بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من المحاضرات اللطيفة التي ألقاها معالي الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله ورعاه؛ محاضرة "تأملات في سورة العنكبوت" وكانت في مدينة بروكسل. وتضمنت جملة من الفوائد أحببت تلخيص وجمع ما تيسر منها لعل الله ينفع بها ويبارك فيها.
• قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، قال طائفة من أهل العلم: دلّت الآية على أنه من لم يتدبر القرآن فإن على قلبه قفلًا منعه من تدبر كتاب الله.
• تدبر القرآن يعني أن نفهم الآيات معنىً، وأن نفهم ما دلت عليه من الأحكام العقدية والتشريعية والعبر في قصص الأنبياء والسلوك الذي دلّ عليه القرآن.
• أكثر سور القرآن لها موضوع واحد تدور عليه، ومن هذه السور سورة العنكبوت، وموضوعها الفتنة التي ابتلى الله الناس بها واقتضتها حكمته ليختبر الناس هل هم صادقون في إيمانهم أم غير صادقين.
• المعنى الحقيقي للفتنة هو كل ما يَرِدُ على القلوب ليفتنها وليختبرها هل هي مستسلمة لأمر الله عز وجل وأمر رسوله ﷺ أم ليست مستسلمة.
• من الفتن العظيمة أن يكون المسلم يريد رضا الله والاستمساك بالتوحيد والثبات على السنة، لكن أقرب الأقربين وهما والداه يجاهدانه على ترك الدين أو رفض التدين فهذا الابتلاء يرسب فيه المسلم بأحد سبيلين:
▫️إما أن يطيع والديه في الشرك أو ترك التدين فجعل رضى المخلوق مقدمًا على رضا الرب.
▫️أو ينجح في الاستمساك ولكنه يرسب في طريقة معاملة والديه.
فذكر الله التوازن العظيم في قوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}.
ويدخل في قوله {الْإِنسَانَ} المرأة وربما لقيت أشد مما يلقى الرجل نفسيًا ومعنويًا.
• تكرار قصص الأنبياء في كل سورة له هدف ودرس وعبرة ليس في سورةٍ الأخرى، وتأمل قصة نوح عليه السلام التي في سورة العنكبوت التي موضوعها الفتنة التي ترد على القلوب والعقول تجد الصلة في قوله: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، فهذا من الفتنة العظيمة والاختبار العظيم أن يمكث تسعمائةٍ وخمسين عامًا لا يتنزل عليه نصر الله مع أنه عزيز على ربه وحبيب له، لكن هذا عبرة لقومه ولأتباع الأنبياء إلى قيام الساعة، فالإنسان يرى أنه على الحق ويرى الشرك والكفر والمعاصي ويريد أن يتخلص منها بسرعة في سنة أو سنتين أو عشر، ولكن الله لم يُرد ذلك بل اقتضت حكمته أن يمضي قدره وحكمته وفق ما شاء والعبد عليه أن يسلك الصراط المستقيم وليس عليه أن يرى النتائج، وهذه الفتنة توقعه في أحد أمرين إما الاستعجال فيسلك صراطًا آخر يسلكه لنفسه، أو اليأس فيترك التدين. والله قال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}.
• قصة لوط عليه السلام في هذه السورة فيها زيادة عن السور الأخرى وهي قوله {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ} فإتيانهم لهذه الفاحشة كان معلنًا به يجاهرون به، وفيها تنبيه أنهُ منكرٌ متفقٌ عليه، فوصلوا إلى هذا الانحراف البشري في الشهوات الجنسية أن أعلن بها الناس ولا يأبهون، ومع ذلك لم يتركهم لوط بل أتاهم من جهة الحوار والإقناع ودعاهم إلى ما يحرك قلوبهم وعقولهم، والفتنة تعرض للناس في أن يتركوا أهل الفواحش لا ينصحونهم ويقال هؤلاء فيهم البلاء وأهل معصية وفساد ويُتركون، بل لا بد أن يُنصحوا سواء نفع أم لم ينفع، ومن الفتن العظيمة أن امرأة لوط كانت تدل الناس على الفاحشة.
ومن الفتن التي تصد القلوب أن يعتقد الناس ألا وجود لعذاب الله وإنما هي طبيعيات: {قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، وفي القصة أن الداعية والمصلح يتوجه إلى الله ولا يغفل عن قوة الإتصال بالله والإخبات والإنابة والدعاء {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ}.
• الفتنة في ذكر قصة عاد وثمود في سورة العنكبوت في قوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} يعني كانوا عالمين، فعندهم بصيرة في إدراك المعلومات كالبصر للعين في إدراك المرئيات، وما أشبه الليلة بالبارحة، المسلمون يسمعون الخطب والفتاوى ومع ذلك يختارون غير سبيل الله، فالفتنة الآن أعظم فالكل الآن يأتيك وأنت لا تريد فيقسو القلب فلا يرى الحق حقًا ولا الباطل باطلًا، فالعلم قد يكون نعمة وقد يكون ابتلاء والمخرج من هذه الفتنة أن تنتبه لتزيين الشيطان ولقسوة القلوب.
• قد يأتي "استفعل" للدلالة على تمكن المصدر، ومن ذلك: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} يعني كانوا مبصرين البصيرة القلبية العظيمة، وليس المعنى كانوا يطلبون البصيرة، ومثله قول الله: {وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ} ليس المراد طلب الغنى حاش وكلا، ولكن هو موصوفٌ بالغنى عن خلقه وصفًا عظيمًا.
• في قول الله: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} بيان الفتنة والابتلاء من خلق الله عز وجل وأننا جميعًا ابتُلينا وافتُتنا بما خلق الله حولنا، فلا ينبغي للإنسان ألا يحجبه الإلف والتعود وتسخير الله الخلق له عن التأمل في عظمة الله في هذا الملكوت، قالت أم الدرداء: (كانت أكثر عبادة أبي الدرداء رضي الله عنه التفكر)، وقال الحسن البصري رحمه الله: (عاملنا القلوب بالتفكر فأورثها التذكر، فرجعنا بالتذكر على التفكر، وحركنا القلوب بهما، فإذا القلوب لها أسماع وأبصار).
• أهل الكتاب هم من لهم كتاب سابق سواء أكان كتابًا بقي على صحته أم محرفًا.
• من واقع التجربة ومن ملاحظة الذين يحاورون ويجادلون، وجدت أن كثيرين وقعوا في الغلط لمّا غضبوا، لكن لو استمر على هدوئه في النقاش من أوله إلى آخره كانت المعلومات بتوفيق الله عز وجل تتوارد عليه بهدوء وتكون الحجة معه.
• القوي حجة والقوي إيمانًا والذي يمسك المعلومات والحقائق بيده لا يمكن أن يغضب لأن حجته قوية، ولا يمكن أن يستفزه الخصم الذي أمامه فيوقعه في المغالطات.
• الغيرة المحمودة ما وافقت العلم الصحيح والشرع.
• في محاورة أهل الكتاب نحن متفوقون عليهم في موالاة جميع الأنبياء وجميع المرسلين، وفي الإيمان بكتب الله عز وجل: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.
• العلاج في قوة القلب، وقوة القلب تأتي بتلاوة الوحي أولًا، وثانيًا: إقامة الصلاة، ثالثًا: كثرة ذكر الله عز وجل.
• أعظم ما يرشد إليه الناس الازدياد من العلم.
• الأصل الجهاد بالحجة والبيان ولهذا كان في مكة، وأما الجهاد بالسيف والسنان فإنما جاء في المدينة لرد الأعداء عن النيل من المسلمين.
وثمّة فوائد أخرى مبثوثة في ثنايا المحاضرة وأثناء الإجابة على الأسئلة لا يتسع المقام هنا لذكره، رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
يمكنكم الاستماع إلى المحاضرة الصوتية عبر الضغط هنا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين