بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
السحر مرض خفيّ، يهاجم الإنسان دون أن يراه، ويترك أثرًا مؤلمًا في حياته سواء على الصعيد النفسي أو الجسدي. ولهذا الابتلاء أسباب كثيرة، منها الحسد، أو الشيطان الذي يحاول بث الفتن بين الناس، أو حتى من يجهل خطورة ما يفعل ويظن أن السحر طريق لحل مشاكله. لكن الإسلام جاء ليضيء لنا الطريق، ويضع لنا حدودًا واضحة لا يجوز تجاوزها، كما قدم لنا دواءً روحيًا لا نظير له.
الأمر الأول والأساسي في علاج السحر هو الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، واللجوء إليه بالدعاء والذكر المستمر. الدعاء ليس فقط كلمات تُقال، بل هو اتصال روحي بين العبد وربه، يعبر فيه الإنسان عن ضعفه وحاجته، ويطلب من الله الرحمة والشفاء.
وإلى جانب الدعاء، هناك السور القرآنية التي تشكل حصنًا منيعًا بفضل كلماتها التي نزلت بقدرة الله، وأعظمها سورتي الفلق والناس. ففي هاتين السورتين استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم بالله من شر الخلق والجن، ومن كل سوء، وهذه السور تمثل درعًا واقيًا يقف بين المؤمن وبين أي ضرر.
لكن في وسط كل هذا، يظهر جدل بين العلماء حول مسألة علاج السحر بسحر مثله. قد يبدو للبعض أن الرد بالمثل هو الحل، لكن هذا الطريق محفوف بالمخاطر، لأن السحر من عمل الشيطان، والمسيء لا يجوز له أن يستعين بوسائل الشيطان ليرد على سحر أصابه.
النبي صلى الله عليه وسلم بيّن ذلك عندما وصف السحر بأنه من عمل الشيطان، ولذلك حذرنا الله بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}، لأن اتباع خطواته يعني الانحدار في طريق الفساد والفجور.
لذلك، إذا علم الإنسان أن جاره أو من حوله يمارس السحر، فلا يجب أن يلجأ للعنف أو الرد بالمثل، بل الواجب هو النصيحة بالحسنى، تذكيرهم بخطورة السحر الذي يُعتبر كفرًا يبعد صاحبه عن رحمة الله، ويؤذي الناس وينشر الفساد. فربما يهدي الله هذا الشخص بالتوبة وينقذه من الظلام الذي هو فيه.
وإذا استمر الساحر في غيه، فلا يبقى للمؤمن إلا رفع الأمر إلى الجهات المختصة، التي تتولى أمر حفظ المجتمع وسلامته، ويكون ذلك عبر القانون والشرع، بعيدًا عن أن يخلط الإنسان بين الحلول الروحية والعقوبات القانونية، فكل شيء في مكانه.
ومن المهم أن نذكر أن علاج السحر ليس مجرد قراءة أو دعاء مرهق، بل هو حالة توازن روحي ونفسي. فعلى الإنسان أن يكثر من ذكر الله، وقراءة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يعزز إيمانه وثقته بالله، لأن ذلك يملأ قلبه بالسكينة ويطرد الوساوس. كما أن الانشغال بأعمال البر والإحسان، وصلة الرحم، والابتعاد عن المعاصي كلها أسباب لرفع البلاء ودواء للنفس.
والأمل بالله دائم، فلا يأس مع الحياة، ولا قنوط مع الدعاء. فإذا أصاب الإنسان السحر، فعليه أن يستعين بالله بكل ما أوتي من قوة، ويثق بأن الله هو الشافي، وأن بعد الضيق فرجًا، وأن الفجر يأتي دائمًا بعد أحلك الليل.