حسبنا الله سيؤتينا من فضله

287
2 دقائق
2 محرم 1447 (28-06-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حقيقة دعاء: (حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله).

فمن قال إن هذا الدعاء للمنافقين، فقد خبط خبط عشواء، وغاب عنه وجه البيان، وتكلّم فيما لا يُحسن، وضلّ عن سواء السبيل. ولو أنصف لرجع إلى القرآن نفسه، فهو الفيصل، وفيه الخبر والبيان، لا يُستخرج بنزعٍ من السياق، ولا يُفهم بفصلٍ عن المقاصد، بل يُنظر فيه نظرة مَن يخشاه ويتدبّره.

فالقرآن حين ذكر قول المنافقين: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أُعطوا منها رضوا وإن لم يُعطوا منها إذا هم يسخطون * ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون}، فهل أراد أن يقول إن هذا القول خاصّ بهم؟ أم أراد أن يُرشدهم؟ أن يُعلّمهم ما كان ينبغي أن يقولوه؟!

بل ظاهر الآية أن هذا تعليم، وأيّ تعليم!

تربية قرآنية على لسان رب العزة، يقول لهم لو عقلتم لرضيتم، ولو رضيتم لقلتم خيرًا، ولو قلتم خيرًا لاستحقّقتم ما ترجون.

فهل من علّمه الله كيف يقول، ثم قال ما علّمه الله، يُقال له "منافق"؟!

عجبًا! وهل من دعا بما علّمه الله، واهتدى بما أرشده إليه، يُنسب إلى النفاق؟!

ما هكذا تُقرأ الآيات، وما هكذا يُفهم القرآن.

انظر إلى قول الله في حديث الإفك، حين قال: {لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا وقالوا هذا إفكٌ مبين}.

هل يُقال: إن الظن الحسن هنا، وقول "هذا إفك مبين"، خاصّ بمن خاضوا في الإفك؟!

أم أن الله أرشد عموم المؤمنين إلى ما كان ينبغي أن يكون حالهم؟!

وهكذا هي الآية في دعاء "حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله"، تعليم من الله لما ينبغي أن يُقال في موضعه، وبيان لما هو أكمل في القول وأقوم في العمل.

ثم اعلم أن دعاء "حسبنا الله" ورد في مواضع متعددة، وأعظمها قول الله عن المؤمنين الصادقين:

{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء}.

فهل ترى أن هذه الكلمة الجليلة، التي كانت من شعار أهل الإيمان، وأثمرت لهم النعمة والفضل والأمان، هي مما يُتّهم به المنافقون؟!

أم أنّ هذا خلط في الفهم، وقصور في التدبّر؟!

ثم إن ما نُقل في كتب التفسير، وما فهمه أهل العلم، أن الآية فيها إشارة إلى أن من ضاق عليه رزقه، أو أصابته شدة، أو مسّه ضر، فإن من كمال الإيمان أن يقول:

"حسبنا الله، سيؤتينا الله من فضله، إنا إلى الله راغبون".

هذا لا يعني أنه يقرأ الآية كما هي في التلاوة، بل يدعو بها متأوّلًا معناها، مستندًا إلى ما في الآية من دلالة، كما كان النبي يفعل.

ألم تقل عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي ﷺ يتأول القرآن))؟

وهذا هو التأويل الحق: أن يجعل الإنسان من ألفاظ القرآن أدعية، لا على وجه التلاوة، بل على وجه الدعاء والتضرع.

ألا ترى في دعاء الاستفتاح: {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.

وهو آية من القرآن، لكن النبي لم يقلها على وجه التلاوة، بل على وجه التأويل والدعاء، فاتّبعناه.

فمن دعا بقوله: ((سيؤتينا الله من فضله))، يريد بها الدعاء والتوسل إلى الله، لا التلاوة، فقد أحسن، واقتفى أثر النبوة، وسلك سبيل المؤمنين، فلا يُثرب عليه، بل يُبشّر، ويُؤمّل له الخير.

وختامًا، من قال إن هذا الدعاء دعاء المنافقين، فقد جهِل، ومن جهل فليس عليه تثريب إن رجع وتعلّم، أما أن يُصِر ويتمادى، فذاك شأن آخر.

نسأل الله لنا وللمسلمين الفقه في الدين، والنظر بنور القرآن.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق