الطيرة والتشاؤم

202
4 دقائق
17 صفر 1447 (12-08-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لقد إنتشر الجهل بيننا بسبب قِلة العلم وكثرة الغفلة فأصبح الكثير من الناس يُقلد كل ما يراه أو ما يسمعه ولا يبحث عن حُكمه في الإسلام بين الجواز والمنع ومن هذا الجهل والتقليد الأعمى هي الطيرة والتشاؤم سواء من الأيام والشهور أو من الأشخاص والطيور وكذلك من الألوان والزهور... الخ.

ومنذ سنين إنتشرت مقولة في الجزائر واشتُهرت بين ألسنة العامة من الناس وهو قول "جيل 60 أحلى جيل وجيل 70 عز وهيبة وجيل 80 صِدق وطيبة وجيل 90 بداية المصيبة وجيل 2000 مخلوقات غريبة" فالأجيال الثلاثة تم مدحهم والجيلين الآخرين تم ذمهم ولله المستعان، ومعنى قولهم جيل (60 + 70 + 80 + 90 + 2000) أي كل مواليد سنة 1960 أو 1970... الخ، ونبدأ بجيل 90 وهو زمن إنتشار الإرهاب في الجزائر أي سنة 1990 إلى غاية 2003 و 2004 ميلادي وهذا تشاؤم وطيرة والله المستعان فليس ذنب من وُلد في ذلك الزمان فيما جرى لبلدنا الحبيب فموسى عليه السلام قد وُلد في زمن ُذبح فيه أطفال بني إسرائيل فهل هذا ذنب موسى عليه السلام أم ذنب فرعون الذي أعطى الأمر بذبحهم؟

ففي ذلك الزمن وُلد رسول هو من أولي العزم إنه كليم الله موسى عليه السلام فإن جيل 90 كما يُلقب يُعتبر بكل صراحة من بين أفضل الأجيال التي تمُر على تاريخ الجزائر وذلك لأسباب ومنها أن هذا الجيل أكثرهم لا يطوفون بالقبور والأضرحة كما يفعل مُعظم جيل 60 و 70 وإن كان هذا الجيل فيهم عُصاة نعم ولكن هذا الجيل لا ينتمي للإرهاب وإن وُلدوا في زمن إنتشارهم لأن الإرهاب بذلك الوقت أكثرهم كانوا من جيل 70 و 80 وقد إنتشر الإرهاب في ذلك الزمن بسبب الجهل وقِلة العلم والحمد لله على نعمة الأمن الذي تتنعم فيه الجزائر اليوم فربما الخير يكون في جيل 90 وجيل 2000 أكثر مما كان في الأجيال السابقة ولا نُزكي على الله أحدا فقد يكون هذا الجيل في المستقبل جيل العلماء وجيل الأئمة الذين يقودون البلد إلى القمة والإزدهار فقد تتغير الأمور وتُسجلُ أسماؤهم في التاريخ وبأنهم قادوا الأمم، نعم صحيح أنه هناك أخطاء بشرية كثيرة لكن هذا لا يعني أن هذا الجيل هو جيل الفساد والإفساد ففي كل جيل صالح وطالح ومُفسد ومُصلح وداعي للخير وداعي للشر وعالم جاهل... الخ

وقد وُلد وَلدٌ لعائلة غنية وبعد مرور سَنة نزل الفقر عليها وانتهى زمن الغنى بالكامل وبعد سنين عندما أصبح الولد في العاشرة من عمره قالوا له "أنت سبب الفقر الذي نحن فيه فلم نرى الفقر إلا بعد دخولك لهذا البيت" فهل كلامهم صحيح أم لا؟ وما ذنب الولد في فقر أبيه؟ لعل هذا الفقر بسبب ذنب قد إرتكبه والداه وقد حان الوقت لدفع ثمن ذلك الذنب بالإبتلاء من طعم الفقر وهذه حِكمة الله عز وجل بين عباده وأما عن قولهم "جيل 60 أحلى جيل وجيل 70 عز وهيبة وجيل 80 صِدق وطيبة" فهذا من باب المدح وهو يجوز لقوله ﷺ: ((خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) متفق عليه، رغم أن في زمانه كان أبوا لهب وأبوا جهل ومسيلمة الكذاب... الخ، وبعده جاء أناس كذبوا عليه ونشروا أحاديث موضوعة مكذوبة ونسبوها إليه ومنهم من ادعى النبوة وظهر أيضا الخوارج قتلة الصحابة رضي الله عنهم لكن المدح عام بكثرة أهل الخير والصلاح في المجتمع ذاك الوقت فالمدح يكون مذموما أحيانا إذا تجاوز الحد في ذاته كقول "فلان لا يوجد من هو أفضل منه في الجمال أو العلم أو الأخلاق... الخ"

ونعود إلى لُب الموضوع آلا وهي الطيرة والتشاؤم فقد قال ﷺ: ((لا عدوى ولا طيرة ويُعجبني الفأل)) قالوا "وما الفأل؟" قال: ((كلمة طيبة)) رواه الشيخان، والكلمة الطيبة مثل البشارة والمدح الجائز وحُسن الكلام... الخ.

وأما عن الفرق بين الطيرة والتشاؤم هو أنهما من ناحية المفهوم العام سواء أي يشتركان في الإعتقاد السلبي والنظرة الضيقة للحياة من باب اليأس والتراجع للخلف وإلقاء اللوم على الآخرين ولهذا قيل فيمن ابتلي بهما إنه (يرى الضوء أمام عينيه ولكنه لا يُصدق) وهذا بسبب كثرة الإقبال عليهما وأما من ناحية المفهوم الخاص فإن التشاؤم هو أن تتهم شخص ما أو شيئا ما بأنه هو السبب في الخسارة أو الإخفاق في أمر ما وهذا لقوله ﷺ: ((إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار)) رواه البخاري، والفرس هنا قياس لكل المركبات في هذا العصر وقد فسر أهل العلم هذا الحديث وقالوا (أي إن كانت له دار يكره سكناها أو إمرأة يكره صحبتها أو فرس لا تُعجبه فليفارق بالإنتقال من الدار ويُطلق المرأة ويبيع الفرس حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة) ولا يجوز التشاؤم بغير ما ذُكر هنا.

وأما الطيرة فهي عكس التشاؤم أي بأن تقول مثلا "هذا الصباح لا خير فيه لأني رأيت فلانا أو رأيت ذاك الشيء" سواء كان كائن حي أو من الجمادات فلا تُكمل الطريق أو تترك العمل بسبب هذا الإعتقاد الفاسد وهذا لقوله ((... وإذا تطيرت فامض)) رواه الطبراني، أي واصل الطريق ولا تتوقف بسبب الطيرة إذن فإن التشاؤم يكون بعد العمل مباشرة والطيرة قبله، ومنه كقول "سَنة سوداء وأيام كالجمر وشهر المصائب... الخ"، وهذا يُعتبر من سب الدهر وقد قال في حديث قدسي ((يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)) متفق عليه.

اعلم أيها المسلم أن الطيرة والتشاؤم يُضعفان من الإيمان في القلب ويقتلان التوكل على الله عز وجل فيه أيضا وتفتحان بابا للشرك لقوله ﷺ: ((الطيرة شرك الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يُذهبه بالتوكل)) رواه أبي داود وغيره.

وعلاج الطيرة والتشاؤم هو الإعتماد على دواء التوكل على الله عز وجل في السر والعلن وفعلا وقولا ورأس التوكل هو الإعتقاد السليم في القلب بأنه لن يضرنا أحد إلا بإذن الله وهذا لقوله تعالى {وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} البقرة 102. وهذه قاعدة شرعية عامة سواء كان سحرا أو عينا أو حسدا أو ظلما أو قتلا... الخ، وكذلك لن ينفعنا أحد إلا بمشيئته سبحانه وهذا لقوله تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} التكوير 29، فالتوكل بصفة عامة هو ثمرة من ثمار الإيمان بالله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق