بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف يوم الأحد: 22 من جمادى الأولى 1446ه الموافق لـ 24 من نوفمبر 2024م.
• كلامُنا كلُّه في بيان حقيقةٍ مهمَّةٍ جدًّا؛ هي أنَّ فَضْلَ الكلام على الكلام، وفَضْلَ الكلام، ورُجْحانَ الكلام، وبلاغةَ الكلام، وقيمةَ الكلام، كلُّ ذلك لا يَرجِعُ إلَّا إلى المعنى، وليس منه شيءٌ يَرجِعُ إلى اللَّفظ.
• إذا قلتَ لي: «لقد طال كلامُ عبد القاهر في أنَّ فَضْلَ كلامٍ على كلامٍ يَرجِعُ إلى المعنى لا إلى اللَّفظ»، قلتُ لك: لأنَّ هذا هو جِذْرُ علم البلاغة، وجِذْرُ علم النَّقد، وجِذْرُ علم الإعجاز؛ فهي مسألةٌ ذاتُ قيمة، وتثبيتُها يعني تثبيتَ أصولِ هذه العلوم الثلاثة: البلاغة، والنَّقد، والإعجاز.
• لَقْلَقةُ اللِّسان لا قيمةَ لها؛ ما يَنطِقُ به اللِّسانُ قيمتُه فيما جرى في النَّفْس، والذي جرى في النَّفْسِ مَعانٍ وخواطر، وهذا مهمٌّ جدًّا؛ فاعْقِلْه.
• البلاغةُ تَنتقل من الحَلْقِ إلى القَلْب؛ لأن مَقرَّها القلبُ والعقل، وبلاغتُك تَعنِي بلاغةَ قلبِك وعقلِك وليست بلاغةَ لسانِك، وعِيُّكَ يَعنِي عِيَّ عقلِك وقلبِك وليس عِيَّ لسانِك.
• العَيِيُّ ليس هو الذي لا يُحسِنُ النُّطقَ، وإنَّما العَيِيُّ هو الذي لا يُحسِنُ الفَهْمَ، والفصيحُ البليغُ هو الذي يُحسِنُ الفَهْمَ وله بصيرة.
• الإمامُ عليٌّ - كرَّم الله وجهَه - ممَّن يؤخَذُ منهم علمُ البلاغة.
• القضيةُ ليست أن أتعلَّمَ العلمَ، وإنَّما القضيةُ هي أن أتعلَّمَ كيف أتعلَّمُ العلمَ.
• لو كنتُ أنا سأُعلِّمُك العلمَ فإني ألقاك في الأسبوع ساعةً، ثم تَبقَى وحدَك بقيَّة العُمر؛ لذا يَجِبُ أن تتعلَّمَ كيف تتعلَّمُ، وليس لي غايةٌ إلَّا هذه: أنْ أُعلِّمَك كيف تتعلَّم.
• طلبُ العلم من المَهْدِ إلى اللَّحْد؛ فمَن الذي سيكون معك من المَهْدِ إلى اللَّحْد إلَّا الكتاب؛ فيَجِبُ أن تَعرِفَ كيف تقرأ الكتابَ.
• التدبُّرُ فيما نقرأ مِفتاحُ بابِ العلم، والعِلمُ لو قلتَ إنه مفاتيحُ يَفتحُ بعضُها البابَ لبعضٍ لم تكنْ مخطئًا.
• العلمُ يَنشأُ من بُذورٍ كما يَنشأُ النَّباتُ من بُذور.
• قولُ سيِّدنا عليٍّ: «ما سَمِعْتُ كلمةً عربيةً مِن العَرب إلَّا وسمعتُها مِن رسول الله ﷺ وسَمِعْتُه يقول: "ماتَ حَتْفَ أنفِه"، وما سَمِعْتُها مِن عربيٍّ قبلَه» فتحَ بابَ علمٍ عند الجاحظ، وهو تَقصِّي ما ابتكرَه رسولُ الله ﷺ من أساليبِ العربيَّة، وكتبَ في ذلك كلامًا جليلًا جدًّا؛ فوَجدَ مع "ماتَ حَتْفَ أنفِه": «حَمِيَ الوَطِيسُ» و«كلُّ الصَّيْد في جَوْفِ الفَرَا».. وهكذا.
• لا أُحِبُّ أن ألومَ مَن سبقني، إنَّما أَذكُر ما ذَكَر، وأقول إنه تَرَكَ غيرَ ما ذَكَر لمن يأتي بعدَه، وأَكفُّ لساني عن الذي سبقني؛ لأن هذه إساءة.
• حين تكونُ مَهمَّتُك أنْ تَهجُوَ مَن سبقوك مِن أهل العلم فكُنْ مِن أهل الجهل أفضلُ.
• لم أقرأ أحدًا بعد الجاحظ أضافَ إلى كلام الجاحظ شيئًا، وإنَّنا ما زِلْنا نعيش على ما استخرجه الجاحظ، وكان يُفترَضُ - حين قال سيدنا علي: «وسَمِعْتُه يقول: "ماتَ حَتْفَ أنفِه"، وما سَمِعْتُها مِن عربيٍّ قبلَه» - بأهل العِلمِ بالشِّعْر أن يَستخرجوا لنا من ديوان امرئ القيس ما سَمِعُوه منه ولم يَسْمَعُوه مِن غيره، ومن ديوان النَّابغة ما سَمِعُوه منه ولم يَسْمَعُوه مِن غيره، ومن ديوان طَرَفَة.. وهكذا؛ يَمتدُّ هذا الاتِّجاهُ في دراسة الشِّعر حتى أصِلَ إلى المُتنبِّي، وأصِلَ إلى الزَّمن الذي أنا فيه، وستَجِدُ في زماننا الذي نحن فيه رجالًا قالوا كلامًا ابتكروه ولم يُسمَعْ مِن غيرهم، وأعني بذلك الشاعرَ محمود حسن إسماعيل؛ لأن معظمَ أساليبِه مبتكَرة، وأعني أبا القاسم الشَّابِّي.. وغيرهما.
• كلُّ مَن نَبغَ في البيان له ابتكارات، وكلُّ مَن نَبغَ في الشِّعر له ابتكارات، وهذا هو الغائبُ عنَّا.
• النُّبوغُ عَطِيَّةٌ جليلةٌ مِن الله، والنُّبوغُ له عطاءات، ومِن عطاءات النُّبوغ أنه يَصِلُ إلى أشياء لم يَصِلْ إليها غيرُه.
• كلمةُ الإمام عليٍّ كانت جديرةً بأن تَفتحَ في دراسة الشِّعْر والبيان أبوابًا ومناهجَ وطُرقًا إلى يومِ النَّاس هذا، والذي تَلقَّفَها وانتفع بها هو الجاحظ، وخيرُ ما في كلام الجاحظ هو ما استخرجَه مِن روائع كلام سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
• مهما قلتُ في النَّابغة فلن أستخرجَ منه أفضلَ ولا أروعَ من الأساليب التي ابتكرها.
• قرأتُ أن كلَّ شاعرٍ جيِّدٍ له إضافاتٌ في اللُّغة، لكن أين هي؟ لَمْ تَبحثُوا عنها يا سيِّدنا لأنكم ظللتم تبحثون عن الذي قاله الطُّليانُ في الشعر الطُّليانيِّ، والذي قالته الأممُ في آدابِ غيرها!
• كلمةُ الإمام عليٍّ نَبَّهتِ الجاحظَ، وكلمةُ الجاحظ كان يجب أن تُنبِّه جواحظَ كثيرين، لكننا لم نَفْعَلْ هذا!
• التخلُّف قَيَّدَنا بقيدٍ رديء، وحَبَّبَ إلينا التَّبعية، وجعلَها مِن الفضائل عندنا!
• لا تَقلْ لي: «فلانٌ رائعٌ لأنه اتَّبع»، وإنَّما قُلْ لي: «فلانٌ رائعٌ لأنه ابتدع».
• تَذوُّقُ البيان وتَذوُّقُ الشِّعر أفسدناه على أنفسِنا، وأنا عِشتُ في شبابي - وأنا في سِنِّكم – زمنًا كنتُ أقرأ دراسةَ الشِّعر الجاهليِّ على مناهج الآخرين؛ فلا أتذوَّقُ الشِّعرَ ولا أتذوَّقُ المناهج.
• دراسةُ الشِّعْر لا سبيلَ لها إلَّا تحليلُ اللُّغة التي حَدَّثتْ عن هذا الشِّعْر.
• لو عَمِلْتَ تعاويذَ الأرض كلِّها على قصيدةٍ عربيةٍ فلن تُحدِّثَك بسِرِّها، وإنَّما سِرُّها يكون في تحليل الكلمات التي نَطقَ بها صاحبُها، الذي أَودعَ في كلماتِه سِرَّ نفسِه، ولو ابتعدتَ عن هذا وقرأت مناهج الآخرين فأنت في وَهْمٍ؛ أنت في مَيدانٍ آخر.
• الشِّعْرُ هو تحليلُ الشِّعْر، والشِّعْرُ لُغة، وكلُّ شاعرٍ أسكنَ دقائق مَعانِيه في دقائق مَبانِيه، فإذا ابتعدتَ عن دقائقِ المباني تكونُ قد ابتعدتَ عن الشِّعْر وعن كلِّ شيء.
• أوَّلُ شيءٍ يَجِبُ علينا هو أن نَضعَ أقدامَنا على الطريق الصَّحيح، ثُمَّ نَمشِي، ليس ثُمَّ نَمشِي، وإنَّما: ثُمَّ نَبذلُ أقصى طاقتِنا في السَّير على الطريق الصَّحيح، وهذه هي خيرُ الأُمَم، خيرُ الأُمَم هي التي تَبذلُ مِن الطَّاقات ما لا تَبذلُه غيرُها من الأُمَم.
• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر في الفقرة رقم (478): «واعلمْ أنك تَجِدُ هؤلاء الذين يَشكُّون فيما قُلناه تَجرِي على ألسنتِهم ألفاظٌ وعباراتٌ لا يَصِحُّ لها معنًى سوى توخِّي معاني النَّحو وأحكامه فيما بين معاني الكَلِم، ثُمَّ تَراهُم لا يَعْلَمون ذلك»، قال شيخُنا: هذا مِن أمتِعِ ما أقرؤه؛ لأن عبد القاهر يقول لي إن هؤلاء المُخالِفين الذين يرفضون ما نقول أحيانًا تجري على ألسنتِهم كلماتٌ لا تَستقيم إلَّا على الذي نَقولُ.. أرأيتَ ذكاءَ عبد القاهر وتعريتَه آراء مَن يُعارضونه!
• علماءُ الأمَّة وجدوا سَخافاتٍ في فِكْر الأمَّة وواجَهُوها وحارَبُوها، وكان يُقال عن عُبيد الله القاسم بن سَلَام إنه كان أشْبَهَ علمائنا بالأنبياء؛ فحين تَجِدُ عبدَ القاهر يُجاهِد في سبيل تصحيح الفِكْر، وتَضَعُه بإزاء نَبيٍّ يُجاهد في سبيل تصحيح العقيدة، ستجد المسألةَ واضحةً: هذا يُصحِّح عقلًا، وهذا يُصحِّح عقيدة، ومن هنا كانوا أشْبَهَ بالأنبياء؛ لأن جهادَهم العقليَّ يُشبِهُ جهادَ الأنبياء.
• بعد أن استغرق شيخُنا وقتًا في بيان طريقة عبد القاهر في إيراد الفكرة، قال: حتى الآن أنا لم أتكلَّم عن القضية، أنا أتكلَّم عن الطريقة؛ لأن الذي يَعنيني هو أن تَعرِفَ طرائقَ العلماء في التفكير، فإذا وَعَيْتَ طرائقَ التفكير وصلتَ أنت إلى النتائج التي وصل إليها العلماء.
• «توخِّي معاني النَّحو فيما بين الكَلِم على وَفْق الأغراض والمقاصد» كلمةٌ كبيرةٌ، قرأناها وهالَتْنا، وقلنا إنها مِن كلامِ كبارِ العلماء، وظَنَّ النَّاسُ أن تحتَها عجائبَ وغرائبَ، والأمر ليس كذلك؛ لأن تحتَها ما يَقْصِدُ إليه الطِّفلُ الذي يقول لأبيه: «أنا أريد شيكولاته»: «أنا» مبتدأ، و«أريد» خَبَر، و«شيكولاته» مفعولٌ به ل«أريد».
• أحيانًا تجد ألفاظ العلماء تُوهِمُك أن هناك صعوبة، والأمرُ ليس كذلك.
• العلماءُ أفادوا من قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} فيَسَّروا العلمَ للذِّكْر.
• رأينا علماء - وسَمِعْنا منهم ودرَّسوا لنا - يُسهِّلون الصَّعبَ جدًّا، ورأينا علماء يُعسِّرون السَّهْلَ جدًّا.
• أَذكُر أن الشيخ عوض الله حجازي - رحمه الله - الذي كان مديرًا لجامعة الأزهر في الزَّمن القديم كان يُدرِّس لنا الفلسفة اليونانية، والفلسفةُ اليونانيةُ فيها صعوباتٌ، وعلمُ الفلسفة فيه صعوباتٌ، ولكن الشيخ عوض الله حجازي - الله يرحمه رحمةً واسعة - كان عنده قدرة على تقريب البعيد وتيسير العَسِير؛ فكان يُكلِّمنا في الفلسفة اليونانية كأنه يُكلِّمنا في شِعْر الصَّبوة، وكان الشيخ عبد السميع شبانة - الله يرحمه - يُكلِّمنا في دقائق النَّحو وكأنه يُكلِّمنا في شِعرٍ مُحبَّبٍ إلينا، في حين كان آخرون - لن أذكرَهم، وربنا يرحمهم رحمةً واسعة، وكانوا علماء أجلَّاء - يُعسِّرون العلم.
• أعتقد أننا نُصعِّب العلمَ، نَزعُم أننا نُعلِّم طلابَنا العلم، والحقيقةُ أننا نُصعِّب على طلابنا طلبَ العلم؛ لأنك إذا لم تَكنْ ستُيسِّر العَسِيرَ فالزمْ بيتَك.
• تَيسيرُ العَسِير ليس عملًا شاقًّا، كثرةُ القراءة هي التي تُيسِّر العَسِير.
• كثرةُ القراءة في العلم تفتح أبوابَ العلم، وتُيسِّر العلم، وتُقرِّب العلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد