اسأل ربك البركة

101
2 دقائق
20 ذو القعدة 1446 (18-05-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

البركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء، وزيادته ونماؤه.

وحقيقة البركة هي الانتفاع بالشيء أيًا كان.

فما حلّت البركة في قليل إلا كثَّرته، ولا في ضعيف إلا قوّته، ولا في وضيع إلا رفعته، ولا في حقير إلا أعزّته، وما نُزعت البركة من كثيرٍ إلا صار قليلا، ولا من قويّ إلا صار ضَعيفًا، ولا من رفيع إلا صار وضيعًا، ولا من عزيز إلا صار حقيرًا.

فهذه الكعبة بُنيت من حجر وطين، ولا تتجاوز مساحتها مائةً وعشرين مترًا، وبُنيانها قديم من مئات السنين، وفي أرض قاحلة قَفْرٍ ووادٍ غير ذي زرع، ومع ذلك يقصدها في العام الواحد الملايين من الناس، وتعظّمها القلوب وتجلّها وتتوق إلى رؤيتها، وبسببها ارتفعت أسعارُ ما جاورها من العقارات وهي بين وديان وعلى جبال وعرة، ولأجلها هدّمت الجبال وسوّيت الوديان ليُقام مكانها بيوتٌ للناس يسكنونها، ومحلات تجارية يقصدونها، وذلك لأن الله تبارك وتعالى باركها، قال الله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من المعلوم أنّ الملوك وغيرهم يبْنون الحصون والمدائن والقصور بالآلات العظيمةِ البِناء المحكم، ثم لا يلْبث أنْ ‌ينهدِم ‌ويُهان، والكعبةُ بيتٌ مبنيٌّ من حجارةٍ سودٍ بوادٍ غيرِ ذي زرع، ليس عنده ما تشْتهيه النفوس من البساتين والمياه وغيرها، ولا عنده عسكرٌ يحْميه من الأعداء، ولا في طريقه من الشهوات ما تشْتهيه الأنفس، بل كثيرًا ما يكون في طريقه من الخوف والتعب والعطش والجوع ما لا يعْلمه إلا الله، ومع هذا فقد جعَل اللهُ مِن أفئدة الناس التي تهوى إليه ما لا يعلمه إلا الله، وقد جعَل للبيت من العزّ والشرف والعظمة ما أذلّ به رقاب أهل الأرض، حتى تقصده عظماءُ الملوك ورؤساءُ الجبابرة، فيكونون هناك في الذلّ والمسكنة كآحاد الناس، وهذا مما يُعْلَم بالاضطرار أنه خارجٌ عن قدْرة البشر وقوى نفوسهم وأبدانهم، والذي بناه قد مات من ألوف سنين.

ولهذا كان أمْر البيت مما حيّر هؤلاء الفلاسفة والمنجّمين والطبائعيّة؛ لكونه خارجًا عن قياس عقولهم وقوانين علومهم". [الصفدية (ص226)].

فإياك أن يكون همّك الكثرة فحسب، سواء في العلم، أو المال، أو الولد، أو في كل شأنك، بل ليكن همّك حلول البركة في كلّ شيء، وللحصول على البركة أسباب منها:

أولا: الدعاء، فأكثِر من الدعاء بأن يجعلك مباركًا، وأن يُبارك لك فيما رزقك.

ثانيًا: طاعةُ الله وامتثالُ أمره في كلّ شأن من شؤونك، فإنّك كلما ازددت طاعةً لله وعبادة وصدقا وإخلاصًا زادك الله بركة في نفسك ومالك وولدك وعلمك ووقتك.

ولذلك تجد بعض الناس موفَّقًا للعطاء والبذل والنفع، في ماله أو علمه، وكذلك في شفاعاته وسعيه لقضاء حاجات الناس ومصالحهم، مع أنّ غيره قد يكون أكثر علمًا منه، أو أغنى، أو أكثر وجاهة، أو أكثر فراغًا، وما ذلك إلا للبركة التي جعلها الله فيه.

اللهم اجعلنا مباركين أينما كنا، وبارك لنا فيما أعطيت.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق