الله أكبر صوت السماء

165
4 دقائق
20 ذو الحجة 1446 (17-06-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

التكبير ذكرٌ جليل، من أوائل العبادات التي أنزلت على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. أمر الله تعالى به وذكره في أوائل السور، قال سبحانه وتعالى:

﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ [المدثر: ٣].

وقال في سورة الإسراء:

﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: ١١١].

وصيغته "الله أكبر" جاءت على صيغة أفعل التفضيل. وفي أسلوب التفضيل، هناك المُفَضَّلُ، وأفعل التفضيل، والمُفَضَّلُ عليه.

المُفَضَّلُ: هو الله الواحد المعبود المُستحق للعبادة بحق.

أفعل التفضيل: كلمة "أكبر".

المُفَضَّلُ عليه: محذوف ويُبقَى مضمرًا (يجب أن يكون مسبوقًا بحرف "مِن")؛ أي نقول: الله أكبر من الظالم المتجبر، الله أكبر من ذنوبي، الله أكبر من دُيوني، الله أكبر من شهواتي، الله أكبر من مرضي.

ف "الله أكبر" معناها: أنه سبحانه أكبر من كل شيء، وأجلُّ وأعظم وأعزُّ من كل شيء.

والتكبير عبادة قلبية إذا امتلأ بها القلب وتربَّعت على عرشه، واستقرت في أركانه، سكنت نفس المؤمن وتوازنت، وذهب عنه القلق والاضطراب، وهدأت الروح، وخضع واستسلم، وشعر بالاستعلاء والعروج إلى مقامات العزة والاطمئنان والتفاؤل.

وعندها يلهج بها اللسان: "الله أكبر" معلنًا فقره وعجزه وذلَّه لله، طالبًا العون، سائلًا المدد، راجيًا منه أن يخفف عنه كل ألم، وكل قلق، وكل اضطراب في حياته. يتودد إليه أن يزيل من طريقه العقبات الكؤود، داعيًا إياه أن يرفع عنه كل ظلم، وكل قهر، وكل ضيمٍ انهك قواه، وسكب دموع عينيه...

عبادة التكبير تصاحب المسلم في حياته؛ تبدأ لحظة خروجه من بطن أمه إلى الحياة، فتكون عبارة "الله أكبر" أول ما يتسلل إلى أذنيه لتمتزج بأنفاسه، وتختلط بروحه السارية في جسده الصغير.

"الله أكبر": نداء السماء نسمعه خمس مرات في اليوم والليلة، يدعونا إلى الفلاح والنجاح الذي ليس بعده خسران.

هذا النداء يبدأ ب "الله أكبر" ويُختَم ب "الله أكبر". أتدري لماذا؟

ليظل هذا المعنى راسخًا في النفس، فلا يشغلها شاغل عن الاستجابة له. وفي هذا يقول الرافعي رحمه الله:

"بين الوقت والوقت من اليوم، تدق ساعة الإسلام بهذا الرنين: الله أكبر الله أكبر، كما تدق في موضع ليتكلم الوقت برنينه. الله أكبر! بين ساعات وساعات من اليوم ترسل الحياة في هذه الكلمة نداءها، تهتف: أيها المؤمن! إن كنت أصبت في الساعات التي مضت، فاجتهد للساعات التي تتلو؛ وإن كنت أخطأت، فكفِّر وامحُ ساعةً بساعة؛ الزمن يمحو.

والصلاة أعظم شعائر الإسلام. عند بداية الصلاة يرفع يديه قائلًا: "الله أكبر"، يلقي متاعب الحياة وراء ظهره، لا ينشغل بما هو أكبر من الدنيا وتعبها وآلامها، وآهاتها وجراحاتها. هذه الدنيا التي لا تساوي جناح بعوضة عند خالق الكون وما فيه! أليس هو الله أكبر؟ الكبير المتعال!

وفي أثناء الصلاة تتكرر "الله أكبر". هل تساءلت لماذا؟

لأن الصلاة نور وقرة عين، وفيها يرتاح المؤمن؛ فهو في صلة مع خالقه ومربيه الأعظم. ألم يقل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((أرِحْنا بها يا بلال))؟

مستشعرًا حقيقة "الله أكبر" الذي يطَّلع على سريرته، ويعلم بحاله المنكسرة وهو في قيامه وركوعه وتقلبه بين الساجدين.

وبعد الصلاة يجلس يواظب على قول "الله أكبر"؛ ليبقى على صلة بالقوة التي لا تُقهر، والمدد الذي لا ينقطع.

وإذا فرغ منها أقبل على الحياة ولسان حاله: رغبتي في تغيير حياتي، وتجديد عزيمتي. ساعيًا للخير، كادحًا متفائلًا، صادقًا لا غش في تعاملاته ولا نفاق، لا صخب ولا فوضى، لا فحشاء ولا منكر.

وفي مدرسة الصيام: يستشعر الصائم قيمة الهدى الذي يسَّره الله له في رمضان؛ فيُكبِّر الله على ذلك، ويعظِّم الله تعالى في نفسه وقلبه على ما أرشده إلى الطاعة ووفَّقه للاجتهاد في القيام والصيام وترك المعاصي وشهوات النفس ورغباتها: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥].

وإذا جاء العيد كانت "الله أكبر" شعارًا للعيد، وعبارات الفرح والسرور: إني انتصرت على نفسي وأهوائها؛ لتحقق معاني العبودية على الأرض ومعاني "الله أكبر". ساعة لنثر بذور ما تعلَّمته في هذه المدرسة من إقامة للعدل والإحسان ونشر الرحمة بين الناس. هذه المدرسة التي كان شعارها: "الله أكبر" على نفسي وبطني وشهواتي وانفعالاتي، وظلمي، وكسلي...

وتأتي الأيام العشر من ذي الحجة لتعطر الكون بعبق "الله أكبر الله أكبر" في البيت، وفي السوق، وفي العمل، وفي الشارع، وفي كل ركن. الله أكبر فوق كل الوجود! ويقبل يوم عرفة فتشرئب أعناق المقربين إلى السماء، رافعين أكف الضراعة ملبين: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك". "لبيك" يأتي يتصاغر أمامه كبراء الدنيا! عرفة يوم المباهاة، يقول فيه سبحانه جل في علاه لأهل السماء: ((انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبرًا)).

وفيها أعظم مؤتمر عالمي في تاريخ الإنسانية التي امتدت عبر التاريخ طولًا وعرضًا وعمقًا؛ المؤتمر الذي أرسى فيه الحبيب المصطفى دستور أمة "الله أكبر"، ومقاصد الرسالة الخالدة، وما تضمنته من حقوق وقيم حضارية عالية، دان لها العرب والعجم.

ثم يأتي العيد، وما أدراك ما العيد! يوم الفرح والبشر، يوم الوفاء لأبي الأنبياء إبراهيم الخليل. فالعيد ذكرى لعزيمته وثباته عند البلاء العظيم بذبح فلذة كبده. "الله أكبر" كان شعار إبراهيم وكل أبنائه الأنبياء من بعده.

"الله أكبر" عقيدة التوحيد الحقيقية، تملأ قلوبنا وتسري في عروقنا، وتلهج بها ألسنتنا.

"الله أكبر" في أفراحنا وفي أحزاننا.

وفي مواجهتنا للتحديات: "الله أكبر" فوق كيد المعتدين. و"الله أكبر" صرخة النصر المدوي، تنخلع لها قلوب المتكبرين.

"الله أكبر" على كل المتخاذلين، المحبطين، المشككين، الحاقدين.

"الله أكبر" عند كل كرب، وعند كل ضيق.

"الله أكبر" نعيد بها مجدنا وعزنا، ونبني بها غدنا ومستقبلنا!

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق