بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تفريج كربات الناس له فضائل كثيرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف الكربات:
* الكَرْبُ: مَعْنَاهُ: شدَّةُ الحُزْن والغَمّ الَّذي يَأْخُذُ بالنَّفْس. وَجَمْعُ الكَرْب: (كُرُوبٌ) (لسان العرب لابن منظور ج1 ص 711).
وعد الله بتفريج كربات المؤمنين:
لقد وَعَدَ اللهُ تعالى عباده المؤمنين بكشف كُرُبَاتهم في كثيرٍ من آيات القرآن الكريم، وسَوْفَ نذْكُرُ بعضا منها:
(1) قال اللهُ تعالى: }فَإنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرا * إنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرا{(الشرح: 6: 5).
* قَال الإمامُ القرطبي (رحمه الله): إنَّ مَعَ الضّيق وَالشّدَّة يُسْرَا، أَيْ سَعَة وَغنى. ثُمَّ كَرَّرَ فَقَالَ: إنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرا، فَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا التَّكْريرُ تَأْكيدٌ للْكَلَام.(تفسير القرطبي 20 ص 107).
* قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: خَلَقْتُ عُسْرَا وَاحدَا، وَخَلَقْتُ يُسْرَيْن، وَلَنْ يَغْلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن.(تفسير القرطبي 20 ص 107).
(2) قالَ تَعَالَى: }وَمَنْ يَتَّق اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا * وَيَرْزُقْهُ منْ حَيْثُ لَا يَحْتَسبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُوَ حَسْبُهُ{(الطلاق3: 2).
(3) قال سبحانه: }سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرا{(الطلاق: 7).
* قال الإمامُ ابن كثير (رحمه الله): هَذا وَعْدٌ منْهُ تَعَالَى، وَوَعْدُهُ حَقٌّ، لَا يُخْلفُهُ. (تفسير ابن كثير ج8 ص154)
(4) قَالَ جَلَّ شأنه: }أَمْ حَسبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتكُمْ مَثَلُ الَّذينَ خَلَوْا منْ قَبْلكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّه أَلَا إنَّ نَصْرَ اللَّه قَريبٌ{(البقرة: 214).
قَوْلُهُ: }وَزُلْزلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّه.{
* قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): أَيْ: يَسْتَفْتحُونَ عَلَى أَعْدَائهمْ، ويَدْعون بقُرْب الْفَرَج وَالْمَخْرَج، عنْدَ ضيق الْحَال وَالشّدَّة. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: }أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّه قَريبٌ{ كَمَا قَالَ: }فَإنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرا إنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرا{(الشَّرْح: 5: 6). (تفسير ابن كثير ج1 ص 572).
روى ابنُ مَاجَه عَنْ أَبي الدَّرْدَاء، عَن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في قَوْله تَعَالَى: }كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ{(الرحمن: 29)، قَالَ: "منْ شَأْنه أَنْ يَغْفرَ ذَنْبا، وَيُفَرّجَ كَرْبا، وَيَرْفَعَ قَوْما، وَيَخْفضَ آخَرينَ" (حديث حسن) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث: 167).
(5) قَالَ عز وَجل: }هُوَ الَّذي يُسَيّرُكُمْ في الْبَرّ وَالْبَحْر حَتَّى إذَا كُنْتُمْ في الْفُلْك وَجَرَيْنَ بهمْ بريحٍ طَيّبَةٍ وَفَرحُوا بهَا جَاءَتْهَا ريحٌ عَاصفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ منْ كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحيطَ بهمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ لَئنْ أَنْجَيْتَنَا منْ هَذه لَنَكُونَنَّ منَ الشَّاكرينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إذَا هُمْ يَبْغُونَ في الأَرْض بغَيْر الْحَقّ{(يُونُس: 23: 22).
* قال الإمام ابن جرير الطبري (رحمه الله): اللَّهُ الَّذي يُسَيّرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ في الْبرّ عَلَى الظَّهْر (أي الدَّواب) وَفي الْبَحْر في الْفُلْك (السُّفُنُ) وَجَرَت الْفُلْكُ بالنَّاس بريحٍ طَيّبَةٍ في الْبَحْر، وَفَرحَ رُكْبَانُ الْفُلْك بالرّيح الطَّيّبَة الَّتي يَسيرُونَ بهَا. ثُمَّ جَاءَت الْفُلْكَ ريحٌ عَاصفٌ، وَهيَ الشَّديدَةُ، وَجَاءَ رُكْبَانَ السَّفينَة الْمَوْجُ منْ كُلّ مَكَانٍ وَأيْقَنُوا أَنَّ الْهَلَاكَ قَدْ أَحَاطَ بهمْ وَأَحْدَقَ، أَخْلَصُوا الدُّعَاءَ للَّه هُنَالكَ دُونَ أَوْثَانهمْ وَآلهَتهمْ، وَكَانَ مَفْزَعُهُمْ حينَئذٍ إلى اللَّه دُونَهَا. فَلَمَّا أَنْجَى اللَّهُ هَؤُلَاء الَّذينَ أيْقَنُوا في الْبَحْر أَنَّهُمْ أُحيطَ بهمْ منَ الْجَهْد الَّذي كَانُوا فيه، أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ، وَبَغُوا في الْأَرْض، فَتَجَاوَزُوا فيهَا إلى غَيْر مَا إذن اللَّهُ لَهُمْ فيه منَ الْكُفْر به وَالْعَمَل بمَعَاصيه عَلَى ظَهْرهَا.(تفسير الطبري ج12 ص 148: 146).
(6) قَالَ تَعَالَى: }قُلْ مَنْ يُنَجّيكُمْ منْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعا وَخُفْيَة لَئنْ أَنْجَانَا منْ هَذه لَنَكُونَنَّ منَ الشَّاكرينَ * قُل اللَّهُ يُنَجّيكُمْ منْهَا وَمنْ كُلّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْركُونَ{(الْأَنْعَام: 64: 63).
قَوْلُهُ: }ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر{ قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دعَامَة، أيْ: منْ كَرْب الْبَرّ وَالْبَحْر. (تفسير الطبري ج9 ص 295).
(7) قَالَ سُبْحَانَهُ: }أَمَّنْ يُجيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْض أَإلَهٌ مَعَ اللَّه قَليلا مَا تَذَكَّرُونَ{(النمل: 62).
نبينا ﷺ يحثنا على تفريج كربات الناس:
(1) روى الشيخان عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَرَ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّه، صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: "المُسْلمُ أَخُو المُسْلم لاَ يَظْلمُهُ وَلاَ يُسْلمُهُ، وَمَنْ كَانَ في حَاجَة أَخيه كَانَ اللَّهُ في حَاجَته، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلمٍ كُرْبَة، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَة منْ كُرُبَات يَوْم القيَامَة، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلما سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القيَامَة"(البخاري حديث: 2442 / مسلم حديث: 2580).
قَوْلُهُ: "وَلاَ يُسْلمُهُ" أَيْ لَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذيه، وَلَا فيمَا يُؤْذيه، بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: "كَانَ في حَاجَة أَخيه" أَيْ: سَعى في قَضَاء حَاجَة أَخيه.
قَوْلُهُ: "كَانَ اللَّهُ في حَاجَته" أَيْ: أَعَانَهُ اللهُ تعالى وسَهَّلَ له قضاء حاجته.
قَوْلُهُ: "وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلمٍ كُرْبَة": أَيْ غُمَّة، وَالْكَرْبُ هُوَ الْغَمُّ الَّذي يَأْخُذُ النَّفْسَ وَكُرُبَاتٌ بضَمّ الرَّاء جَمْعُ كُرْبَةٍ.(فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج5 ص97).
* قَالَ الإمامُ النووي (رحمه الله): في هَذَا الحديث فَضْلُ إعَانَة الْمُسْلم وَتَفْريج الْكُرَب عَنْهُ وَسَتْر زَلَّاته، وَيَدْخُلُ في كَشْف الْكُرْبَة وتفريجها مَن أزالها بماله أو جَاهه أو مساعدته، والظاهر أنه يدخل فيه مَن أزالها بإشارته وَرَأْيه وَدَلَالَته. (مسلم بشرح النووي ج16 ص 135).
(2) روى الشيخان عَنْ أَبي مُوسَى، رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: "المُؤْمنُ للْمُؤْمن كَالْبُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضا. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابعه"(البخاري حديث: 2446 /مسلم حديث 2585).
قَوْلُهُ: "كَالْبُنْيَان" أَي: الْبَيْت الْمَبْنيّ.
قَوْلُهُ: "يَشُدُّ بَعْضُهُ" أَيْ: بَعْضُ الْبُنْيَان يُقَوي بَعْضَهُ.
* قَالَ الإمامُ علي الهروي (رحمه الله): هّذا الحديثُ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمُؤْمنَ لَا يَتَقَوَّى في أَمْر دينه أَوْ دُنْيَاهُ إلَّا بمَعُونَة أَخيه، كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْبنَاء يُقَوّي بَعْضَهُ. (مرقاة المفاتيح علي الهروي ج7 ص 3102).
(3) روى مسلم عَنْ أَبي الْيَسَر، رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسرا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ في ظلّه". (مسلم حديث: 3006).
قَوْلُهُ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسرا": أَيْ: أَمْهَلَ مَدْيُونًا فَقيرًا.
قَوْلُهُ: "وَضَعَ عَنْهُ" أَيْ: قَليلا أَوْ كَثيرا من الدَّيْن.
قَوْلُهُ: "أَظَلَّهُ اللهُ في ظلّه" أيْ: أَوْقَفَهُ اللَّهُ تعالى في ظلّ عَرْشه. (مرقاة المفاتيح علي الهروي ج 5 ص1954).
(4) روى البخاريُّ عَنْ أَبي مُوسَى الْأَشْعَريّ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبيّ ﷺ قَالَ: "أَطْعمُوا الْجَائعَ، وَعُودُوا الْمَريضَ، وَفُكُّوا الْعَانيَ".(البخاري حديث: 5649).
قَوْلُهُ: "أَطْعمُوا الْجَائعَ" أي: قدّمُوا له من الطعام ما يشبعه، ويذهب عنه الجوع، لأنَّ الإسلامَ دينُ الرحمة والتعاطف، ومن أهم ما يقتضيه ذلك إطعام الفقير الجائع.
قَوْلُهُ: "وَعُودُوا الْمَريضَ" أي: قوموا بزيارة المريض.
قَوْلُهُ: "وَفُكُّوا الْعَانيَ" أي: خَلّصُوا الأسير من يد الأعداء، وكذلكَ الْمَحْبُوسَ ظُلْما. (منار القاري حمزة قاسم ج5 ص 198: 197).
(5) روى ابنُ أبي الدنيا والطبرانيُّ عَن ابْن عُمَرَ، رَضيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "أَحَبُّ الْأَعْمَال إلى اللَّه سُرُورٍ تُدْخلُهُ عَلَى مُسْلمٍ، أَوْ تَكْشفُ عَنْهُ كُرْبَة، أَوْ تَقْضي عَنْهُ دينا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعا، وَلأَنْ أَمْشيَ مَعَ أَخٍ لي في حَاجَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ منْ أَنْ أَعْتَكفَ في هَذَا الْمَسْجد (يَعْني مَسْجدَ الْمَدينَة)، شَهْرا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ، سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنا يَوْمَ الْقيَامَة، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخيه في حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصّرَاط يَوْمَ تَزلُّ فيه الْأَقْدَامُ، وَإنَّ سُوءَ الْخُلُق لَيُفْسدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ" (حديث حسن) (صحيح الجامع للألباني حديث: 176).
(6) روى مسلمٌ عَنْ عَبْد الله بْن أَبي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَريما لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إنّي مُعْسرٌ، فَقَالَ: آللَّه؟ قَالَ: آللَّه؟ قَالَ: فَإنّي سَمعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجيَهُ اللهُ منْ كُرَب يَوْم الْقيَامَة، فَلْيُنَفّسْ عَنْ مُعْسرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ"(مسلم حديث: 1563).
قَوْلُهُ: "كُرَب": جَمْعُ الْكُرْبَة وَهيَ الْمحْنَةُ الشَّديدَةُ وَالْمَشَقَّةُ الْأَكيدَةُ.
قَوْلُهُ: "فَلْيُنَفّسْ": فَلْيُؤَخّرْ مُطَالَبَتَهُ للدَّيْن إلى مُدَّةٍ يَجدُ المُعْسرُ فيهَا مَالا.
قَوْلُهُ: "أَوْ يَضَعْ": أَيْ يَتَنَازل للْمُعْسر عَن الدَّيْن كُلَّه أَوْ بَعْضه. (مرقاة المفاتيح علي الهروي ج5 ص 1954).
أقوال السلف في تفريج الكربات:
سوف نذكر بعضَ أقوال السلف الصالح في تفريج الكُرُبَات.
(1) روى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبيه، أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بن الجرَّاح حُصرَ بالشَّام، وَنَالَ منْهُ الْعَدُوُّ، فَكَتَبَ إلَيْه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: *مَهْمَا يَنْزلْ بأَمْركَ شدَّةٌ يَجْعَل اللَّهُ لَهُ بَعْدَهَا فَرَجا، وَإنَّهُ لَنْ يَغْلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن*، وَإنَّهُ يَقُولُ: }اصْبرُوا وَصَابرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلحُونَ{(آل عمران: 200) (الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص: 45 رقم: 31).
(2) قَالَ عَبْدُ اللَّه بْن مَسْعُودٍ: *لَوْ دَخَلَ الْعُسْرُ في جُحْرٍ، لَجَاءَ الْيُسْرُ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْه*، لأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: }فَإنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرا إنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرا{(تفسير الطبري ج24 ص 496).
(3) قَالَ رَاشدُ بْنُ سَعْدٍ: جَاءَ رَجُلٌ إلى أَبي الدَّرْدَاء، فَقَالَ: *أَوْصني، قَالَ: اذْكُر اللَّهَ في السَّرَّاء يَذْكُرْكَ في الضَّرَّاء، وَإذَا ذَكَرْتَ الْمَوْتَى فَاجْعَلْ نَفْسَكَ كَأَحَدهمْ، وَإذَا أَشْرَفَتْ نَفْسُكَ عَلَى شَيْءٍ منَ الدُّنْيَا فَانْظُرْ إلى مَا يَصيرُ*. (الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص: 72 رقم: 73).
(4) قَالَ عَمْرَو بْنُ أُحَيْحَةَ الأوسي: *عنْد تناهي الشدَّة، تكون الفُرْجَة، وَعند تضايق الْبلَاء، يكون الرَّخَاء، وَلَا أُبَالي أَي الْأَمريْن نزل بي عُسْرٌ أم يُسْرٌ، لأَن كل وَاحد منْهُمَا يَزُول بصَاحبه*. (الفرج بعد الشدة للتنوخي ج1 ص179).
(5) قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، : *مَرَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ بمُحَمَّد بْن الْمُنْكَدر، فَقَالَ: مَا لي أَرَاكَ مَغْمُوما؟ فَقَالَ أَبُو حَازمٍ: ذَاكَ لدَيْنٍ قَدْ فَدَحَهُ *(أصابه)، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ: افْتَحْ لَهُ في الدُّعَاء، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: *لَقَدْ بُوركَ لعَبْدٍ في حَاجَةٍ أَكْثَرَ فيهَا دُعَاءَ رَبّه كَائنَة مَا كَانَتْ*.(الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص: 39 رقم: 19).
(6) قَالَ طَاوُوسُ بنُ كَيْسَان، : إنّي لَفي الْحجْر(الموجود في الكعبة) ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ دَخَلَ عَليُّ بْنُ الْحُسَيْن، فَقُلْتُ: *رَجُلٌ صَالحٌ منْ أَهْل بَيْت الْخَيْر، لَأَسْتَمعَّنَّ إلى دُعَائه اللَّيْلَةَ، فَصَلّي ثُمَّ سَجَدَ، فَأَصْغَيْتُ بسَمْعي إلَيْه فَسَمعْتُهُ يَقُولُ في سُجُوده: عُبَيْدُكَ بفنَائكَ، مسْكينُكَ بفنَائكَ، فَقيرُكَ بفنَائكَ، سَائلُكَ بفنَائكَ. قَالَ طَاوُوسٌ: فَحَفظْتُهُنَّ فَمَا دَعَوْتُ بهنَّ في كَرْبٍ إلَّا فُرّجَ عَنّي*. (الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص: 67 رقم: 65).
(7) قَالَ إبْرَاهيمُ بْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ رَجُلٌ منْ تُجَّار الْمَدينَة يَخْتَلفُ إلى جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ فَيُخَالطُهُ، وَيَعْرفُهُ بحُسْن الْحَال، فَتَغَيَّرَتْ حَالُهُ، فَجَعَلَ يَشْكُو ذَلكَ إلى جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، فَقَالَ جَعْفَرٌ:
فَلَا تَجْزَعْ وَإنْ أُعْسرْتَ يَوْما فَقَدْ أُيْسَرْتَ في الزَّمَن الطَّويل
وَلَا تَيْأَسْ فَإنَّ الْيَأْسَ كُفْرٌ لَعَلَّ اللَّهَ يُغْني عَنْ قَليل
وَلَا تَظُنَّنَّ برَبّكَ ظَنَّ سُوءٍ فَإنَّ اللَّهَ أَوْلَى بالْجَميل
قَالَ الرَّجُلُ: فَخَرَجْتُ منْ عنْده وَأَنَا أَغْنَى النَّاس. (الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص: 90 رقم: 97).
(8) كَتَبَ بَكْرُ بْنُ الْمُعْتَمر إلى أَبي الْعَتَاهيَة منَ السّجْن يَشْكُو إلَيْه طُولَ الْحَبْس وَشدَّةَ الْغَمّ، فَكَتَبَ إلَيْه:
هيَ الْأَيَّامُ وَالْعيَرُ وَأَمْرُ اللَّه يُنْتَظَرُ
أَتَيْأَسُ أَنْ تَرَى فَرَجا فَأَيْنَ اللَّهُ وَالْقَدَرُ (الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص84 رقم: 89).
(9) قَالَ الإمَام الْفُضَيْلُ بنُ عيَاض (رَحمَهُ اللهُ): لَوْ يَئسْتَ منَ الْخَلْق حَتَّى لَا تُريدَ منْهُمْ شَيْئا، لَأَعْطَاكَ مَوْلَاكَ كُلَّ مَا تُريدُ.(جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 494).
(10) قَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعيدٍ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزيز أُوَدّعُهُ، فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ وَانْصَرَفْتُ، نَادَى: «يَا عَنْبَسَةُ» مَرَّتَيْن، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْه، فَقَالَ: «أَكْثرْ منْ ذكْر الْمَوْت، فَإنَّكَ لَا تَكُونُ في وَاسعٍ منَ الْأَمْر إلَّا ضَيَّقَهُ عَلَيْكَ، وَلَا تَكُونُ في ضَيّقٍ منَ الْأَمْر إلَّا وَسَّعَهُ عَلَيْكَ» (الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص76 رقم: 79).
(11) كَانَ عَبْدُ الله بنُ شُبْرُمَةَ إذا نزلت به شدَّة، يَقُول: *سَحَابَة ثمَّ تنقشع*. (الفرج بعد الشدة للتنوخي ج1 ص172).
(12) قال ابن رجب الحنبلي: منْ لَطَائف أَسْرَار اقْترَان الْفَرَج بالْكَرْب وَالْيُسْر بالْعُسْر: *أَنَّ الْكَرْبَ إذَا اشْتَدَّ وَعَظُمَ وَتَنَاهَى، وَحَصَلَ للْعَبْد الْإيَاسُ منْ كَشْفه منْ جهَة الْمَخْلُوقينَ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ باللَّه وَحْدَهُ، وَهَذَا هُوَ حَقيقَةُ التَّوَكُّل عَلَى اللَّه، وَهُوَ منْ أَعْظَم الْأَسْبَاب الَّتي تُطْلَبُ بهَا الْحَوَائجُ، فَإنَّ اللَّهَ يَكْفي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْه*، كَمَا قَالَ تَعَالَى: }وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُوَ حَسْبُهُ{(الطلاق: 3) (جامع العلوم لابن رجب الحنبلي ص 493).
(13) قَالَ بعض الصَّالحين: *اسْتعْملْ في كل بلية تطرقك حُسْن الظَّن باللَّه عز وَجل، في كشفها، فَإن ذَلك أقرب بك إلَيّ الْفرج*.(الفرج بعد الشدة للتنوخي ص154).
فوائد الكربات
ذَكَرَ الإمامُ ابن رجب الحنبلي (رَحمَهُ اللهُ) بعضا من فوائد الكربات وحكَمهَا، منها:
(1) تكفير الخطايا بها، والثواب عَلَى الصبر عليها.
(2) تُذَكّرُ العبدَ بذنوبه؛ فربما تاب ورجع منها إلى الله عز وجل.
(3) زوال قسوة القلوب وحدوث رقتها.
(4) انكسار العبد لله عز وجل وذله له، وذلك أَحَبّ إلى الله من كثير من طاعات الطائعين.
(5) أنها تُوجب للعبد الرجوع بقلبه إلى الله عز وجل، والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة، وذلك من أعظم فوائد البلاء، وقد ذم الله من لا يستكين له عند الشدائد، قال اللهُ تعالى: }وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالْعَذَاب فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبّهمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ{(المؤمنون: 76).
وقَالَ تَعَالَى: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ منْ قَبْلكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{(الأنعام: 42).
(6) البلاءُ يُوصلُ إلى قلب العبد لذة الصبر عليه والرضا به، وذلك مقام عظيم جدّا.
(7) البلاءُ يقطعُ قلبَ المؤمن عَن الالتفات إلى مخلوق ويُوجبُ له الإقبال عَلَى الخالق وحده.
وقد حَكَى اللهُ تعالى عن المشركين إخلاص الدعاء له عند الشدائد؛ فكيف بالمؤمن؟!
* قَالَ اللهُ تَعَالَى: }هُوَ الَّذي يُسَيّرُكُمْ في الْبَرّ وَالْبَحْر حَتَّى إذَا كُنْتُمْ في الْفُلْك وَجَرَيْنَ بهمْ بريحٍ طَيّبَةٍ وَفَرحُوا بهَا جَاءَتْهَا ريحٌ عَاصفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ منْ كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحيطَ بهمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ لَئنْ أَنْجَيْتَنَا منْ هَذه لَنَكُونَنَّ منَ الشَّاكرينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إذَا هُمْ يَبْغُونَ في الْأَرْض بغَيْر الْحَقّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاة الدُّنْيَا ثُمَّ إلَيْنَا مَرْجعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ{(يونس23: 22).
قال اللهُ تَعَالَى: }فَإذَا رَكبُوا في الْفُلْك دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرّ إذَا هُمْ يُشْركُونَ * ليَكْفُرُوا بمَا آتَيْنَاهُمْ وَليَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{(العنكبوت66: 65).
فالبلاءُ يُوجبُ للعبد تحقيق التوحيد بقلبه وذلك أَعْلَى المقامات وأشرف الدرجات.(مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي ج2 ص107: 106).
تفريج الكربات في واحة الشعراء:
(1) قال الإمام الشافعي (رَحْمَهُ اللَّه):
وَلَرُبَّ نَازلَةٍ يَضيقُ بهَا الفَتى ذَرْعَا وَعنْدَ الله منهَا المَخْرَجُ
ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُهَا فُرجَتْ وَكَانَ يَظُنُّهَا لاَ تُفْرَجُ
(ديوان الإمام الشافعي ص5)
(2) قال مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهيمَ، (رَحْمَهُ اللَّه)
إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْيَأْس الْقُلُوبُ وَضَاقَ لمَا بهَا الصَّدْرُ الرَّحيبُ
وَأَوْطَنَت الْمَكَارهُ وَاطْمَأَنَّتْ وَأَرْسَتْ في أَمَاكنهَا الْخُطُوبُ
وَلَمْ تَرَ لانْكشَاف الضُّرّ وَجْها وَلَا أَغْفَى بحيلَته الْأَرْيبُ
أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ منْكَ غَوْثٌ يَمُنُّ به اللَّطيفُ الْمُسْتَجيبُ
وَكُلُّ الْحَادثَات إذَا تَنَاهَتْ فَمَوْصُولٌ بهَا الْفَرَجُ الْقَريبُ
(الفرج لابن أبي الدنيا ص81)
(3) قَالَ الْقَاسمُ بْنُ مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ (رحمه الله):
عَسَى مَا تَرَى أَنْ لَا يَدُومَ وَأَنْ تَرَى لَهُ فَرَجا ممَّا أَلَحَّ به الدَّهْرُ
عَسَى فَرَجٌ يَأْتي به اللَّهُ إنَّهُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ في خَليقَته أَمْرُ
إذَا لَاحَ عُسْرٌ فَارْجُ يُسْرا فَإنَّهُ قَضَى اللَّهُ أَنَّ الْعُسْرَ يَتْبَعُهُ الْيَسَرُ
(الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص91)
(4) قال الشاعر
مفْتَاح بَاب الْفرَج الصَّبْر وكلّ عسرٍ بعده يسر
والدهر لَا يبْقى على حالةٍ وكلّ أَمر بعده أَمر
وَالْكرب تفنيه اللَّيَالي الَّتي أَتَى عَلَيْهَا الْخَيْر والشرّ
(الفرج بعد الشدة للتنوخي 5 ص97)
(5) قَالَ أَبُو الْعَتَاهيَة (رحمه الله):
اقْض الْحَوَائجَ مَا اسْتَطَعْتَ َكُنْ لهَمّ أَخيكَ فَارجْ.
فَلَخَيْرُ أَيَّام الْفَتَى يَوْمٌ قَضَى فيه الْحَوَائجْ.
(الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي ج2 ص178)
(6) قال الشاعر:
إذا تضايق أمرٌ فانتظر فرجا فأضيق الأمر أدناه من الفرج
(مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي ج2 ص105)
(7) قال الشاعر:
عَسَى فَرَجٌ يَأْتي منْ اللَّه إنَّهُ لَهُ كُلُّ يَوْمٍ في خَليقَته أَمْرُ
عَسَى مَا تَرَى أَنْ لَا يَدُومَ وَأَنْ تَرَى لَهُ فَرَجا ممَّا أَلَحَّ به الدَّهْرُ
إذَا اشْتَدَّ عُسْرٌ فَارْجُ يُسْرا فَإنَّهُ قَضَى اللَّهُ أنَّ الْعُسْرَ يَتْبَعُهُ الْيُسْرُ
(روضة العقلاء محمد بن حبان ص 159)
(8) قال الشاعر:
تصبّر إن عقبَى الصبر خيرٌ ولا تجزع لنائبة تنوبُ
فإن اليسر بعد العسر يأتي وعند الضيق تنكشف الكروبُ
وكم جَزعت نفوسٌ من أمور أتى من دونها فرجٌ قريبُ
(مجموعة رسائل ابن رجب الحنبلي ج2 ص104)
أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد