بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ليس كل من يحمل هاتفًا ذكيًّا هو إنسان حر. كثيرون اليوم يعيشون أسرى في قبضة شاشة صغيرة، يختبئون خلف الستار، يتنفسون الإثم في صمت، ويظنون أنهم في مأمن من أعين الناس، لكنهم ينسون أن عين الله لا تنام.
فلنتحدث بصراحة. لا نحتاج اليوم إلى مزيد من الصمت، بل نحتاج إلى شجاعة الاعتراف، وبساطة الطرح، ورحمة الخطاب. الإدمان على المحتوى الإباحي ليس انحرافًا أخلاقيًا فقط، بل هو مرض، بلاء، سُعار خفيّ ينهش النفس ويدمّر العقل والعلاقات. حين يصبح الجرح خفيًّا، والنداء مستغيثًا!
لماذا ينتشر هذا البلاء؟
لأنه متاح... رخيص... سريّ... مُثير.
لأن الطفل لا يحتاج أكثر من لمسة بإصبعه كي يفتح بوابة جهنمية.
لأن الشاب الذي يعاني من فراغ روحي، وعاطفي، وذهني، يجد في هذه الصور مهربًا سريعًا، ومتعة زائفة.
لأن الشيطان يعمل بدوام كامل، ونحن في إجازة طويلة.
لكن هل الأمر مجرد شهوة؟
لا، بل هو دائرة مغلقة. تبدأ بنظرة، تتبعها نبضة، ثم دفقة من "الدوبامين"، ذلك السائل العجيب الذي يغريك بالمزيد. تعتاد الجرعة، فتطلب جرعة أعلى، ثم أعلى، ثم تنقلب إلى مسخ لا يرضيه إلا ما يخالف الفطرة.
ثم؟
تتعب...
تندم...
تبكي...
تُقسم أن تتوب...
ثم تسقط من جديد.
ما الحل؟
ليس سحرًا، بل مسار طويل يتطلب منك أن تكون صادقًا مع نفسك.
أولًا: ارجع إلى الله. لا تبدأ بخطة علاجية، بل ابدأ بسجدة. قل: "يا رب، أنا مريض، فاشفني" .
ثانيًا: احكِ لأحد تثق به. لا تكن وحدك، فالسر في هذه المعصية هو الوقود الأول لها، تحدث مع شخص ثقة يُمكن أن يُقدم الدعم النفسي والاجتماعي.
ثالثًا: غيّر عاداتك. نم مبكرًا، أغلق الإنترنت بعد العشاء، واجعل هاتفك خارج غرفتك.
رابعًا: احذر الشعور الكاذب بالنصر. إذا مر أسبوع أو شهر دون سقوط، لا تصرخ "انتهيت"، بل قل "بدأت".
خامسًا: ذكّر نفسك بالآخرة. تخيّل نفسك تموت والهاتف في يدك، والعياذ بالله.
رسالة إلى الوالدين والمعلمين والدعاة:
رجاءً، لا تعالجوا هذا الموضوع بالصراخ والغضب والتحقير. المدمن لا يحتاج إلى سوط، بل إلى صدرٍ يتسع لوجعه، وأذنٍ تسمع، وقلبٍ لا يحكم عليه.
تحدثوا معهم، لا عنهم.
احتضنوا أبناءكم، قبل أن يحتضنهم العالم الافتراضي.
افتحوا الحوار، بدلًا من غلق الأبواب.
يا من ابتُليت، اعلم أنك لست وحدك.
واعلم أن الله لا يُسقط عبدًا طرق بابه بصدق.
واعلم أن النصر قريب، ما دمتَ لا تزال تقاوم.
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53].
والله المستعان، وعليه التكلان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين