بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يتناقل الناس هذه العبارة كثيرًا: "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"، ويُعجبون بجمالها، ويشعرون أنها تليق بجلال الله وعظمته. لكن، أليس في هذه الجملة إشكال؟ أليس فيها نوع تجاوز حين نظن أن الحمد يمكن أن "يبلغ منتهاه"؟ أيبلغ الحمد منتهاه أصلًا؟!
قبل أن نحكم على العبارة أو نُسرع بالإنكار، فلننظر أولًا إلى المعنى.
نعم، لا شك أن الله سبحانه وتعالى لا يُحصى ثناء عليه، كما قال نبيّه ﷺ في الحديث الصحيح: "لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، وهذا أصل عظيم. مهما حمدنا الله، فلن نبلغ كمال الحمد، ولا نهايته، ولا تمامه.
لكن، هل هذا يعني أن قولنا: "حتى يبلغ الحمد منتهاه" باطل؟ لا. ليس المقصود من هذه العبارة أن المتكلم يزعم أنه قد حمد الله حمدًا يبلغ غايته وكماله! وإنما هو دعاء، رجاء، تسبيح بمعنى: *اللهم لك الحمد، حمدًا عظيمًا لا ينقطع، يمتد ويمتد حتى يبلغ -إن بلغ- أقصى ما يمكن من حمد*، ونحن نعلم مسبقًا أنه لن يبلغ، لكنه رجاء جميل، وتعبير عن شدة محبة العبد لحمد ربّه.
وهذا قريب من قول بعض العلماء: *الحمد لله حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده*. وهو قول لا يعني أن الإنسان قد وفّى، بل هو إقرار بالعجز، وفي الوقت نفسه تمني الكمال، والاعتراف بأن الله أهلٌ لكل حمد، مهما بلغ.
بل انظر، كيف حمد الله نفسَه في أوّل القرآن: {الحمد لله رب العالمين}. وجاءت (ال) للاستغراق، أي كل أنواع الحمد، وكل مرات الحمد، وكل ألفاظ الحمد، كلها له سبحانه. فهل يملك بشر أن يحيط بهذا؟ أبدًا. لكننا نشارِك، نقدِّم، نحاول، نُحبّ أن نُكثر الحمد.
وقد ذكر أهل العلم قديمًا أن كل حمد هو نعمة تستوجب حمدًا جديدًا. قال بكر بن عبدالله: (ما قال عبد قط: الحمد لله، إلا وجبت عليه نعمة بقوله: الحمد لله)، فصار عليه أن يحمد مرّة أخرى. وهكذا إلى ما لا نهاية.
وقال الشافعي رحمه الله: *الحمد لله الذي لا تؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكره بها*. هذا هو الفهم. نحن في دائرة لا تنتهي من النعم، والحمد، والشكر، والعجز.
فالذي يقول: *الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه*: لا حرج عليه، ما دام يفهم المعنى، ويعلم أن المنتهى غير مُدرَك، وأن العبارة لا تعني أنه بلغ الكمال، بل تعني أنه يتمنى لو بلغ، وأنه لا يزال سائرًا في طريق الحمد، لا واقفًا على قمته.
وأما من ظن أن فيها إساءة لله تعالى، فلعله قد أساء الفهم لا العبارة. فليتمهّل.
قال محمود الورّاق، كما روى ابن أبي الدنيا:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة *** عليّ، له في مثلها يجب الشكر
فكيف وقوع الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيام واتصل العمر
فمن هنا، نقولها مطمئنين: *الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه*. لا لأننا بلغنا، بل لأننا نحب أن نحمد، ونرجو أن نُكثِر، ونُظهر عجزنا ونحن نمشي على دربٍ لا يُدرَك له نهاية.
والله أعلم.