بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (129).
للرَّحيقِ المختومِ عُدْتُ ورائي | أتحرَّى أطايبَ الأشذاءِ | |
| وأشمُّ الفوَّاحَ من ربعِ روضٍ | فيه أغلى تشبُّثي وثَوائي |
| وألـمُّ الأشتات من تُرَّهاتي | والبغيضَ المذمومَ من أهوائي |
| ضقتُ ذرعًا بما رأيتُ من الزُّخرفِ . | . أوهى من همَّتي و مضائي |
| قد عرفتُ الأفذاذَ في موكبِ . المجدِ ... | . المجدِ بتيجانِهم وبالنَّعمـاءِ |
| وقرأتُ التاريخَ والسِّيرَ المُثلى . | . وما في الزمانِ للفضلاءِ |
| من سُمُوٍّ ومن عُلُوٍّ و فضلٍ | ومكانٍ في عالَمِ الحكماءِ |
| أّتَوَخَّى مُشيعَ حبٍّ لقلبي | إذ براه النَّوى من اللأواءِ |
| قد وجدتُ الضَّرامَ يحيي حنينًـا | في فؤادي الذي صَبَـا و رُوائي |
| فحنايا أضالُعي ظامئاتٌ | في هجيرٍ ، مستمطراتٍ سمائي |
| أتهادى على المرابعِ أُصغي | من وراءِ الغيوبِ للأصداءِ |
| وأُولِّي وجهي إلى حيثُ لاحت | رفرفاتُ الأنوارِ في الظلماءِ |
| هوَ ذا مأربي وتاجُ طموحي | وهنا في مدارِه بُشَرائي |
| سِيرةٌ لم يُحِطْ بيانُ بليغٍ | ببهاها ولا فصيحُ الثَّناءِ |
| من عُلاها تحدَّرَ الخيرُ غضًّـا | من فيوضِ النُّبوَّةِ الغرَّاءِ |
| وتسامتْ بها أواصرُ قومٍ | جمعتْهُم في أعذبِ الأفياءِ |
| كيف لا والحبيبُ أحمدُ مختارُ . | ... الكريمِ الرحمنِ ذي الآلاءِ |
| ماتراءى امرؤٌ بأيِّ زمانٍ | مثلَ طه في الخَلقِ والنُّظراءِ |
| أبلجُ الوجهِ والوضاءةُ فيه | مثلُ بدرٍ في الليلةِ القمراءِ |
| أدعجُ العينينِ اللتينِ بِحُسْنٍ | جلَّ ربِّي حلاَّهما بالسَّناءِ |
| إنْ رأتْهُ العيونُ خالتْهُ شمسًا | طلعتْ في صباحِها الوضَّـاءِ |
| فبنورِ الرضا استنارَ بهاءً | وجهُ خيرِ الورى ، وأنقى صفاءِ |
| أحسنُ الناسِ مطلعًـا في وقارٍ | وجلالٍ و هيبةٍ و حياءِ |
| وعليه الصلاةُ أكملُهم خَلقًـا . | . وخُلْقًـا ، وسيِّدُ الفصحاءِ |
| وهو الأوفى ذِمَّـةً قد تناهى | صدقُ مافي العهودِ للأوفياءِ |
| مصطفانا الحبيبُ والطيبُ منه | لم يُفارقْ خُطاهُ في الأرجاءِ |
| ويداهُ كجونةٍ ملأتْها | كفُّ عطَّارٍ فاحَ بالأشذاءِ (1) |
| وابتساماتُه تفيضُ بعطفٍ | وحنانٍ حتَّى على البُعَداءِ |
| وُلِدَ الخيرُ يومَ مولدِه الغالي . | . فما من مثيلِه في الرُّواءِ (2) |
| والبرايا مستبشراتٌ بيومٍ | في مغاني الأفاضل النُّدماءِ |
| وبنو الجنِّ والملائكةُ الأطهارُ . | . أصغوا لعَذْبِ حُلْوِ النِّداءِ |
| فبه بشَّرَ الإلهُ بني الدنيا . | . لأمرٍ لم يَخْفَ في الآناءِ |
| تتثنَّى الأيامُ جذلى فهذا | رحمةُ اللهِ ، زهوُ كلِّ إياءِ (3) |
| وبه يُستَسقى الغمامُ ويحيا | بمثانيهِ ميِّتُ الأحياءِ |
| وبأيَّامِ يُتْمِـه ابتهجتْ بنتُ . | . ذؤيبٍ في وحشةِ البيداءِ (4) |
| قد حباها الرحمنُ من فضلِه الثَّرِّ . | . فعادتْ في موكبِ السُّعداءِ |
| إذْ رأتْ من رعايةِ اللهِ ما لم | يأتِ يومًا ببالِ ذاتِ شقاءِ |
| فهو الخيرُ والنَّدى حيثُ وافى | في رحابِ الحجازِ والأبواءِ |
| ومشاها واليُتْمُ أفرعَ شأوًا | لم ينلْه أكابرُ النُّبلاءِ (5) |
| وعُلُوٌّ تباسقَ المجدُ فيه | بمثاني العقيدة السَّمحاءِ |
| وتسامى بخُلْقِه غيرَ فظٍّ | لم يجانبْ سجيَّةَ الرُّحماءِ |
| جاء للعالمين خيرَ بشيرٍ | بالمزايا الأثيرةِ الإطراءِ |
| ونذيرا للمعرضين حُفولا | من طغاةٍ في الناسِ أو سفهاءِ(6) |
| هلَّ بالوحيِ فانجلى عهدُ كفرٍ | وظلامٍ طوتْهُ كفُّ ذُكاءِ (7) |
| وأنارَ الوجودَ فانْكَفَأَ الشركُ . | . و ولَّتْ مكارهُ البلواءِ |
| وتوارى إبليسُ وارتعدَ الطاغوتُ . | . خوفًا من قبضةِ الحنفاءِ |
| وتعرَّتْ أُكذوبةُ المللِ الأخرى . | . وأخوتْ بهارجُ الآراءِ |
| نزلَ الوحيُ بالشريعةِ بيضاءَ . | . فباركْ بالشِّرعةِ البيضاءِ |
| وَانْـهَ كلَّ الشعوبِ حتَّى تردَّ . | . الجِبتَ ردًّا على مدى الغبراءِ |
| فبغيرِ الإسلامِ تشقى البرايا | وتعيشُ العناءَ بعدَ العناءِ |
| قد تهاوتْ أحزابُهم وتلاشت | فِرقُ المفترين رغمَ الدهاءِ |
| وتنادى الأشرارُ غرَّهُمُ الوهمُ . | . لإفناءِ دعوةِ الأنبياءِ |
| واشمخروا بما لَهُم من عُتُوٍّ | ونفوذٍ طاغٍ ، ومن إغواءِ |
| لَهُمُ الويلُ لن ينالوا فلاحًـا | أو يفرُّوا من عدلِ حُكمِ القضاء |
| هم أباحوا المحرماتِ ونالوا | من مقامِ النُّبوَّةِ العصماءِ |
| وأثاروا دسائسَ الفتنِ الكبرى . | . بدعوى من زورِهم والنساءِ |
| كذبَ المرجفون إنَّ دعاواهُم . | . هُراءٌ ، ونفثُها من هباءِ |
| والرزايا التي تفورُ وهذي . | . النازلاتُ الشَّديدةُ الضَّرَّاءِ |
| هي شُؤمُ الذنوبِ مابرحتْ تغشى . | . طمأنينةَ الورى والهناءِ |
| ولأبناءِ أُمَّتي حَرُّ ُ شكوى | من بنيها العصاةِ في الآناءِ |
| أسمعَتْهُم إذ غالها العبثُ الأعمى . | . ضلالا من وِلْدِها الأشقياءِ |
| قد تصدَّوا للبيِّناتِ وعاثوا | بالبهاءِ المنضودِ في اللألاءِ |
| فأصابتْ بالكَرْبِ غائلةُ الدهرِ . | . حِماهم ، والثُّكلِ والإدجاءِ |
| فأفاؤوا لوفضةِ المجدِ لكنْ | وجدوها على يبابِ التنائي (8) |
| يالها من شماتةٍ أخجلتْهُم | لو أصاخوا لصادقِ الأنباءِ |
| غيرَ أنَّ استهتارَهم مادعاهم | لسِوى النأيِ عن كريمِ السَّناءِ |
| واستخفَّتْهُم زهرةُ العيشِ زورًا | فجفتْهم هناءةُ الغرَّاءِ |
| ما أتاحتْ حضارةُ العصرِ للناسِ . | . سوى حسرةٍ ، وأنَّةِ داءِ |
| وانهيارٍ للباسقاتِ من الخيرِ . | . ووخزِ الكآبةِ الربداءِ |
| فجزاءُ التَّفلُّتِ الأرعنِ اليومَ . | ... شكاوى من وطأةِ الأرزاءِ |
| نسيَ اللهَ جيلُ ليلٍ بغيضٍ | باتَ يُدعَى بالليلة الحمراءِ |
| في مُجونٍ له وفي جنفٍ عن | فطرةِ اللهِ في غليظِ الغباءِ (9) |
| حاربوها بالموبقاتِ فنالوا | ضنكَ عيشٍ ، وذاك بعضُ الجزاءِ |
| بينَ أحداقِهم ثقيلُ شجونٍ | من غبارِ المصيبةِ الرعناءِ |
| وتعالى لهيبُ ثورةِ شعبٍ | ذاقَ مـرَّ المعيشةِ الهوجاءِ |
| فالرزايا تُطيلُ سهدَ الليالي | وتثيرُ الأحقادَ في الأحناءِ |
| فتشظَّى المخبوءُ بعدَ خمود | فوقَ أهلِ الأهواءِ والكبرياءِ |
| حيثُ ضجَّتْ شعوبُنا لاتبالي | بفنونِ التعذيبِ والإفناءِ |
| كبَّرتْ فاستجابتِ الهممُ النائمةُ . | . اليومَ رغمَ طولِ البلاءِ |
| ليعودَ الربيعُ بين روابيها . | . نديًّـا يحلو بعينِ الرائي |
| عادَ يُحيي إيمانَها بالمعزِّ . | . المستجيبِ الدعاءَ في الظلماءِ |
| عادَ والمسلمون هاهم أعادوا | مالدينِ الإسلامِ من لألاءِ |
| ومن الفخرِ بالحبيبِ تراءى | بين هذي الجموعِ عَذْبَ النِّداءِ |
| وتجلَّى الرحمنُ بالفتحِ يُزجي | لرؤى المتقينَ نورَ اهتداءِ |
| لن يخافَ الشبابُ من لججِ الموتِ . | . بظلِّ الشهادةِ الزهراءِ |
| هي جنَّاتُ رحمةٍ ونعيمٍ | للشهيدِ السَّبَّاقِ عندَ اللقاءِ |
| ويعودُ الربيعُ فَلْيَخْسَأِ القيظُ . | . بصيفٍ ، والبردُ بردُ الشتاءِ |
| وَلْتُوَلِّ الرياحُ تعصفُ بالبأسِ . | . بأيدي الخريفِ عبرَ الفضاءِ |
| عادَ شذوُ الربيعِ ، فَلْتَهْنَأِ الدنيا. | . بحكمِ الشريعةِ الغراءِ |
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
هوامش:
(1): الجونة: الإناء الذي يخزن فيه العطار الطيب
(2): الرُّواء: حُسنُ المنظر
(3): الإياء: الحُسن والجمال
(4): بنت ذؤيب: حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب
(5): أفرع: علا مجدا ، وشرف مكانة
(6): حُفولا: مجتمعين ، متكاتفين
(7): ذُكاء من أسماء الشمس
(8): الوفضة: جعبة السهام
(9): جنف: ميل ، وبعد عن الحق