بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار.
معاشر المؤمنين الكرام: القرآنُ العظيم: حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِين، وَنُورُه المبِين، وصراطهُ المستقيم. لا تزيغُ به الأهواء، ولا يشبعُ منهُ العلماء، ولا يخلقُ عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. كلّما ازدادت البصائرُ فيه تفكرًا، زادها هِدايةً وتبصرًا، {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}.
نوهَ الله تعالى بعظم شأنه فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}. وأشادَ بعلو منزلتهِ وشرفه فقال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}.
وقال أيضًا: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}. وقال أيضًا: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد}.
وبين أنهُ أحسنُ الحديثِ وأفضلُهُ فقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
وأكدَ أن فيه بركةً عظيمة فقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب}.
ووصفهُ بأنه روحٌ ونورٌ وهُدى، وموعظة وشفاءٌ ورحمةٌ وذكرى، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين}، وأقسَمَ اللهُ تعالى في سُورةِ الواقعةِ بقسَمٍ ما أقسم الله بمثله أبدًا. فقالَ جلَّ وعلا: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}.
فالقسَمُ عظِيمٌ ليتناسبَ مع عَظمةِ جَوابِ القسَمِ. وهو قولُهُ تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}. هذا القرآنُ الكريم: هو سميرُ القلوبِ ومُستراحُها، وأنيسُ الأرواح ورَوحها، ونورُ الصدورِ وانشراحُها، ونعيمُ العقولِ وغِذائُها، وربيعُ الصائمين وحُداءُها. {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
ثم إنّ هذا القرآنَ العظيم بفضل اللهِ هو الذي نهضَ بأمَّة العرب، وحولهم من رعاة غنمٍ إلى قادة أُمم. ونقلهم من مستنقعات التخلف والتبعية، إلى منصات الريادة والسيادة، وما كان المسلمون قبلهُ شيئًا مذكورا.
إنه كتابٌ فريدٌ مجيد: أَنْزلَهُ الله تبصرةً وذكرى، وعبرةً لمن يخشى، فمَنْ اتَّبع هُداهُ فلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى. ووالله لو {كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}. والله {لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، والله ما قرأت العيونُ، ولا سمعت الآذانُ شيئًا مثلُ القرآن، وما في الدنيا شيءٌ يفعلُ بالقلوب ما يفعلهُ القرآن، فهو يوقِظها من غفلتها، ويُحرِكُ كوامِنَ الخيرِ والهدى فيها، {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيب}.
ها هيَ أجملُ القصائدِ وأحلاها، فقدت رونقُها وذهبَ بهائُها، أمَّا القرآنُ فلا. ها هيَ أروعُ القَصصِ والروايات، هُجرُت وملّ قُراءها منها، أمَّا القرآنُ فلا. ها هيَ أقوى الكتبِ والمؤلفات، ما إن تذيعَ شُهرتها، ويعلو صِيتها، حتى يخبو بريقُها، ولا يبقى منها إلا بعضُ الذكريات، أما القرآنُ فباقٍ كما هو، بقيَ غضًّا طريًّا، جديدًا نديًّا، كأنّما أُنزلَ البارحة، بقيَ القرآنُ كما هو. {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ}. بقيَ القرآنُ كما هو: {نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
بقيَ القرآنُ كما هو كتابٌ عزيز: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
كتابٌ عجيبٌ مُبارك: نزلَ به جبريلُ عليه السلام، فأصبحَ خيرُ الملائكةِ وأفضلُهم. ونزلَ به على قلب نبينا الكريم ﷺ، فأصبحَ خيرُ الأنبياءِ والمرسلين وأفضلُهم. ونزلَ به في شهر رمضانَ المبارك فأصبحَ رمضانُ خيرُ الشهورِ وأفضلُها. ونزلَ به في ليلة القدر، فأصبحت خيرُ الليالي وأفضلُها. ونزلَ القرآنُ الكريم لأمّة الإسلام، فأصبحت خيرُ أمةٍ أخرجت للناس. وواللهِ ما نزلَ هذا القرآنُ العظيمُ في قلب مسلمٍ فتعلمهُ وعمِلَ به وفقَ مُرادِ اللهِ جلّ وعلا، إلا أصبحَ خيرَ الناس، بنصِّ الحديثِ الصحيح: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال ﷺ: "إنّ للهِ أهلينَ من الناس، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: أهلُ القرآن، هم أهلُ اللهِ وخاصته"، والحديثُ صححه الألباني.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين}.
معاشر المؤمنين الكرام: معلومٌ أن الطاعاتِ مرتبطةٌ بالنيات في أصل صِحتها، وفي مُضاعفة أجورها، في الحديث الصحيح: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى"، فثوابُ العاملِ وجزاءهُ إنما يكونُ بحسب نيته، وقد يكون للعمل الواحد نياتٌ كثيرة، فيكون له بكل نيةٍ حسنة، والحسنةُ تُضاعفُ إلى عشر أضعاف، إلى أضعافٍ كثيرة، ومن هنا يعظُمُ الثواب، وتتضاعفُ الأجور، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ والله ذو الفضل العظيم.
تعدّدُ النياتِ فِقهٌ جليل يُسمى تجارةُ العلماء، وهو أن يؤدي العبدُ عملًا واحدًا يستحضرُ فيه نياتٍ كثيرة، فتتداخلُ العبادات، وتتضاعفُ الأجورُ والحسنات. وهذا أمرٌ ينبغي ألا يفوِّته عاقل، قال يحيى ابن كثير: (تعلَّموا النيةَ فإنها أبلغُ من العمل). ويقولُ الامام ابن المبارك: (رُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظِّمُهُ النية، ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تُصغِّرهُ النية).
وقال الإمام الغزالي: (ما من طاعةٍ إلا وتحتملُ نياتٍ كثيرة، وإنما تَحضُرُ في قلب العبدِ المؤمنِ بقدر جِدِه في طلب الخير، وتَشمِيرهِ له، وتفكُّرِهُ فيه، فبهذا تزكو الأعمالُ وتتضاعفُ الحسنات). وقال بعضُ السلف: (إني لأستحبُ أن يكون لي في كل شيءٍ نيّة). ويقولُ أحدُ العلماء: إني لأنوي بطلب العلم أكثرَ من مائة نية.
أحبتي الكرام: كُلنا بفضل اللهِ يقرأُ القرآن، خُصوصًا في رمضان، لكن كثيرين يقرؤنهُ بنية الأجرِ فقط، ويفوِّتُون على أنفسهم الكثيرَ من النيات التي يمكنُ أن ينونها لنفس القراءة: فمن ذلك: نيّةُ الاستهداءِ بهدايات القرآن، والاستنارةُ بأنواره، فالله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
ويقول سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}. ويقول تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
ومن النيات: نيةُ مُناجاةٍ اللهِ بكلامه والتّقربَ إليه بما يُحب: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور}.
وفي صحيح مسلم، قال ﷺ: "ما أذِنَ اللَّهُ لِشيءٍ ما أذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بالقُرْآنِ يَجْهَرُ بهِ".
ومن النيات: نية الاستشفاءٌ بآيات القرآن: فالله تعالى يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين}، وثبت أنه ﷺ قال عن سورة الفاتحة، هي الشافية، فلم لا ينوى القارئ حتى ولو كان في الصلاة أن تكون قراءتهُ رُقيةً لهُ من كل داء، وعافيةً من كل بلاء.
ومن النيات: نيةُ طلبِ الثباتِ على الهدى، لقوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}.
ومن النيات: نية الحصولِ على البركة والرحمة، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}.
وفي الحديث الصحيح: "اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ".
ومن النيات: نيةُ التّذكُرِ والاعتبار ورقة القلب، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين}. وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد}.
ومن النيات: نيةُ طلبِ العلمِ والحِكمة: لقوله تعالى: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وقال تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيم}، وفي الحديث الصحيح، "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
ومن النيات: نيةُ الصدقة: في الحديث الصحيح، والكلمة الطيبة صدقة، وهل هناك ما هو أطيب من كلام الله.
ومن النيات: نيةُ الوعظِ به والتبليغِ ونفعِ الآخرين: قال تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيد}، وقال تعالى: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِين}. ومن النيات: نيةُ التمسكُ والاتباع: في الحديث الصحيح، قال ﷺ: "تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا، كتابَ اللهِ، وسُنَّةَ نبيِّه".
ومن النيات: نيةُ التدبرِ والتّفكر في كلام الله وآياته: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب}. وقال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}.
ومن النيات: نيةُ تحصيل الأجورِ العظيمة والمنازلِ العالية: في الحديث الصحيح: "مَن قَرَأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حَسَنةٌ، والحَسَنةُ بعَشْرِ أمثالِها". و"يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها". و"أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته". والقرآن يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة. وغيرها من النيات والفضائل.
علمًا بأنه لا يستلزم أن يستحضرَ الانسانُ هذه النوايا كلها، ولكن بقدر ما يتيسرُ له فليتزود. في صحيح البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَنِ ابنِ عَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثم بَيَّنَ ذَلِكَ في كِتَابِهِ، فَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِن هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ إِلى سَبعِ مِئَةِ ضَعفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِن هُوَ هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً أَو مَحَاهَا، وَلا يَهلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ هَالِكٌ". فيا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين