ثم عاد الربيع

76
4 دقائق
12 رمضان 1446 (12-03-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (129).

للرَّحيقِ المختومِ عُدْتُ ورائي

أتحرَّى أطايبَ الأشذاءِ

وأشمُّ الفوَّاحَ من ربعِ روضٍ

فيه أغلى تشبُّثي وثَوائي

وألـمُّ الأشتات من تُرَّهاتي

والبغيضَ المذمومَ من أهوائي

ضقتُ ذرعًا بما رأيتُ من الزُّخرفِ .

. أوهى من همَّتي و مضائي

قد عرفتُ الأفذاذَ في موكبِ . المجدِ ...

. المجدِ بتيجانِهم وبالنَّعمـاءِ

وقرأتُ التاريخَ والسِّيرَ المُثلى .

. وما في الزمانِ للفضلاءِ

من سُمُوٍّ ومن عُلُوٍّ و فضلٍ

ومكانٍ في عالَمِ الحكماءِ

أّتَوَخَّى مُشيعَ حبٍّ لقلبي

إذ براه النَّوى من اللأواءِ

قد وجدتُ الضَّرامَ يحيي حنينًـا

في فؤادي الذي صَبَـا و رُوائي

فحنايا أضالُعي ظامئاتٌ

في هجيرٍ ، مستمطراتٍ سمائي

أتهادى على المرابعِ أُصغي

من وراءِ الغيوبِ للأصداءِ

وأُولِّي وجهي إلى حيثُ لاحت

رفرفاتُ الأنوارِ في الظلماءِ

هوَ ذا مأربي وتاجُ طموحي

وهنا في مدارِه بُشَرائي

سِيرةٌ لم يُحِطْ بيانُ بليغٍ

ببهاها ولا فصيحُ الثَّناءِ

من عُلاها تحدَّرَ الخيرُ غضًّـا

من فيوضِ النُّبوَّةِ الغرَّاءِ

وتسامتْ بها أواصرُ قومٍ

جمعتْهُم في أعذبِ الأفياءِ

كيف لا والحبيبُ أحمدُ مختارُ .

... الكريمِ الرحمنِ ذي الآلاءِ

ماتراءى امرؤٌ بأيِّ زمانٍ

مثلَ طه في الخَلقِ والنُّظراءِ

أبلجُ الوجهِ والوضاءةُ فيه

مثلُ بدرٍ في الليلةِ القمراءِ

أدعجُ العينينِ اللتينِ بِحُسْنٍ

جلَّ ربِّي حلاَّهما بالسَّناءِ

إنْ رأتْهُ العيونُ خالتْهُ شمسًا

طلعتْ في صباحِها الوضَّـاءِ

فبنورِ الرضا استنارَ بهاءً

وجهُ خيرِ الورى ، وأنقى صفاءِ

أحسنُ الناسِ مطلعًـا في وقارٍ

وجلالٍ و هيبةٍ و حياءِ

وعليه الصلاةُ أكملُهم خَلقًـا .

. وخُلْقًـا ، وسيِّدُ الفصحاءِ

وهو الأوفى ذِمَّـةً قد تناهى

صدقُ مافي العهودِ للأوفياءِ

مصطفانا الحبيبُ والطيبُ منه

لم يُفارقْ خُطاهُ في الأرجاءِ

ويداهُ كجونةٍ ملأتْها

كفُّ عطَّارٍ فاحَ بالأشذاءِ (1)

وابتساماتُه تفيضُ بعطفٍ

وحنانٍ حتَّى على البُعَداءِ

وُلِدَ الخيرُ يومَ مولدِه الغالي .

. فما من مثيلِه في الرُّواءِ (2)

والبرايا مستبشراتٌ بيومٍ

في مغاني الأفاضل النُّدماءِ

وبنو الجنِّ والملائكةُ الأطهارُ .

. أصغوا لعَذْبِ حُلْوِ النِّداءِ

فبه بشَّرَ الإلهُ بني الدنيا .

. لأمرٍ لم يَخْفَ في الآناءِ

تتثنَّى الأيامُ جذلى فهذا

رحمةُ اللهِ ، زهوُ كلِّ إياءِ (3)

وبه يُستَسقى الغمامُ ويحيا

بمثانيهِ ميِّتُ الأحياءِ

وبأيَّامِ يُتْمِـه ابتهجتْ بنتُ .

. ذؤيبٍ في وحشةِ البيداءِ (4)

قد حباها الرحمنُ من فضلِه الثَّرِّ .

. فعادتْ في موكبِ السُّعداءِ

إذْ رأتْ من رعايةِ اللهِ ما لم

يأتِ يومًا ببالِ ذاتِ شقاءِ

فهو الخيرُ والنَّدى حيثُ وافى

في رحابِ الحجازِ والأبواءِ

ومشاها واليُتْمُ أفرعَ شأوًا

لم ينلْه أكابرُ النُّبلاءِ (5)

وعُلُوٌّ تباسقَ المجدُ فيه

بمثاني العقيدة السَّمحاءِ

وتسامى بخُلْقِه غيرَ فظٍّ

لم يجانبْ سجيَّةَ الرُّحماءِ

جاء للعالمين خيرَ بشيرٍ

بالمزايا الأثيرةِ الإطراءِ

ونذيرا للمعرضين حُفولا

من طغاةٍ في الناسِ أو سفهاءِ(6)

هلَّ بالوحيِ فانجلى عهدُ كفرٍ

وظلامٍ طوتْهُ كفُّ ذُكاءِ (7)

وأنارَ الوجودَ فانْكَفَأَ الشركُ .

. و ولَّتْ مكارهُ البلواءِ

وتوارى إبليسُ وارتعدَ الطاغوتُ .

. خوفًا من قبضةِ الحنفاءِ

وتعرَّتْ أُكذوبةُ المللِ الأخرى .

. وأخوتْ بهارجُ الآراءِ

نزلَ الوحيُ بالشريعةِ بيضاءَ .

. فباركْ بالشِّرعةِ البيضاءِ

وَانْـهَ كلَّ الشعوبِ حتَّى تردَّ .

. الجِبتَ ردًّا على مدى الغبراءِ

فبغيرِ الإسلامِ تشقى البرايا

وتعيشُ العناءَ بعدَ العناءِ

قد تهاوتْ أحزابُهم وتلاشت

فِرقُ المفترين رغمَ الدهاءِ

وتنادى الأشرارُ غرَّهُمُ الوهمُ .

. لإفناءِ دعوةِ الأنبياءِ

واشمخروا بما لَهُم من عُتُوٍّ

ونفوذٍ طاغٍ ، ومن إغواءِ

لَهُمُ الويلُ لن ينالوا فلاحًـا

أو يفرُّوا من عدلِ حُكمِ القضاء

هم أباحوا المحرماتِ ونالوا

من مقامِ النُّبوَّةِ العصماءِ

وأثاروا دسائسَ الفتنِ الكبرى .

. بدعوى من زورِهم والنساءِ

كذبَ المرجفون إنَّ دعاواهُم .

. هُراءٌ ، ونفثُها من هباءِ

والرزايا التي تفورُ وهذي .

. النازلاتُ الشَّديدةُ الضَّرَّاءِ

هي شُؤمُ الذنوبِ مابرحتْ تغشى .

. طمأنينةَ الورى والهناءِ

ولأبناءِ أُمَّتي حَرُّ ُ شكوى

من بنيها العصاةِ في الآناءِ

أسمعَتْهُم إذ غالها العبثُ الأعمى .

. ضلالا من وِلْدِها الأشقياءِ

قد تصدَّوا للبيِّناتِ وعاثوا

بالبهاءِ المنضودِ في اللألاءِ

فأصابتْ بالكَرْبِ غائلةُ الدهرِ .

. حِماهم ، والثُّكلِ والإدجاءِ

فأفاؤوا لوفضةِ المجدِ لكنْ

وجدوها على يبابِ التنائي (8)

يالها من شماتةٍ أخجلتْهُم

لو أصاخوا لصادقِ الأنباءِ

غيرَ أنَّ استهتارَهم مادعاهم

لسِوى النأيِ عن كريمِ السَّناءِ

واستخفَّتْهُم زهرةُ العيشِ زورًا

فجفتْهم هناءةُ الغرَّاءِ

ما أتاحتْ حضارةُ العصرِ للناسِ .

. سوى حسرةٍ ، وأنَّةِ داءِ

وانهيارٍ للباسقاتِ من الخيرِ .

. ووخزِ الكآبةِ الربداءِ

فجزاءُ التَّفلُّتِ الأرعنِ اليومَ .

... شكاوى من وطأةِ الأرزاءِ

نسيَ اللهَ جيلُ ليلٍ بغيضٍ

باتَ يُدعَى بالليلة الحمراءِ

في مُجونٍ له وفي جنفٍ عن

فطرةِ اللهِ في غليظِ الغباءِ (9)

حاربوها بالموبقاتِ فنالوا

ضنكَ عيشٍ ، وذاك بعضُ الجزاءِ

بينَ أحداقِهم ثقيلُ شجونٍ

من غبارِ المصيبةِ الرعناءِ

وتعالى لهيبُ ثورةِ شعبٍ

ذاقَ مـرَّ المعيشةِ الهوجاءِ

فالرزايا تُطيلُ سهدَ الليالي

وتثيرُ الأحقادَ في الأحناءِ

فتشظَّى المخبوءُ بعدَ خمود

فوقَ أهلِ الأهواءِ والكبرياءِ

حيثُ ضجَّتْ شعوبُنا لاتبالي

بفنونِ التعذيبِ والإفناءِ

كبَّرتْ فاستجابتِ الهممُ النائمةُ .

. اليومَ رغمَ طولِ البلاءِ

ليعودَ الربيعُ بين روابيها .

. نديًّـا يحلو بعينِ الرائي

عادَ يُحيي إيمانَها بالمعزِّ .

. المستجيبِ الدعاءَ في الظلماءِ

عادَ والمسلمون هاهم أعادوا

مالدينِ الإسلامِ من لألاءِ

ومن الفخرِ بالحبيبِ تراءى

بين هذي الجموعِ عَذْبَ النِّداءِ

وتجلَّى الرحمنُ بالفتحِ يُزجي

لرؤى المتقينَ نورَ اهتداءِ

لن يخافَ الشبابُ من لججِ الموتِ .

. بظلِّ الشهادةِ الزهراءِ

هي جنَّاتُ رحمةٍ ونعيمٍ

للشهيدِ السَّبَّاقِ عندَ اللقاءِ

ويعودُ الربيعُ فَلْيَخْسَأِ القيظُ .

. بصيفٍ ، والبردُ بردُ الشتاءِ

وَلْتُوَلِّ الرياحُ تعصفُ بالبأسِ .

. بأيدي الخريفِ عبرَ الفضاءِ

عادَ شذوُ الربيعِ ، فَلْتَهْنَأِ الدنيا.

. بحكمِ الشريعةِ الغراءِ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

هوامش:

(1): الجونة: الإناء الذي يخزن فيه العطار الطيب

(2): الرُّواء: حُسنُ المنظر

(3): الإياء: الحُسن والجمال

(4): بنت ذؤيب: حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب

(5): أفرع: علا مجدا ، وشرف مكانة

(6): حُفولا: مجتمعين ، متكاتفين

(7): ذُكاء من أسماء الشمس

(8): الوفضة: جعبة السهام

(9): جنف: ميل ، وبعد عن الحق


مقالات ذات صلة


أضف تعليق