أحاديث اللعن في السنة النبوية

767
5 دقائق
2 ذو القعدة 1446 (30-04-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

نهى الإسلام عن المعاصي والمحرمات، لأنها تفسد القلوب، وتُبعد العبد عن رضا الله، وقد يُحرم بسببها التوفيق في الدنيا والآخرة. ومن شدّة قبح بعض المعاصي، ورد في السنة أن النبي لعن فاعليها، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، ولا يكون إلا في أمر عظيم. والأحاديث التي ورد فيها اللعن:

1- الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ:

قال : "لعنَ اللَّهُ المحلِّلَ والمحلَّلَ لَهُ".

مجموع الفتاوى: 20/350.

وهم من يتحايلون على الطلاق ثلاثًا، فيتزوج الرجل المرأة المطلّقة فقط ليردّها لزوجها السابق. وهذا يُعد من نكاح التحليل المنهي عنه، وقد ثبت تحريمه حتى لو وقع بشروط شكلية، لأنه تلاعب بأحكام الله.

قال : "لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ".

لأنه يعتدي على أموال الناس بغير حق، ويُشيع الفساد والخوف في المجتمع، والبيضة هنا إما أن تكون خوذة الحرب أو البيضة المعروفة، مما يدل على أن الجريمة تبقى جريمة ولو كانت صغيرة، لأن السرقة خيانة لأمانة المجتمع.

3- شارِبُ الخمرِ، وساقيها:

قال : "لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم في الخَمْرِ عشَرةً: عاصِرَها، ومُعتصِرَها، وشارِبَها، وحامِلَها، والمحمولةَ إليه، وساقِيَها، وبائِعَها، وآكِلَ ثَمَنِها، والمُشتَرِيَ لها، والمُشتراةَ له". الصحيح المسند: 61.

فاللعن لكل من شارك في الخمر بأي صورة، لأن الخمر أمّ الخبائث، وفي الحديث تحذير شديد من التعاون على الإثم، وأن الإثم لا يقتصر على الشارب فقط، بل يشمل كل من أعان أو استفاد.

4- من غير مَنَارَ الأرض، وهي أعلامها وحدودها:

قال : "... وَلَعَنَ اللَّهُ مَن سَرَقَ مَنَارَ الأرْضِ... ". صحيح مسلم: 1978.

والمقصود بالمنار: علامات الحدود بين الأراضي. والحديث يدل على حرمة التعدي في الملكية، حتى لو كان تغييرًا بسيطًا يُؤثر على حقوق الغير.

5- من لعن والديه:

قال : "... وَلَعَنَ اللَّهُ مَن لَعَنَ وَالِدَهُ... ". صحيح مسلم: 1978.

وقد يكون اللعن مباشرًا أو غير مباشر كما فسره العلماء: كأن يلعن والدي أحد الناس، فيرد عليه بالمثل، فيكون هو السبب.

6- من أتى بهيمة:

قال : "مَن وَقَعَ على بَهيمةٍ فاقتُلوه، واقتُلوها". حديث ضعيف، تخريج مشكل الآثار: 3831.

وإن كان الحديث ضعيفًا، إلا أن الفعل نفسه من أعظم الفواحش، وقد أجمع العلماء على تحريمه لما فيه من انتكاس الفطرة وفساد الأخلاق.

7- من وسم دابةً في وجهها:

قال : "أمَا بَلَغَكُمْ أنِّي لَعنْتُ مَن وسَمَ البَهيمةَ في وجْهِها، أوْ ضَرَبَها في وجْهِها؟".

الوسم يكون بالحديد المحمّى، وغالبًا يُقصد به التعذيب أو التمييز الجائر. وهذا يدل على رحمة الإسلام بالحيوان.

8- من ضارّ بسلمٍ أو مكر به:

قال : "من ضارَّ ضارَّ اللَّهُ بِهِ ومن شاقَّ شاقَّ اللَّهُ عليْهِ". صحيح الترمذي: 1940.

أي من تسبب بالضرر للمسلمين ظلمًا، فإن الله يعامله بالمثل عدلًا وانتقامًا. ويشمل ذلك الأذى الخفي والمؤامرات.

9- زَوَّارَاتِ القُبُورِ، والمُتَّخِذِينَ عليها المساجد والسُّرُج:

قال : "لعنَ اللهُ زواراتِ القبورِ".

الجامع الصغير: 7259.

واللعن هنا في حق النساء إذا أفرطن في زيارة القبور على وجه الجزع أو إظهار المحرمات، وقد اختلف العلماء بين الجواز والمنع بناءً على حال الزائرة.

10-من أفسد امرأةً على زوجِها، أو مملوكًا على سيدِه:

قال : "مَنْ خَبَّبَ خَادِمًا على أهلِهِا فَليسَ مِنَّا و مَنْ أَفْسَدَ امرأةً على زَوْجِها فَليسَ مِنَّا". السلسلة الصحيحة: 324.

والتخبيب يعني الإفساد والإغراء، وقد نهى عنه لما فيه من خيانة، ونشر للعداوة، وهدم للأسر.

11-من انتسب إلى غيرِ آبائه:

قال : "منِ انتسبَ إلى غيرِ أبيهِ، أوْ توَلَّى غيرَ موالِيهِ، فعلَيْهِ لعنةُ اللهِ والملائِكَةِ والناسِ أجمعينَ". صحيح الجامع: 6104.

تغيير النسب فيه كذب وخيانة للأمانة، وهو من الكبائر التي تهدم وحدة النسب والعائلة، وتفتح بابًا للطعن في الأنساب.

12-من سبّ أصحاب النبي:

قال : "من سبَّ أصحابي، فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ". الطبراني: 12709.

لأن الصحابة هم نقلة الدين، والطعن فيهم طعن في الشريعة نفسها، وفتح لباب الفتن بين الأمة، فهم أفضل الأمة، وبهم حفظ الله الدين.

-13الواشمةُ والمستوشمةُ:

قال : "لَعَنَ اللَّهُ الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ، والمُتَنَمِّصاتِ، والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّراتِ خَلْقَ اللَّهِ ما لي لا ألْعَنُ مَن لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو في كِتابِ اللَّهِ".صحيح البخاري: 5948.

الوشم في الشريعة محرّم لما فيه من تغيير لخلق الله، وتشبه بالفساق والكافرات، إضافة إلى الضرر البدني والنفسي.

-14الواصلةُ والمستوصلةُ:

قال : "لعنَ اللَّهُ الواصلةَ والمستوصِلةَ". مجموع الفتاوى: 20\277.

وهي من تصل شعرها بشعر غيرها أو تضع شعرًا مستعارًا، وذلك من الغش والتزييف.

-15النامصةُ والمتنمصةُ:

قال : "لعنَ رسولُ اللَّهِ النَّامصةَ والمتنمِّصةَ. غاية المرام: 95.

والنمص هو إزالة شعر الوجه أو الحواجب، وقد نهى عنه الشرع لما فيه من تغيير للخلقة، ويستثنى من ذلك ما يكون للتداوي أو إزالة العيب.

-16الواشرةُ والمستوشرةُ: "لعَنَ الرَّسولُ الواشِمَةَ والمستوشمةَ، والواشرَةَ والمستوشِرةَ". غاية المرام: 93.

وهي التي تبرد الأسنان أو تفلجها للزينة، وفيه تغيير للخلقة لأجل التجميل والتشبه. وقد قال العلماء: إن هذه الأفعال تكون محرمة إذا كانت لطلب الحسن، لا لعلاج أو إصلاح عيب.

-17آكلُ الرِّبَا، ومُوكِلُه، وكاتبُه، وشاهِدَاه: قال : "لَعَنَ رَسولُ اللهِ ﷺ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ". صحيح مسلم: 1598.

وهذا يدل على أن كل من شارك في الربا فهو ملعون، سواء أكان فاعلًا مباشرًا أو معينًا عليه، لأن الربا من الكبائر التي تفسد المال والمجتمع، وتؤدي إلى الظلم والفقر، وقد قال الله تعالى: "فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" [البقرة: 279].

-18من أخذ شيئًا فيه الرُّوحُ غرضًا يرميه بالسِّهام: قال : "لا تَتَّخِذُوا شيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا". صحيح مسلم: 1957.

وهذا نهي شديد عن تعذيب الحيوانات أو اتخاذها للتسلية أو التدريب على الرمي، لأن ذلك يُخرج الإنسان عن حدود الرحمة ويُقسّي القلب، ويشجّع على العنف. وقد ورد في الحديث: "دَخَلَتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حَبَسَتْها". غاية المرام: 477.

19-المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء:

قال : "لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ، والمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَالِ". صحيح البخاري: 5885.

وفي هذا تحذير من طمس الفطرة التي خلق الله الناس عليها، ودعوة إلى المحافظة على هوية كل جنس. والتشبه الظاهري قد يكون طريقًا للتشبه السلوكي ثم الانحراف الأخلاقي، وقد يتطور إلى اضطراب الهوية الجنسية الذي نراه في بعض المجتمعات المنحرفة.

20-من ذبح لغير الله:

قال : "... لَعَنَ اللَّهُ مَن ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ... ". صحيح مسلم: 1978.

والذبح لغير الله من أعظم صور الشرك، كأن يذبح لجن أو قبر أو ولي، وهذا يناقض أصل التوحيد، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].

21-من أحدث حَدَثًا أو آوى مُحدِثًا:

قال : "... وَلَعَنَ اللَّهُ مَن آوَى مُحْدِثًا... ". صحيح مسلم: 1978.

أي من أحدث في الدين بدعة، أو آوى صاحب بدعة أو فتنة أو ظلم، فقد استحق اللعنة، لأن ذلك يُبقي الشر قائمًا، ويفتح باب الفتن والفساد في الأرض. وفي الحديث: "مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ". صحيح مسلم: 1718.

قال : "... ولَعَنَ المُصَوِّرِينَ". صحيح البخاري: 5347.

والمقصود: من يصور ذوات الأرواح بقصد المضاهاة لخلق الله، أو بنية التعظيم والتماثيل، وليس كل تصوير يدخل في اللعن، وإنما ما كان محرمًا متصلًا بالعقيدة أو التشبه بالوثنية. وقد قال : "أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون". صحيح الجامع: 1563.

10- من عمل عمل قوم لوط:

قال : "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ". حديث ضعيف: تخريج المسند لشعيب: 2732.

وإن كان الحديث ضعيفًا، فإن فاحشة قوم لوط من أعظم الكبائر، وقد عاقب الله بها أقوامًا بأشد أنواع العقوبات، قال تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} [الحجر: 74]. وأجمع العلماء على تحريمها، وأنها من الفواحش التي تهلك الأمم.

وهذه الأحاديث تُبين شدة حرص النبي على تطهير المجتمع من الفواحش والظلم، وأن بعض الذنوب ليست مجرد أخطاء فردية، بل فساد يؤثر في الأمة كلها. قال ابن القيم رحمه الله: *واللعن يدل على شدة المقت، فكيف بمن تكررت عليه اللعنات من الله ورسوله وملائكته، وكل أحد من الناس؟!*.

الجواب الكافي لابن القيم: 380.

فلنحذر من هذه المعاصي التي لُعن فاعلوها، ونسأل الله السلامة والعافية، وأن يثبتنا على طاعته، ويجنبنا طرق الغواية، وأن يرزقنا التوبة النصوح وحسن الخاتمة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق