صيغ التمويل الإسلامي لتمويل عجز الموازنة

313
5 دقائق
8 شعبان 1446 (07-02-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يؤدي تمويل عجز الموازنة العامة إلى التأثير على الاقتصاد الكلي؛ وعادة عند إعداد الموازنة العامة يتم الأخذ في الاعتبار المشكلات الاقتصادية الكلية التي يعاني منها، ويمكن معالجتها عبر الموازنة العامة؛ لأن السياسات الاقتصادية؛ ومنها السياسات المالية والنقدية يجب أن تكون وسيلة للوصول إلى الأهداف الاقتصادية بكفاءة. والهدف النهائي للسياسات الاقتصادية هو العمل على زيادة معدلات نمو الدخل القومي وتحقيق العدالة في توزيع هذا الدخل.

والاختلاف بين الأنظمة الاقتصادية والأيديولوجيات من حيث مؤيدي السوق الحرة وتحرير التجارة من ناحية، والمطالبين بضرورة تدخل الدولة وأن تؤدي دورًا أساسيًا في توجيه اقتصاد السوق، وتفادي سلبيات حرية التجارة على الصناعات المحلية من ناحية أخرى؛ فإن هذا الاختلاف يتركز حول ادعاء كل طرف أن فكره والنظام الاقتصادي الذي يدعو إليه هو الأكفأ في تحقيق الهدف النهائي بشقيه. أي أنه لا يوجد اختلاف على الهدف؛ ولكن الاختلاف في أي الأنظمة يعتبر الأكفأ في الوصول لهدف السياسات الاقتصادية.

ويرتكز تحقيق زيادة معدلات النمو على زيادة الاستثمارات والكفاءة في استخدامها، وتتوقف زيادة الاستثمارات على زيادة معدلات الادخار المحلي، وعلى السياسات المالية للدولة؛ وبخاصة المتعلقة بعجز الموازنة العامة، ويعتبر الادخار المحلي من أهم العوامل من حيث المخاطر والسلبيات.

ومن الأدوات التي تستخدم في تعبئة المدخرات المحلية الصكوك الإسلامية الحكومية؛ وهي وسيلة لتمويل عجز الموازنة العامة.[1] وتتميز الصكوك الإسلامية بالكفاءة في توفير أساليب جديدة للحصول على التمويل، ويتمثل في تعدد أنواع الإصدارات المقترحة في الاكتتاب العام؛ وهي إصدارات المشاركة، والمضاربة، والمرابحة، والسلم، والإجارة، والتي تساهم في حل المشكلات التمويلية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وتركز هذه المقالة على موضوع معالجة تمويل عجز الموازنة العامة عن طريق الصكوك الإسلامية السيادية (السلم والإجارة). وأهم عناصرها هي الإجابة على عدة أسئلة؛ وهي: ما هو مفهوم تمويل عجز الموازنة العامة؟ ما هو مفهوم الصكوك الإسلامية الحكومية؟ وما هي أهم مميزاتها؟ كيف يمكن لصيغ التمويل الإسلامية (السلم والإجارة) المساهمة في علاج وتمويل عجز الموازنة العامة؟ وما هو أثر استخدام صكوك السلم والإجارة في تمويل عجز الموازنة العامة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟

إن لصيغ التمويل الإسلامي المتمثلة في الأدوات المالية القائمة على الملكية وتمثلها (الإجارة)، والأدوات المالية القائمة على المديونية وتمثلها (السلم)؛ دور مهم في تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، والمساهمة في التنمية المستقلة.

وتكمن الأهمية في أن تمويل عجز الموازنة العامة من الموضوعات المهمة في التطبيق الإسلامي المعاصر؛ ذلك لأن النظام الاقتصادي القائم يرتكز كلية على تمويل عجز الموازنة بالطرق التقليدية وبالقروض بفائدة، كما أن الفائدة تدير هيكل السياسة النقدية للدولة، ولعل الخطورة الكبيرة لتمويل عجز الموازنة العامة بالطرق التقليدية وهيمنتها على السياسات الاقتصادية والمالية، تلقي الضوء على الحكمة من تحريم التمويل بالفوائد الربوية، أو بطرق تؤدي إلى عدم العدالة في تحمل الأعباء. كما أن لها آثار اجتماعية وأخلاقية على المجتمع ككل؛ ولذلك يعتبر موضوع تمويل عجز الموازنة العامة من القضايا الاقتصادية الأكثر صعوبة، ومشكلة كبيرة تواجه صانعي السياسات الاقتصادية المعاصرين.

وقد تناولت دراسات سابقة هذا الموضوع، وهي دراسات تناولت عجز الموازنة العامة، وتمويل هذا العجز، ودور السياسة المالية في تمويل عجز الموازنة، وأهمية الصكوك الإسلامية في تمويل العجز، وإيجابياته.

ويمكن إيجاز أهم النقاط التي تناولتها الدراسات السابقة؛ فيما يلي:

-دور السياسة المالية في تحقيق الاستقرار للموازنة العامة؛ وكيف أن السياسة المالية يجب أن تعمل على تحقيق استقرار الموازنة؛ خاصة عندما تكون النفقات العامة أكبر من الإيرادات العامة؛ بسبب اتباع سياسة مالية توسعية؛ للإنفاق على المشروعات الضخمة والاستراتيجية.

- توجد أهمية كبيرة لموضوع إدارة الدين العام، والتعامل مع الديون الخارجية والداخلية.

- أيضًا أهمية دور الحوكمة المحوري في الموازنة العامة في الدول بصفة عامة، وفي الدول التي تتبع سياسات مالية توسعية على وجه الخصوص.

- أهمية التنسيق بين الأجهزة الرقابية المالية، ومنحها الاستقلال اللازم؛ للقيام بمهامها، وتحسين كفاءتها لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

- إن الاقتصاديات التي تعتمد على إيرادات النفط؛ تحقق في الغالب مستويات دخل مرتفعة تعمل على نمو الإنفاق العام، ويحدث عدم توازن بين الإيرادات والنفقات؛ حيث يحدث خلل هيكلي بسبب ارتفاع الإنفاق العام؛ ولابد أن تعكس السياسات المالية هذا الوضع.

- تحتاج التطورات على مستوى الإطار التنظيمي والقانوني في عملية إصدار الصكوك الإسلامية إلى أهمية الدعم الحكومي.

- توجد إيجابيات كثيرة للصكوك الإسلامية في مجال تمويل عجز الموازنة العامة للدولة؛ من خلال صيغها المختلفة.

- يوجد فرق بين الأخذ بالصكوك الإسلامية والأخذ بالسندات التقليدية؛ فيما يخص تمويل عجز الموازنة العامة.

ونضيف إلى ذلك أننا نتناول صيغتين من صيغ التمويل الإسلامي هما الإجارة (أداة مالية تقوم على الملكية)، والسلم (أداة مالية تقوم على المديونية)، وإثبات دورهما الهام في تمويل عجز الموازنة العامة للوصول إلى الأهداف الاقتصادية؛ حيث أن لتطبيق هاتين الصيغتين دور مهم في المساهمة في التنمية المستقلة؛ بعيدًا عن السندات، أو الاستدانة من المؤسسات الدولية.

عجز الموازنة العامة:

تشكل الموازنة العامة في أي دولة الدور الرئيس والعمود الفقري للاقتصاد والتنمية؛ وهي تتضمن الإيرادات العامة، والنفقات العامة على شكل تقرير مالي؛ يعد سنويًا من السلطة التنفيذية، ويعتمد من السلطة التشريعية، وتعكس الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للدولة.

ويحدث العجز في الموازنة العامة للدولة عند زيادة النفقات العامة عن الإيرادات العامة، ويمكن معالجة العجز عن طريق الضغط على النفقات العامة، أو بالاستدانة. ومن أهداف الموازنة العامة للدولة تعزيز المركز المالي للحكومة؛ عن طريق الاحتفاظ بمستوى الاحتياطات لدى البنك المركزي عند مستوى آمن. والتحسينات التي تجريها الدول على الموازنة العامة يكون بهدف جعلها أداة أو وسيلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ورغم الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ عن عجز الموارنة العامة؛ فقد أصبحت هذه الظاهرة موجودة في الكثير من اقتصاديات الدول سواء المتقدمة أو النامية.

وتتخذ الحكومات تدابير وسياسات ترمي إلى سد العجز مثل زيادة الإيرادات أو تخفيض النفقات، وتلجأ بعض الحكومات إلى الإصدار النقدي أو الاستدانة عن طريق إصدار سندات الخزينة أو الاستدانة من المؤسسات الدولية. وهناك اتجاه آخر وهو التمويل عن طريق تجميع المدخرات عبر الصكوك الاستثمارية مثل المشاركة والمضاربات.[2]

أي أن العجز الحاصل في الموازنة العامة هو السبب إلى اللجوء للدين العام. ويكون هذا العجز بسبب انخفاض الإيرادات العامة (الرسوم والضرائب...)، أو الزيادة في النفقات العامة. أي أن الدين العام هو مصدر من مصادر سد العجز في الموازنة العامة. ويعتبر العجز في الموازنة العامة إحدى سياسات الحكومة وإحدى نتائج الموازنة العامة التي يمكن للحكومات التوسع من خلاله، أو تفاديه لتحقيق غايات وأهداف اقتصادية معينة.

الصكوك الإسلامية الحكومية:

إن القاعدة العامة في التشريع الإسلامي أن الاباحة هي الأصل، والتحريم هو الاستثناء، يقول الله عز وجل: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ[3]. إن الله تعالى قد نص على المحرمات تفصيلًا وتحديدًا؛ فالتحريم هو الاستثناء؛ لذلك يمكن حصره وتفصيله، وما عدا ذلك فيدخل في دائرة المباح. وقد حرم الله عز وجل صورة واحدة من صور الاستثمار تحريمًا مطلقًا؛ وهي صورة الاقتراض بفائدة ثابتة ومضمونة أو الزيادة على الدين لأي سبب من الأسباب، وهذه الصورة هي الصورة البغيضة التي ينتج عنها فساد في الأرض. يقول الله عز وجل فيها: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ﴾[4] أما الصور الأخرى فهي مباحة مع الالتزام بالضوابط والقواعد الشرعية لكل صورة من هذه الصور المباحة.[5]

الخلاصة إن العجز في الموازنة العامة للدول أصبح ظاهرة موجودة في غالبية الدول؛ المتقدمة والآخذة في النمو أو النامية. ويعتبر الهدف النهائي للسياسات الاقتصادية؛ وهو العمل على زيادة معدلات نمو الدخل القومي وتحقيق العدالة في توزيع هذا الدخل؛ هو السبب في أهمية تمويل عجز الموارنة، والمهم الوسيلة لذلك. وفي ضوء ذلك نسعى إلى المقارنة بين تمويل عجز الموازنة عن طريق التمويل التقليدي؛ الذي يعتمد على الفوائد الربوية، والتمويل الذي يعتمد على صيغ التمويل الإسلامي. والمهم أن تكون صيغ تمويلية حقيقية وليست صورية على الورق، وهذا هو أساس نجاح هذه التجربة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


[1] سمارة، حسام؛ وعبد الله، أحمد؛ ونور الدين، قمر الزمان: الأثر الاقتصادي للصكوك السيادية عند تمويل الموازنة العامة "صكوك المشاركة والمضاربة". الصفحات 1-33، 2018.

[2] المرجع السابق، ص 8-9.

[3] (الأنعام: 118).

[4] (البقرة: 275).

[5] لاشين، فتحي السيد. فوائد البنوك بين الاستغلال الربوي والاستثمار الإسلامي - دراسة تأصيلية للنظامين الربوي والإسلامي شرعياً وقانونياً ومصرفياً. الجيزة: بصائر للبحوث والدراسات، 2009، ص 184. ط


مقالات ذات صلة


أضف تعليق