فوائد من درس دلائل الإعجاز 28


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، يوم الأحد: 29 من جمادى الأولى 1446ه = 1 من ديسمبر 2024م

• ما زلنا في باب الردِّ على من يقولون إن مَزِيَّة الكلام ترجع إلى ألفاظه، ولاحِظْ أن كلام عبد القاهر هنا طال، لكنِّي من الناس الذين يبحثون في كلِّ ما طالَ عن فائدةٍ تجعله لم يَطُلْ.

• عبد القاهر كان عملُه هو الردُّ على الأقوال الضَّعيفة التي شَغَلت الناسَ وشَغَلت العقولَ بما لا يُفيد، وهذا شيءٌ جليلٌ جدًّا، وهو الذي يَجعلُني أستقصِرُ الطويل؛ لأني حين أجِدُ فيه لَمَحاتٍ جيِّدةً تَجعلُني هذه اللَّمَحاتُ أُقبِل عليه.

• في هذه الأبواب التي نحن فيها عبدُ القاهر لا يُكلِّمني في العِلم، هو تكلَّمَ في العِلم إلى أن وَصَل إلى أنَّ النَّظْمَ هو أساسُ الإعجاز، وأن النَّظْمَ هو تَوخِّي معاني النَّحو على وَفْق الأغراض، وهذه حقيقةٌ علميةٌ، ثم شَغَلَ نفسَه بعد ذلك بالأقوال الضَّعيفة التي شَغَلتْ عقولَ الناس بما لا يُفيد، وخيرُ خَلْقِ الله مَن حاول أن يُبعدَ عن عقول الناس ما لا يُفيد، وأن يُقرِّبَ إلى عقولِهم ونُفوسِهم ما يَنفع.

• كلُّ كلامِ عبد القاهر الذي قُلناه هو في بيانِ فسادِ فِكْرٍ شَغلَ العقولَ وهو لا قِيمةَ له.

• يا لَيْتَك يا عبدَ القاهر تُبعَثُ مِن جديد لكي تُصحِّحَ الأفكار من الفِكْر الذي شَغلَها وهو لا قيمةَ له. لَيْتَك تُبعَثُ مِن جديدٍ يا شيخ عبد القاهر لتُبعِدَ عن عقولِنا ما شَغلَها ممَّا لا يُفيد.

• عبد القاهر كأنه يَضَعُ منهجَ أهلِ العلم ومنهجَ العلماء، وهو أن يُطهِّرَ عقولَ الناس ممَّا لا يُفيد، وهذا أهمُّ مِن أن يقولَ ما يُفيد وقد تَركَ العقولَ مشغولةً بما لا يُفيد.

• أنت لست قارئَ كتابٍ فحسب، وإنَّما أنت صانعٌ للكتاب الذي تقرؤه.

• عبد القاهر يُحاور الفكرَ الفاسدَ ليَخْلَعَه مِن قلوبِ الناس.

• دَرْسِي لتعليمِك كيف تقرأ، وإذا تَعلَّمْتَ كيف تقرأ تَعلَّمْتَ كيف تتعلَّم، وإذا تَعلَّمْتَ كيف تتعلَّمُ صِرتَ في غِنًى عن الآخرين.

• حين تجلس مع كتاب «الجاحظ» كأنك مع «الجاحظ»، حين تجلس مع مُدوَّنة «مالك» كأنك مع «مالك»، ولا شكَّ أن الذي مع «الجاحظ» أفضلُ مِن الذي مع «زيدٍ» و«عمرو»، ولا شكَّ أن الذي مع «مالك» أفضلُ مِن الذي مع فُلانٍ وفُلان.

• أنا أُعِدُّك لتكون مع «مالك»، وأُعِدُّك لتكون مع «الجاحظ».. لا تَكُنْ معي؛ لأني لا أعرف شيئًا، وإنَّما أعرف فقط كيف تَعِي كلامَ العلماء، فإذا عَلَّمتُك هذا صِرْتَ جاهزًا لأن تَجلِسَ مع «الشافعيِّ» في «الأُمّ» وفي «الرِّسالة»، ومع «مالك»، ومع مَن شِئتَ من العلماء.

• عَملُنا الأساسُ هو أن نُعِدَّك لسماع الكبار، لسنا نُعِدُّك لسماعنا، وإنَّما نُعِدُّك لسماع الأئمَّة الذين هم العلماءُ، والذين هم الأولياءُ كما قال «الشَّافعي».

• لا تَبحثْ عن وَليٍّ مِن أولياء الله في أيِّ جهةٍ إلَّا في الجهة التي يَسكنُ فيها العلماء.

• لا يكفي العالِمَ عِلمُه ولا يؤهِّلُه عِلمُه لأن يكون وَليًّا، وإنَّما عِلمُه وعَملُه وصِدقُه وإخلاصُه وأشياء كثيرةٌ لا يعلمها إلَّا الله = هي التي تَجعلُه وَليًّا.

• احذرْ أن تَصِفَ كلَّ عالِمٍ بأنه وَلِيٌّ، وإنَّما أحْسِن الظنَّ بالعلماء، واتركْ وَصْفَ العالِم بأنه وَلِيٌّ للذي يعلم مدى علمه ومدى صدقه ومدى إخلاصه.

• مهمَّتي ليست أن أُعلِّمَك العلم، وإنَّما مهمَّتي أن أُعِدَّك لمُجالسة الكرام، وإذا لم أُعِدَّك لمُجالسة الكرام فقد أعددتُك لأن تكون قَزَمًا لا قيمةَ لك.

• الإمامُ مالكٌ رائعٌ جدًّا؛ لأنه عاش في فترة بني أُميَّة وفي أوَّل فترة بني العبَّاس، وهي فترةُ قلقٍ سياسيٍّ شديد، ولكنه كان أَحْكمَ مِن أن يَدخُلَ في هذا اللَّغَط السِّياسي، وجلسَ ليَكتُبَ لنا العلم؛ لأنه لو دخلَ في اللَّغْو السِّياسي فإمَّا أن يُدخِلَه بنو أُميَّة السِّجن وإمَّا أن يُدخِلَه بنو العبَّاس السِّجن، وسيتهمونه بأنه «خطر على الأمن القومي»، ويَدخُل في «زمبليطة» ليس لها أيُّ قيمة، ولا يكون قد خَدَم الأُمَّة، وإنَّما خَدَمها لمَّا جلس يَكتبُ لنا كتاب «المُوطَّأ».

• تعقيبًا على قول الإمام عبد القاهر: «فإنَّا لا نعرف للَّفظِ صفةً يكون طريقَ معرفتها العقلُ دون الحِسِّ إلَّا دِلالَتَه على معنًى»، قال شيخُنا: يا وَلَد، ضَعْ كلمةَ «دِلالته على معنًى» هذه في سُويداء قلبِك؛ لأن «دلالته على معنًى» هي طريقةُ تحليل الشِّعر، وطريقةُ تحليل القرآن، وطريقةُ تعريف الفاضل والأفضل.

• يا سيِّدنا، أنا أَجِدُ الجملةَ مِن كلام العلماء كأنها فَتحتْ لي بوَّابةَ مدينة العلم.

• انتهى عُمري وأجِدُ كثيرًا من الكلمات لا أستطيع أن أستخلِصَ منها دلالتها على المعنى، وأجد في كلام عبد القاهر كلماتٍ لا أستطيع أن أستخلِصَ منها دلالتها على المعنى، لكنَّ هذا لا يُؤْيِسُنِي؛ لأنه ليس هناك أحدٌ أحاط بكلِّ شيءٍ إلَّا الله.

• رَاقَنِي قولُ بعض المفسِّرين في الحروف المُقطَّعة؛ قالوا: القرآن في أوَّل خطابه لك يقول إنك ستَجِدُ في القرآن ما لا تَفْهَم؛ لأنك لا تُحاوِلُ أن تَفْهَم معنى «حم» ولا تُحاوِلُ أن تَفْهَم معنى «الم»؛ فقل: كلٌّ مِن عند ربِّنا؛ ما فَهِمْناه وما لم نَفْهَمْه.

• ما دمتَ قد أيقنتَ أن القرآن مِن عند الله فتَقبَّلْه؛ فَهِمْتَ أو لم تَفْهَمْ.

• «حم» تقول لك: ستَجِدُ في القرآن ما لا تَعقِلُ؛ فاحملْ ما لا تَعقِلُ على ما تَعقِلُ، ولا تَطلبْ من نفسِك أن تعرفَ كلَّ شيء؛ لأن القرآن هو مائدةُ الله المعروضةُ على الأمَّة الإسلامية، كلُّ جيلٍ يأخذُ منها.

• أخذَ جيلُنا من القرآن ما لم تأخُذْه الأجيالُ السَّابقة، وستأخذُ أجيالُنا ما لم نأخُذْه نحن، وهذا هو الدِّين، وهذا هو الإعجاز.

• رَاقَنِي «السَّكَّاكِيُّ» لمَّا قرأ كلَّ ما كتبَه علماءُ الإعجاز، ثم قال: «ومُدرِكُ الإعجاز عندي هو الذَّوق»؛ لأن الله لمَّا أنزلَ كتابَه مُعجزًا أسكنَ في قلب عباده ذائقةً بيانيةً تُدرِك هذا الإعجاز، وهذا مِن لُطْفِ الله بعباده، وحتَّى لا يكونَ للنَّاس على الله حُجَّةٌ.

• أفضلُ ما يتعلَّمُه الإنسانُ هو حُسْنُ البيان؛ لأن البيانَ هو الذي تَميَّز به الإنسانُ عن كلِّ مخلوقاتِ الله الأخرى.

• عبد القاهر يُحلِّل معنى النَّاطقيَّة في الإنسان؛ عربيًّا كان أو غيرَ عربي، ولو أنَّ مُترجِمًا تَرْجمَ كلامَ عبد القاهر في هذا الباب إلى كل لُغات العالَم، وقرأه عقلاءُ الأُمَم لأقَرُّوه، وقلت: «عقلاء الأُمم» وليس الذين يقرأون وفي ذهنِهم أفكارٌ سياسيةٌ مُعيَّنة، ولا يُحبُّون الإقرارَ بفضيلةٍ إلَّا لأنفسهم.

• قِيمُة العالِم الجليلِ في أن يُقرِّبَ إلى عقلِك المعنى البعيد.

• تعقيبًا على افتراضِ الإمام عبد القاهر اعتراضًا على لسانِ مُخالِفِيه، قال شيخُنا: عبد القاهر يَعرِضُ تَهافُتًا لا أظنُّ أن المُتهافِتين يقولون به، لكنَّ الذي يُحرِّرُ العلمَ لابد أن يَعرِضَ ما يُمكن أن يكون وما لا يُمكن أن يكون.

• وَعْيُك في الحياة التي أنت فيها يُعِينُك على وَعْي الحياة التي لستَ فيها: في كثيرٍ من تحليلي للشِّعر، وتحليلي لآيات القرآن، وتحليلي لكلام سيِّدنا رسول الله الذي يُعِينُني على دقائق وَعْيِه وغوامضِه وخوافِيه هو الحياةُ التي أنا فيها.

• لم أبتعدْ لحظةً؛ لا في درسي، ولا في كلمةٍ كتبتُها، ولا في كلمةٍ قُلتُها، عن الوَعْي بالحياةِ التي أنا فيها.

• أحيانًا أَدْرُسَ الآيةَ بوَعْي زمانِي فأُحِسُّ كأنها لم تَنزلْ منذ ألفٍ وخمسمائةِ سنة، وإنَّما كأنها نَزلت الآن، وهذا يَزيدُني يقينًا بالإعجاز؛ لأنها تُعالِجُ قضايا كلِّ زمن، وقضايا كلِّ مكان، وقضايا كلِّ جيل.

• لن تَعِيَ ما قالَه عبدُ القاهر إلَّا إذا وَعَيْتَ الزَّمنَ الذي أنت فيه، لن تَعِيَ ما قاله رسولُ الله إلَّا إذا وَعَيْتَ الزَّمنَ الذي أنت فيه؛ فوَعْيُك بالزَّمَن ضرورة.

• الحياةُ السِّياسيةُ في زَمنِ «مالكٍ» انتقلتْ مِن بني أُميَّة إلى بني العبَّاس، والذي يقول إنها انتقلتْ انتقالًا سهلًا لا فتنةَ فيه إنسانٌ مُغفَّل؛ لأنها انتقلتْ وهي مشحونةٌ بالفتنة، ولكنَّ «مالكًا» رأى أن دخولَه في هذه المَعْمَعةِ لن يُغيِّر فيها شيئًا، إنَّما كتابتُه «المُوطَّأ» هي التي تُفيد الأمَّة، وهو يَضِنُّ على عُمرِه بأيِّ شيءٍ يَخرُجُ عن خدمة أمَّة «لا إله إلَّا الله» وعن خدمة خير أمَّة أُخرِجَتْ للناس.

• العلماءُ الكرامُ ضَنُّوا بوقتِهم على الدُّخول في السَّخافات، ولو كانوا يَعلَمُون أنهم لو دَخَلُوا فيها لغَيَّروا لدَخَلُوا.

• كتابُ «الرِّسالة» يُعلِّم أمَّة، كنتُ أقرأ «الرِّسالة» لا لأتعلَّم الفِقْهَ، وإنَّما لأتعلَّم كيف كان «الشَّافعيُّ» يُفكِّر؛ لأن «الشَّافعيَّ» عقلٌ يُعلِّمُك كيف تُفكِّر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply