بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
المروءة خلق نبيل وفضيلة من الفضائل ومن مكارم الأخلاق، وكان يقال مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلب صدأ الذنوب ومجالسة ذوي المروءات تدل على مكارم الأخلاق ومجالسة العلماء تذكي القلوب
ومتى جالس المرء أهل المروءات اكتسب منهم صالح الأخلاق والصفات، (فلا تكاد تجد حسن الخلق إلا ذا مروءة وصبر).
ولقد حث المفكرون على ضرورة تعليم المروءة للأبناء، حيث يقول: علّموا أبناءكم أن المروءة ركن ركين من أركان الأخلاق.
علّموهم أن المروءة تعني:
أن تكون كريمًا دون أن تُطلب... شهمًا دون أن تُستغاث... نزيهًا دون أن تُراقَب... نبيلًا في الخصام، مترفعًا عند الانتصار... وألّا تفعل الأذى... رغم قدرتك عليه.
وعلق رفاقه على هذه الكلمة الطيبة بقولهم:
يقول الأستاذ نبيل الرحيلي:
ما أجمل أن نغرس في أبنائنا بذور المروءة، فهي ليست خُلقًا عابرًا، بل سموّ في الطبع، ورفعة في السلوك.
أن تكون صاحب مروءة يعني أن تختار النُبل حين لا يراك أحد، وتنتصر لأخلاقك لا لنفسك، وتُجمل خصامك بالصمت لا بالإساءة، وتُمسك الأذى رغم قُدرتك، لأنك كبير لا لأنك ضعيف.
المروءة تربية:
لا تعلم أبناءك أن يطلبوا الأذن ليكونوا كرماء، ولا أن ينتظروا صراخ الناس ليكونوا شهماء، من لم يعرف النزاهه في الغيب فلن يعرفها في العلن، ومن لا يرتقي في الخصام لا ينتظر منه نبل في النصر، وأخطرهم من يوذي حين يقدر ويحسب ذلك قوة، فالمروءه لا تعلق على الحيطان بل تغرس في الصدور.
المروءة ليست سلوكًا يُرتدى على عتبة اللقاء، بل هي نَبْعٌ داخلي لا ينضب، ينبثق من قلبٍ مدركٍ لمعنى الكرامة والإنسانية.
المروءة قمة النبل التي تُعلّمنا كيف نرفع أعيننا للسماء رغم أقدامنا المغمورة في تراب الصراعات، وكيف نحتفظ بلطفنا حين تُفرض علينا قسوة العالم.
درجات المروءة:
للمروءة ثلاث درجات تكلم عنها ابن القيم رحمه الله فقال:
- الدرجة الأولى: مروءة المرء مع نفسه: وهي أن يحملها قسرا على ما يجمل ويزين وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في العلانية.
- الدرجة الثانية: المروءة مع الخلق: بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الجميل ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه وليتخذ الناس مرآة لنفسه فكل ما كرهه ونفر عنه من قول أو فعل أو خلق فليجتنبه وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله.
- الدرجة الثالثة: المروءة مع الحق سبحانه: بالاستحياء من نظره إليك واطلاعه عليك في كل لحظة ونفس وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان.
الوسائل المعينة على اكتساب المروءة:
هناك وسائل تعين المرء إلى الوصول إلى المروءة المبتغاة:
أولًا: علو الهمة والتطلع إلى السمو بالنفس، والترقي بها إلى المعالي.
ثانيًا: منافسة أصحاب المروءات ومسابقة أصحاب الأخلاق العالية {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: ٢٦].
ثالثًا: ومما يعين على تحصيل المروءات شرف النفس واستعفافها ونزاهتها وصيانتها.
رابعًا: المال الصالح خير معين على بلوغ المروءات.
خامسًا: ومما يعين على تحصيل المروءة اختيار الزوجة الصالحة "فاظفر بذات الدين تربت يداك".
سادسًا: ومما يعين على المروءة مجالسة أهل المروءات ومجانبة السفهاء وأهل السوء.
فوائد التحلي بالمروءة واجتناب ما يخرمها:
١. صون النفس، وهو حفظها وحمايتها عما يشينها، ويعيبها ويزري بها.
٢. توفير الحسنات، ويكون ذلك من وجهين:
أحدهما: توفير زمانه على اكتساب الحسنات، فإذا اشتغل بالقبائح نقصت عليه الحسنات التي كان مستعدًا لتحصيلها.
والثاني: توفير الحسنات المفعولة عن نقصانها، بموازنة السيئات وحبوطها.
٣. صيانة الإيمان، وذلك لأن الإيمان عند جميع أهل السنة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
٤. سبيل إلى نيل المطلوب العالي والسبق إليه وإن كثر عليه المتنافسون، قال بعْض الْعلماءِ: إذَا طلب رجلانِ أَمْرًا ظفِر بِهِ أَعْظمهما مروءةً.
٥. التحلي بها مما يزيد في ماء والوجه وبهجته قال ابن القيم رحمه الله: أَربعةٌ تزِيد فِي ماءِ الوجهِ وبهجتِهِ المروءة والوفاء والكرم والتّقوى.
٦. تحجز المرء عن كل لذة يتبعها ألم، وكل شهوة يلحقها ندم فهي جنة عن اللذائذ المحرمة والشهوات المهلكة.
٧. والمروءة مانعة من الكذب باعثة على الصدق؛ لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرها، فأولى من فعل ما كان مستقبحا.
٨. داعية إلى إنصاف الرجل لجميع الخلق سواء في ذلك من كان دونه أو من كان فوقه لا يفرق بين هؤلاء وهؤلاء.
٩. داعية إلى الرفعة والعلو، والمنافسة في خيري الدنيا والآخرة، وعدم الرضا من الشيء إلا بأعلاه وغايته.
١٠. تحمل صاحبها إلى الترفع عن سفاسف الأمور ومحقراتها.
١١. تحجزه عن الوقوع في مواطن الريب والشبهات، وإن حصل ووقع في مثل هذه المواطن تحمله على التخلص منها وعدم الرجوع إليها.
١٢. جالبة محبة الله تبارك وتعالى للعبد، ومن ثم محبة الخلق له.
١٣. صاحبها صاحب حزم وعزم، وقوة ورأي، يضع الأمور في نصابها.
١٤. تخلّص الإنسان من الهوى والشهوات.
حقا إنها أقوال تكتب بماء الذهب فشكرًا لمن سطرها ونفع أبناءنا بها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
المراجع:
- كتاب موسوعة الأخلاق الإسلامية - مجموعة من المؤلفين.
- مستشار اعلامي | كاتب رأي بصحيفة المدينة السعودية | تربوي سابق | رئيس مجلس إدارة جمعية طيبة الصحية.