التمذهب منهج في ترقية الاجتهاد لا في ترسية التقليد

118
1 دقائق
4 رمضان 1446 (04-03-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

التمذهبُ منهجٌ اجتهادي متكامل يترقى فيه الطالب من رتبة إلى أعلى، والتقليدُ وإن كان مبتدأَ ذلك المنهج إلا أنه يفضي بالمتمذهب إلى شُعَبٍ من الاجتهادِ آخذٍ بعضها بحُجَز بعض.

ثم المتمذهبة بعد ذلك على طرائقَ ومسالك، فمنهم الذي يسمو بهمّه إلى رتبةٍ من الاجتهاد عاليةٍ حسب ما أفاء الله عليه -وليس بعاقلٍ من أمكنه درجة ورثة الأنبياء ثمّ فوّتها كما يقول النووي- ومنهم المقتصد دون ذلك.

فالتمذهب إذًا ليس مرادفًا للتقليد، وإنما هو منهجٌ في النظر والتفقه، يتحذَّق فيه المتمذهب بالأصول والفروع، سواءٌ المنصوصة عن إمام المذهب أو التي حصَّلها أتباعه رعايةً للمنهج الاجتهادي الذي جرى عليه.. وهو بذلك منهجٌ آخذٌ من كلٍّ من التقليد والاجتهاد بطرفٍ بحسب رتبة المتمذهب ومقامه من الفقه والتفقُّه.

وامتيازُ المذاهب الأربعة -التي هي محل التمذهب فيما استقرَّ عليه عمل الأمة- نابعٌ من قوتها المنهجية، وقابليَّتها لذلك الترقي لتكامل أدواتها وموادّها الفقهية، وانضباط نظامها الاستدلالي.. فليست مجرد فهرسٍ لمختارات إمام في مسائل الفقه، والمتمذهب بها آخذٌ لنظامٍ لا لمجردِ مسردٍ وقائمةٍ فقهيَّةٍ تابعةٍ لأحد الأئمة.

ويؤكد ذلك أن اصطلاح (المذهب) وإن كان مبنيًّا في الأصل على فقه إمامٍ إلا أنه يتسع لأنماط اجتهادية أوسع، فهو يشمل ما يحصِّلُه أتباعُه، والوصف بالتبعية لا يقتضي التقليد المحض، بل هي تبعية اجتهادية على وفق منهجٍ قد تفضي بالمتمذهب إلى مخالفة الإمام نفسِه جريًا على القواعد.

وهذا وإن لم يكن متحقِّقًا في آحاد الطلبة ومبتدئيهم، إلا أن المترقِّي في تمذهبه يتحصَّل له ذلك شيئًا فشيئًا، ثم هو قد يفارقُ محجَّة مذهبه في مسائلَ وربما في أصولٍ ولا يخلع ذلك عنه وصف التمذهب.

ولأجل ذلك نجد أصحابَ المذاهب أنفسَهم -على تفاوتِ ما بينَهم بحسب رُتَبِهم- جدُّوا في إبداء المشكلات على مذاهبهم، وانتقاد الأقوال المدوَّنة فيها، وامتحان الأصول المخرَّجة منها، وهذا يلوح لكلِّ مَن أجال نظرَه في مصنفاتهم، وما كان هذا منهم إلا لإدراكهم أن تمذهبهم نظامُ نظرٍ واجتهادٍ، وليس مجرد تقليدٍ وضبطٍ لمسرَدِ أقوال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق