بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هناك فرق عندما تعمل عملا لوجه الله:
- بين تعدّد النيات.
- وبين استحضار فضل العمل.
فالأصل في العبادات أن النيّة منصرفة إلى غاية واحدة فقط، وهي امتثال أمر الله والتعبد له، واتباعُ هدي النبيّ ﷺ وسنته وطريقته، ورجاء الثواب والأجر والجنة.
كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعبدالله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، وقال تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي}، وقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ}، وقال سبحانه: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. والآيات في هذا كثيرة.
والعلماء لا يذكرون للأعمال الصالحة إلا هذه النيّة فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
النية لها ركنان:
أحدهما: أن ينوي العبادة والعمل، بأن ينوي ما تتميَّز به عبادة عن عبادة، فينوي الصلاة لتتميَّز عن سائر أجناس العبادات، وينوي صلاة الظهر مثلًا لتتميَّز عن صلوات سائر الأوقات.
والثاني: أن ينوي المعبود المعمول له، فهو المقصودُ بذلك العمل والمرادُ به، الذي عُمِل العمل من أجله، كما بيَّنه النبيُّ ﷺ بقوله: "إنما الأعمال بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى. فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرتُه إلى ما هاجَرَ إليه". فميَّز ﷺ بين من كان عمله لله، ومن كان عمله لمال أو نكاح.
والذي يجب أن يكون العمل له هو الله سبحانه وحده لا شريك له، فإنَّ هذه النية فرضٌ في جميع العبادات، بل هذه النية أصلُ جميع الأعمال، ومنزلتها منها منزلة القلب من البدن.
ولا بدَّ في جميع العبادات أن تكون خالصةً لله سبحانه، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعبدالله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}. [شرح عمدة الفقه (2/ 589)].
وقال العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله: نحن نَقول دائِمًا: يَنبَغي للإنسان عند فِعْل العِبادة أن تَكون له ثلاثُ نيّات: نِيَّة العمَل، ونِيَّة المَعمول له، ونِيَّة المُتابَعة.
فنِيَّة العمَل هي أن الرجُل يَنوِي عند الظُّهر صلاة الظُّهر.
ونِيَّة المَعمول له أنه يُريد بذلك التَّقرُّب لله عز وجل.
ونِيَّة المُتابَعة للرسول صلى الله عليه وسلم. [تفسير العثيمين: الزمر (ص163)].
وأما ما ينتج عن العمل من منافع دنيوية فلا تُقصد وحدها لذاتها، كمن يصِل رحمه الله لأجل أن يُبسط له في رزقه، أو يتصدق لأجل دفع البلاء، فمن كانت هذه نيته فلا خلاق له في الآخرة.
وقد عاب الله على من يقتصر على طلب الدنيا بقوله: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}، فأخبر أن من لم يطلب إلا الدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب.
وأما استحضار فضل العمل لله فهو مرّغب فيه، كمن يستحضر فضل اتباع الجنازة، وفضل صلاة السنن الرواتب، وفضل الوضوء، وفضل الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو أنّ الله يصلي عليه عشرًا: فهذا مما يعينه على الإخلاص والصدق في العمل، ويزيد الإيمان ومحبة الله الذي أنعم بهذه الفضائل.
وهذا قد نبّه على ذلك العلماء كثيرًا، وخذ مثالا واحدًا، قال العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله في قوله تعالى: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}: إذا غسلت ثوبك من النجاسة، تحس بأن الله أحبك، لأن الله يحب المتطهرين. إذا توضأت، تحس بأن الله أحبك، لأنك تطهرت. إذا اغتسلت، تحس أن الله أحبك، لأن الله يحب المتطهرين.
ووالله إننا لغافلون عن هذه المعاني، أكثر ما نستعمل الطهارة من النجاسة أو من الأحداث، لأنها شرط لصحة الصلاة، خوفًا من أن تفسد صلاتنا، لكن يغيب عنا كثيرًا أن نشعر بأن هذا قربة وسبب لمحبة الله لنا، لو كنا نستحضر عندما يغسل الإنسان نقطة بول أصابت ثوبه أن ذلك يجلب محبة الله له، لحصلنا خيرًا كثيرًا، لكننا في غفلة.. شرح العقيدة الواسطية. (1/ 245)
فالشيخ يتحدث عن الاستحضار، لا عن النيّة، فنية الوضوء: التعبد لله وامتثال أمر رسوله ﷺ فقط، وأما الاستحضار فهو مطلوب في كلّ عمل أن يستحضر فضائله ومنافعه. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين