يا أبا عمير، ما فعل النغير

98
1 دقائق
19 محرم 1447 (15-07-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

حين تتصفح كتب السنة، تمرّ بك مواقف تبدو للوهلة الأولى بسيطة، لا تكاد تلتفت إليها، ثم إذا تأملتَها انفتحت لك كنوز من المعاني والرحمة والعظمة.

ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لَيخالِطُنا حتَّى إن كانَ لَيقولُ لأخٍ لي صغيرٍ: يا أبا عُمَيْرٍ ما فعلَ النُّغَيْرُ".

والنُّغير فرخ طائر صغير، كان أبو عُمير –وهو طفل لم يبلغ الثالثة– يلعب معه، ثم مات الفرخ.

طفل صغير، فقد طائره. فما الذي فعله النبي ؟

جاء إليه، ناداه بلقبٍ يُحبّه، خاطبه بلسان محبة، ثم سأله عن حال طائره، وكأنه يدخل معه عالمه ولا ليستنكر حزنه، بل ليخفف عنه بطريقة يفهمها. بدون استهزاء ولا سخرية!

يا أبا عُمير ما فعل النغير؟ هي عبارة قصيرة، لكنها مدرسة كاملة في التربية، في الرحمة، في الفهم.

النبي لم يقل له: (كبرتَ على البكاء!)، ولا قال: (هو مجرد طائر!)، ولا أدار وجهه وقال: (دعوه يبكي!)، بل جلس معه في حزنه، ورافقه في عالمه، وشاركه مشاعره.

هذه هي مدرسة النبي إنه هو الذي قال له ربه: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم"، لا لأنّه كان يُحسن التعامل مع الكبار، أو يَحكم بين الصحابة، أو يخطب في الناس فحسب، بل لأنه كان يعرف كيف يُمسك يد طفل، كيف يُربّت على كتفه، كيف يُنصت إلى بكائه، ويُقدّر دموعه.

قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21).

فهل نفعل نحن ذلك؟ هل نُصغي لحزن الطفل، أم نضحك منه؟ هل نُراعي شعوره، أم نقول: (سيكبر وينسى!)؟

لا، لن ينسى. الطفل لا ينسى من أساء إليه، ولا ينسى من احتقر مشاعره، ولا ينسى من جعله يشعر أنه لا شيء.

يا أبا عُمير، ما فعل النغير؟

ليست مجرد مداعبة، بل تربيةٌ ورحمةٌ وخلقٌ عظيم.

إذن هي ليست قصة نرويها للصغار قبل النوم، بل هو درس نحتاجه نحن الكبار، لنفهم كيف يكون الخُلُق، وكيف تكون الرحمة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق