مصادر الترجيح في المذهب الحنبلي

308
3 دقائق
25 صفر 1447 (20-08-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لعل أول مَن نص على أن "المذهب ما في الإقناع والمنتهى، وإذا اختلفا فالمذهب ما في المنتهى" هو الشيخ عبدالله بن محمد بن ذهلان النجدي الحنبلي (ت: ١٠٩٩ه)، وهو شيخ أحمد بن المنقور، وعثمان بن قائد -رحمهم الله-

وإن كان ظاهر صنيع الكرمي في "غاية المنتهى" والبهوتي في شروحه يدل على أن الاصطلاح متقدم...

وقد اشتهرت متون عند الحنابلة في كل طبقةٍ، إلى أن تم اعتماد "الإقناع" و"المنتهى" مع شرحيهما:

قال ابن بدران -رحمه الله-:

(اعلم أن لأصحابنا ثلاثة متونٍ؛ حازت اشتهارًا أيما اشتهار:

أولها: "مختصر الخرقي"؛ فإن شهرته عند المتقدمين سارت مشرقًا ومغربًا إلى أن ألَّف الموفق كتابه: "المقنع"؛ فاشتهر عند علماء المذهب قريبًا من اشتهار الخرقي إلى عصر التسعمائة، حيث ألف القاضي علاء الدين المرداوي "التنقيح المشبع".

ثم جاء بعده تقي الدين أحمد ابن النجار الشهير بالفتوحي فجمع "المقنع" مع "التنقيح" في كتاب سماه: "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات"؛ فعكف الناس عليه، وهجروا ما سواه من كتب المتقدمين؛ كسلًا منهم ونسيانًا لمقاصد علماء هذا المذهب التي ذكرناها آنفًا.

وكذلك الشيخ موسى الحجاوي ألف كتابه: "الإقناع"، وحذا به حذو صاحب "المستوعب"، بل أخذ معظم كتابه، ومن "المحرر" و"الفروع" و"المقنع"، وجعله على قولٍ واحدٍ؛ فصار معوَّل المتأخرين على هذين الكتابين وعلى شرحيهما).

ينظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (ص: ٤٣٥) لابن بدران.‏

فمن أبرز أئمة التصحيح والترجيح من متأخري الحنابلة وكتبهم:

١- المرداوي في "الإنصاف" ف "تصحيح الفروع" ف "التنقيح المشبع".

٢- الحجاوي في "الإقناع" اعتمد على كتب المرداوي الثلاثة.

٣- الفتوحي في "المنتهى" اعتمد على "التنقيح".

٤- الكرمي في "غاية المنتهى" اعتمد على "الإقناع" و"المنتهى".‏

والفرق بين تصحيح الحجاوي في "الإقناع" والفتوحي في "المنتهى":.

أن الحجاوي رجع إلى جميع كتب المردواي في التصحيح ك

و"تصحيح الفروع".

و"التنقيح المشبع".

بينما اعتمد الفتوحي على "التنقيح المشبع".

ولهذا قدم ما في "المنتهى" على "الإقناع"؛ لاعتماد أكثر المتأخرين على "التنقيح" في التصحيح.‏

فما اتفق عليه في كتابي "منتهى الإرادات" للفتوحي، و"الإقناع" للحجاوي؛ فهو المذهب المعتمد عند متأخري الحنابلة..

وإذا اختلفا فيقدم ما في "المنتهى" على "الإقناع".‏

وقيل: إذا اختلفا "المنتهى" و"الإقناع" في الترجيح فإنه يُقدم عليهما ما في "غاية المنتهى" للكرمي..

و"غاية المنتهى": هو متنٌ جمع بين متني "الإقناع" و"المنتهى".

قال السفاريني -رحمه الله- (ت: 1188ه) في وصيته لأحد تلاميذه النجديين: (عليك بما في الكتابين: "الإقناع" و"المنتهى"، فإذا اختلفا فانظر ما يرجحه صاحب "الغاية"). اه.

وقال السفاريني في "ثبته" (ص/152):

(ومما ينبغي أن يعلم: أن مدار مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضوان الله عليه في هذه الأزمنة من جهة الكتب المصنفة:

"الإقناع" للحجاوي.

و"المنتهى" لابن النجار.

و"الغاية" للعلامة الشيخ مرعي، وشروح هذه الكتب ومختصراتها وحواشيها"ا.ه

وقال الشيخ سليمان بن عبدالرحمن بن حمدان (ت: 1397ه) في كتابه "كشاف النقاب عن مؤلفات الأصحاب" بعد أن ذكر "المنتهى": قال صاحب "السحب" في إجازته للشيخ مصطفى بن خليل التونسي: وإذا أراد النقل عن المذهب فليعتمد على "المنتهى" و"الإقناع"، فإن تخالفا فالمرجح من تبعهُ صاحب "الغاية"، و"المنتهى" مُقَدَّمٌ على "الإقناع" إلا في مسائل يسيرة معدودة.

فإن قيل: قد التزم المصنف أن لا يذكر قولًا غير ما قَدَّمَ أو صَحَّحَ في "التنقيح" إلا إذا كان عليه العمل أو شهر أو قوي الخلاف فربما يشيرُ إليه، مع أنه ذكر في شروط القصاص: أن المكاتب لا يقتل بقنه ولو كان ذا رحم؛ تبعًا "للإنصاف" و"تصحيح الفروع"، وهذا خلاف ما نَصَّ عليه في "التنقيح" و"الإقناع" من قتل المكاتب بعبده ذي الرحم. قال في "المبدع": في الأشهر والأصح.

قلت: قد أجاب عن ذلك العلامة المحقق عثمان النجدي في "حاشيته": بأن حكمة عدول المصنف عما في "التنقيح"؛ لتأخر "التصحيح" عنه، قال: فتنبه لذلك... "ا.ه.

وقال الشيخ علي الهندي في المصطلحات الفقهية (ص 4): (المذهب عند المتأخرين: هو ما أخرجه المرداوي في كتابه "التنقيح"، والحجاوي في كتابه "الإقناع"، وابن النجار في كتابه "المنتهى"، واتفقوا على القول به.

وإن اختلفوا فالمذهب ما اتفق على إخراجه والقول به، اثنان منهم.

وإذا لم يتفقوا فالمذهب ما أخرجه صاحب "المنتهى" على الراجح؛ لأنه أدق فقها من الاثنين.

وقد يفضل بعضهم: "الإقناع"؛ لكثرة مسائله، ولا مشاحة في الاصطلاح) اه.‏

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق