التشريك في النية بين صوم القضاء وصوم النافلة

158
2 دقائق
20 ذو الحجة 1446 (17-06-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

التشريك في النية بين صوم القضاء، وصوم النافلة كالتسع من ذي الحجة، وعرفة، وتاسوعاء وعاشوراء، والاثنين والخميس، وثلاثة الأيام البيض.

اختلف أهل العلم في حكم الجمع بينهما على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: أفاد أن التشريك في النية بين صوم القضاء عن رمضان، وصوم النافلة يقع عن أحدهما لا عن كليهما، على تفصيل بينهم:

فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يقع عن القضاء، ووجههما في ذلك:

أن نية التعيين في التطوع لغوٌ، فيسقط التعيين، ويبقى أصل النية، فيصير كأنه نوى قضاء رمضان والصوم، ومن ينوِ قضاء رمضان والصومَ يقع عن القضاء، وكذا هنا ([1]).

وذهب محمد إلى أن من شرَّكَ بين نية قضاء رمضان، ونية النفل المعيَّن في يومٍ أو أيامٍ يقع وقته لجهتين مختلفتين متنافيتين فتتساقطا بالتعارض، ويبقى أصل النية مجردًا عن القضاء والنفل المعين، فتعد نيته صومًا مجردًا فيقع نفلًا مطلقًا([2]).

المذهب الثاني: أفاد جواز التشريك بين نية القضاء الواجب، والنفل المعين في الصوم، وبه قال المالكية وأكثر الشافعية والحنابلة في رواية المذهب عندهم([3]).

واستدلوا لذلك بالأثر:

عن الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: *مَا أَيَّامٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَقْضِيَ فِيهَا شَهْرَ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ([4])*.

وعن خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا عَنْ رَجُل عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ أَيَقْضِيهِ فِي الْعَشْرِ؟ فَقَالَ: *نَعَمْ وَيَقْضِيهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ* ([5]).

المذهب الثالث: أفاد عدم جواز التشريك، ولو حصل بطل الصوم عنهما، ولا ثواب، وبه قال الرملي من الشافعية، والحنابلة في الرواية الثانية عن أحمد ([6]).

ووجههم في ذلك: اجتماع نيتين مختلفتين: نية القضاء الواجب، ونية النفل المعين في يوم واحدٍ فتسقطان، ويكون الصوم عريًَّا عن النية فيبطل؛ لأنَّ النية ركن العمل، ويلزم من فسادها فساد العمل، والله أعلم.

المذهب المرتضى:

يرى الباحث أن الراجح ما ذهب إليه المالكية، وجمهور الشافعية، والحنابلة في رواية عندهم، والقاضي بجواز تشريك قضاء الصوم مع الصوم المعين؛ لأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد كان يؤخر قضاء رمضان إلى التسع من ذي الحجة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع الخلفاء الأربعة، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ. فَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"([7]).

و عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ، فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي"، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ([8]). .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

([1]) انظر: الكاساني/ بدائع الصنائع (2/85).

([2]) انظر: المرجع نفسه (2/85).

([3]) انظر: الدردير/ الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/518)؛ الصاوي/ بلغة السالك (1/695)؛ السيوطي/ الأشباه والنظائر (ص22)؛ الرملي/ نهاية المحتاج (3/208)؛ البكري/ إعانة الطالبين (2/252)؛ البهوتي/ كشاف القناع (2/316)؛ البعلي/ كشف المخدرات (1/276).

([4]) صحيح، أخرجه: البيهقي/سننه الكبرى (8395 (4/472).

([5]) ذكره: مالك/ المدونة (1/279).

([6]) انظر: الرملي/ فتاوى الرملي (2/66)؛ البهوتي/ كشاف القناع (2/316)؛ ابن مفلح/ الفروع (4/456)

([7]) صحيح، أخرجه: أبو داود/سننه (4607 (4/200).

([8]) حسن، أخرجه: ابن ماجه/سننه (97 (1/73).


مقالات ذات صلة


أضف تعليق