بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله الذي شرع لنا منهجًا واضحًا، وجعل العدل أساسًا لكل تشريع، والصلاة والسلام على رسول الله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة.
كيف نوفق بين آيتي التعدد التي ظاهرها التناقض والتعارض في قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، ثم في ذات السورة قوله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129]؟
في الآيات الأولى من سورة النساء، يوجه الله تعالى المؤمنين إلى ضرورة العدل في معاملة اليتامى، ثم يبيح التعدد في الزواج بقوله: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾. هذا التشريع ليس إباحة مطلقة، بل مقيد بشرط العدل الذي يُحفظ به حق الزوجات والمجتمع.
التعدد في الإسلام ليس فرضًا ولا بدعة، بل هو رخصة مشروطة بالاستطاعة على العدل. يقول تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾، فالمطلوب من الرجل أن يتحرى العدل في الأمور المادية الظاهرة: كالنفقة، والسكن، والقسمة الزمنية. أما العدل في المشاعر القلبية، فليس مطلوبًا؛ إذ يقول الله: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾، فالميل القلبي خارج عن إرادة الإنسان.
· القسمة الزمنية: يجب على المعدد أن يبيت عند كل زوجة ليلتها بالتساوي، فإن خالف ذلك لضرورة (كمرض إحداهن)، وجب عليه القضاء. وقد كان النبي ﷺ يحرص على القسمة حتى في مرضه، فيُحْمَل بين بيوت زوجاته.
· المساواة في النفقة والكسوة: يعطي كل زوجة حقها بحسب حاجتها، فمن كانت لديها أطفال تحتاج نفقة أكثر، ومن كانت بلا أطفال تكفيها نفقة أقل، مع مراعاة التساوي في الجودة.
· عدم الجمع بين الزوجات في سكن واحد: وذلك إلا برضاهن؛ تجنبًا للغيرة والخصام. والسنة أن يكون لكل زوجة مسكن مستقل، كما فعل رسول الله.
والتعدد في الإسلام مباح وليس واجبًا، لكنه حل لمشكلات اجتماعية كظاهرة "الخليلات" التي تنتشر في المجتمعات غير الإسلامية، حيث يُترك الأولاد بلا نسب أو حقوق. فالتعدد الشرعي يحفظ كرامة المرأة ويضمن حقوقها وحقوق أولادها، بعكس العلاقات السرية التي تدمر الأسر والمجتمعات.
يحكي أحد الدعاة عن حوار مع فتاة أوروبية تقول: "التعدد إهانة للمرأة!"، فرد عليها: "أترضين أن أتخذ خليلة؟"، فأجابت: "هذه حرية شخصية!". فقال: "مشكلتك ليست مع التعدد، بل مع العفة! أنتِ تقبلين الحرام وترفضين الحلال!". فسكتت، إذ أدركت في ذات اللحظة أن الإسلام يحمي المرأة بالزواج الشرعي، بينما الثقافات الأخرى تُهدر كرامتها بالعلاقات غير المشروعة.
والعدل يعني إعطاء كل ذي حق حقه، لا التسوية المادية المجردة. فلو كان لرجل ولدان: أحدهما يحتاج إلى رغيفين ليشبع، والآخر يحتاج إلى نصف رغيف، فإعطاء كل منهما رغيفًا واحدًا ظلمٌ للثاني. هكذا العدل بين الزوجات: يُعطَى كلٌ بحسب حاجته، مع مراعاة المساواة في الجوهر.
إذن لا يجوز أخذ تشريع التعدد بمعزل عن شروطه؛ فمن أخذ الرخصة دون الالتزام بالعدل، أشاع الفساد وطعن في حكمة التشريع. يقول تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم﴾، فكما يُمنع الظلم في اليتامى، كذلك يُمنع في الزوجات.
فليتقِ الله من يعدد، وليعلم أن العدل ليس مجرد قسمة أيام، بل هو التزام أخلاقي وديني يحفظ به عرضه ودينه، ويُسد به ثغرة ينفذ منها أعداء الإسلام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين