للمتجبِّرِ. | الأعمى الذي بغرورِه آذانــا |
بتنا نَحِــنُّ إلى ليالي سادةٍ | حكموا وعاشوا للشعوبِ حنـانـا |
وأتى التَّقيُّ الصَّالحُ الميمونُ مرسي. | مصرَ ذا قيمٍ ولـم يتوانـا |
لكنَّهم خذلوه بل خانوه حيثُ. | تآمروا إذْ غـدرُهـم أبكانــا! |
هو في الجِنانِ برحمةٍ ومكانةٍ | في الخلد وافى القربَ والرضوانـا |
وعـدوُّه يبقى بأنيابِ العَنا | ومصيرُه المحتومُ يأتي الآنــــا |
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
هوامش:
1- سحبان: خطيب عربي مشهور من وائـل.
2- الزُّبــى: يقول العرب: بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى، إِذا اشتدّ الأمر حتى جاوز الحدَّ.
المُــرَّان: المُرَّانُ: الرِّماحُ الصُّلْبةُ اللَّدْنة.
3- البغاث: البُغَاثُ: طائرٌ أبغثُ اللونِ، أصغرُ من الرَّخَمِ، بَطيءُ الطيران. والجمع: بِغْثان. وفي المثل: (إِنَّ البُغَاثَ بأرضنا يستنسِر).
4- الآنــا: (آن - أي: حار وقد بلغ الغاية في الحرارة لشدتها، وهـو إنذار الله لهم من عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك من قبائح الأفعال.
5- سنى: من سنا، سني، وسنيَ البرق: أي أضاء. سنا: علا وارتفع وارتقى.
المزدان: اسم عربي مذكر من الأسماء المميزة وذات المعاني الجميلة، وهو من الفعل ازدان أي تزين وتجمل. كما أنه يعني مغطى، فيقال البستان مزدان بالزهور أو مغطى وممتلئ بالزهور.