بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد يسأل الكثير من الناس هذا السؤال ويقولون *من هو السلفي؟*.
ومنهم من يعتقد أن كل ملتحي فهو سلفي وهذا خطأ فالسلفي في ميزان الشرع هو صاحب عقيدة مضبوطة بالكتاب والسُنة لا يخرج عنها لأنها مُجمع عليها دون إختلاف وتكون عباداته بين الأفعال والأقوال موزونة بالكتاب والسُنة دون تشريع منه ويكون مظهره الخارجي مرتبط بالإلتزام كما أمره رسول الله ﷺ في اللباس ونصف الساق وإعفاء اللحية وغيرهم من المظاهر الأخرى ويكون من رُواد المساجد وتكون أخلاقه خاصة بأخلاق الصالحين فلا يُجاهر بالقبيح ولا يميل إلى دعوة التشدد في الدين ولا يميل إلى التعصب للأشخاص فيغضب للحق ولا يغضب لنفسه وإن غضب لنفسه فهو بشر يُخطأ ويُصيب يدور حيث دار الدليل ويقتفي بالأثر.
وقد قال ﷺ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ" رواه الترمذي، فدعوته إلى الله عزوجل لا تكتمل إلا تحت غطاء الصبر فيسأل عن الدليل وأصل دعوته هو طلب العلم الشرعي فلا يُجالس أهل البدع وإن جالسهم لا يمدحهم ولا يُثني عليهم فالمنهج عندهم ليس فيه مُداهنة ولا أهداف سياسية ولا مصالح شخصية أو مطامع دنيوية ومن كانت فيه خصلة من هذه الخصال فهو عبد مغرور لأن مطلب الدعوة ليس فيها سوى رضا الله والإخلاص له، وترك البدع شرط في دعوته والإقتداء بسُنة النبي ﷺ مبدأ دعوته وسير خطى سلف الأمة ليكون من خير الخلف فيها فهذه هي غايته، فالتوحيد هو منطلق دعوته وحُسن معاملته للناس حسب أسلوب تربيته ونشأته فالمعاملة الحسنة تفتح للناس مجالا لقبول دعوته خصوصا من باب الإقتداء به إن كان أهلا للقدوة وأما من كان صاحب عقيدة سليمة ومنهج قويم لكن لا يهتم بالسُنة كالإعفاء عن اللحية فإن قام بحلقها فهو سلفيٌ عاصي ويدخل في قائمة العوام من الناس فإن رأينا الخطأ في مسلم فالخطأ هنا في التابع وليس في المتبوع لأن المسلم بشر يُخطأ ويُصيب والإسلام دين معصوم بوحي من الله عزوجل وكذلك السلفي فإن رأينا فيه خطأ فهو بشر يُخطأ ويُصيب وكما قال أهل العلم *العقيدة السلفية معصومة* نعم فهي مبنية بأدلة الكتاب والسُنة.
كما أن السلفي نصائحه يُبديها سرا ولا تكون علانية ولا تجده في المظاهرات بين الناس في الشوارع ولا الإضرابات ولا يسبُ الحُكام علنا كما يفعل البعض وطاعته لولي الأمر مُقيدة *بالمعروف* ولا يترحم على من مات على الكفر من باب عقيدة *الولاء والبراء* تجده يتبع الحق أينما كان ويقبل الدليل مهما كان ويعترف بالبيان متى كان، له غيرة على السُنة من شدة محبتها فدعوته مباركة من الله عزوجل وإن كانوا فيها قِلة على أرض الميدان كلامه أكثر ما فيه هو (قال الله وقال رسول الله) ﷺ، وقد قال عنهم الشيخ العربي التبسي رحمه الله (فهم قوم ما أتوا بجديد ولا أحدثوا تحريفا ولا زعموا لأنفسهم شيئا....وإنما هم قوم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر في حدود الكتاب والسُنة) الرد النفيس للشيخ محمد حاج عيسى الجزائري ص (278) فالسلفي ليس معصوم في تفكيره ولا في معاملاته ولا في أسلوبه ولا في أخلاقه... الخ.
فقد يُفكر كما يفكر كل العُصاة من المسلمين فقد تجده على أي ذنب إلا خمس ومنها الشرك فلا تجده مشركا لا في قوله ولا في فعله وكذلك البدع فلا تجده يفعلها أو يشجعها وكذلك الكذب في دعوته فلا يتحدث بالأحاديث الموضوعة أو القصص المكذوبة ولا تجده مداهنا للأمراء والحكام لينال منصبا لأنه قد يُرضِّي الحاكم بما يُخالف الشريعة فمن كانت فيه خصلة من هذه الأربع فهو ليس بسلفي وإن قال *أنا سلفي* والخامسة فالسلفي لا تجده يُجاهر بالمعصية إن فعلها وإن جاهر بها فهو سلفي فاسق فإن السلفي الحُر الذي لا يُداهن فإن لم يجد دليلا في عبادة لم يكن يفعلها لن يفعلها وإن فعلها كل الناس فقد تجده مخطئا ومذنبا لكنك لن تجده مبتدعا فهذا هو السلفي الحقيقي وقد نُسب لابن مسعود رضي الله عنه أنه قال (إنا نقتدي ولا نبتدي ونتبع ولا نبتدع ولن نضل ما تمسكنا بالأثر).
وقد قال أهل العلم (فمن خالف رأيه الكتاب والسُنة فليس بسلفي وإن عاش بين ظهراني الصحابة والتابعين) شرح كتاب كن سلفيا على الجادة للشيخ السحيمي ص (55)، فمن السهل قبول منهج السلف لكن من الصعب الثبات عليه والموت على هذا المنهج لأنه منهج لا يقدر عليه إلا صالح صادق وقد نُسب للإمام ابن سيرين رحمه الله أنه قال (كانوا يقولون إذا كان الرجل على الأثر فهو على الطريق)، فالسلفية كالأرض الخضراء هي نقية ماءها هو العلم الشرعي وهوائها هو الإتباع وأرضها هي الدليل فكم من سلفي كان على المنهج ثم إنحرف وأصبح من أهل البدع والأهواء والله المستعان.
*وقد قيل لأبي بكر بن عياش (من السُني؟) قال (الذي إذا ذُكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها)* الحد الفاصل للشيخ ربيع المدخلي حفظه الله ص (16) ما تحت الخط، قال ﷺ: "طوبى للغرباء" ثلاثا قالوا (يا رسول الله ومن الغرباء؟) قال: "ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصهم أكثر ممن يُطيعهم" رواه أحمد والطبراني، وفي رواية لما قيل له (من الغرباء؟) قال: "الذين يَصلحون إذا فسد الناس" وفي رواية أخرى قال: "يُصلحون ما أفسد الناس" وفي رواية: "يُحيون ما أمات الناس من سُنتي" موقع الشيخ ابن باز رحمه الله، والناس أفسدوا عقائدهم والسلفيين هم من يُصلحون هذه العقيدة وقال عليه الصلاة والسلام: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" رواه مسلم، وهناك من يستهزئ بأصحاب هذا المنهج بسبب أنهم قِلة يظن أن الحق لا يكون إلا مع الأكثرية قال تعالى {... وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سبأ (13)، وقال أيضا {... وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} التوبة (8)، فلفظ القِلة مدحه الله في كتابه العزيز ولفظ الأكثرية ذمه في كتابه المبين.
فكما قال أهل العلم أن (الحق يعلوا ولا يُعلى عليه) نعم وإن كان مع الحق شخص واحد والباطل يهوى ويضمحل وإن كان معه المليارات من البشر وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه ينفون عنه تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" رواه البزار وغيره وهو حديث مختلف بين الصحة والضُعف فيه، وهم طبعا علماء السُنة قادة السلفيين رحم الله أمواتهم وحفظ الله منهم الأحياء وهم الذين يُثبتون العقيدة دون تحريف ولا تأويل تنزيها لا تشبيها ولا تمثل ولا يقولون *كيف* فإن لم تثبت الكيفية فالسؤال عنها بدعة، قال الشيخ فركوس حفظه الله (السلفي بحسب مقوماته وبحسب هيئته العلمية وأصل مواقفه فيختلف الأمر بين السلفي القوي والسلفي المتوسط والسلفي الضعيف) شهادة للتاريخ ص (39/40).
وهذا التقسيم خاص بالعوام وطلبة العلم وليس العلماء وكلمة سلفي مأخوذة من كلمة السلف والسلف هي كلمة تخص كل من مات على الحق وخصوصية هذه الكلمة بذاتها تعني أصحاب القرون الثلاثة منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعي التابعين وأما عموم هذه الكلمة فهي تقال لكل من عاش على الحق ومات عليه منذ عهد النبي ﷺ إلى يومنا هذا دون إستثناء سواء كانوا علماء ربانيين أو عوام سُنيين والحق هنا كل ما وافق الكتاب والسُنة.