توثيق النسبة بين المخطوط ومؤلفه

107
3 دقائق
22 ربيع الأول 1447 (15-09-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

بعض المخطوطات أو الكتب يطعن بعض الناس في ثبوتها لمؤلفها، ولذلك فإن توثيق النسبة بين المخطوط أو الكتاب ومؤلفه أمر لابد منه لمن يتصدى للعمل في تحقيق المخطوط ونشره، وليتسنى ذلك على الناشر المحقق التثبت بعده طرق:

أولًا: يكون التحقيق بنسبة الكتاب لمؤلفه من داخل المخطوط نفسه وذلك بذكر اسم الكتاب واسم مؤلفه على طرة المخطوط ولكن ذلك وحده لا يكفي، إذ لا يخفى على المطالع كثرة وقوع الخطأ من بعض النساخ، فكثير من الكتب نسبت لغير مؤلفيها، فكان لابد من تتبع الدلائل والقرائن التي يتحقق بها من نسبة الكتب لمؤلفيها.

فمن تلك الأدلة أن يذكر المؤلف اسمه واسم الكتاب بعد المقدمة والحمد والثناء على الله، فمثلا يقول: يقول الفقير الى الله تعالى فلان بن فلان ثم بعد ذلك يقول وهذا الكتاب سميته كذا، فيذكر اسم الكتاب أيضا، وممكن يذكر ذلك في خاتمه الكتاب، يعني في خاتمه الكتاب يقول وهذا آخر كتاب كذا ويذكر اسم الكتاب، ثم قد يذكر اسمه كذلك، مثلا يقول واختمه برجاء القبول عني فلان ابن فلان وهكذا.

مثال ذلك كتاب (تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في مَسْأَلَةِ الاسْتِبْدَالِ) يقول مؤلفه بعد المقدمة والحمد والثناء والصلاة والسلام على رسول الله: فيقول راجي عفو ربه الكريم قاسم بن قطلوبغا الحنفي.، فوفر على الناس مؤونة البحث بتوثيق الكتاب لمؤلفه.

ثانيًا: قد يذكر الناسخ اسم المؤلف آخر الكتاب وسنة النسخ، وللعلم لو كُتِب على طرة الكتاب مع اسم المؤلف أوصاف مثل: العبد الضعيف والفقير إلى الله ونحو ذلك فغالبًا يكون الناسخ هو المؤلف، أما لو كتب أوصاف مثل الإمام والبحر والحبر والعلامة والفهامة فهذا من الناسخ وليس من المؤلف، والنساخ غالبًا يذكرون اسم المؤلف ويدعون له آخر الكتاب، ويذكرون سنة النسخ وقد يذكر الناسخ اسمه كذلك.

ثالثًا: مما يصلح ليكون دليلًا أو قرينة على ثبوت كتاب مخطوط لمؤلفه السماعات المثبتة على هامش الكتاب أو في آخره.

وكذلك ذكر وقف الكتاب باسمه واسم مؤلفه على مسجد أو مكتبة وهكذا.

رابعًا: مما يصلح أن يكون دليلًا على نسبة الكتاب لمؤلف بعينه، تعدد نسخ المخطوط، فلو كثرت نسخ المخطوط، وتنوعت أماكنها، واتفقت النسخ على اسم المؤلف، دل ذلك على صحة نسبة الكتاب لصاحبه ومؤلفه، وكلما كانت سنة النسخ قريبة من حياة المؤلف أو في حياة المؤلف كان ذلك دليلًا دامغًا في ذلك.

وبعض النسخ يكون عليها خاتم المؤلف وإجازة منه وهكذا.

خامسًا: إشارة المؤلف للكتاب في مؤلفاته الأخرى، فهذا أيضًا من الأدلة على ثبوت كتاب مخطوط لمؤلفه.

مثال ذلك كتاب: (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) لابن الوزير رحمه الله.

قال المؤلف في كتابه (العواصم والقواصم): (1/ 225) -وهو أصل هذا الكتاب: ثمّ إنّي قد اختصرت هذا الكتاب في كتاب لطيف سمّيته: (الروض الباسم). اه.

سادسًا: إشارة مؤلفين آخرين للكتاب ونسبته لمؤلفه في كتبهم، وكلما كان هؤلاء المؤلفين معاصرين للمؤلف أو قريبي العهد به كان ذلك أقوى في الدلالة على ثبوت كتاب مخطوط لمؤلفه.

مثال ذلك كتاب: (مقالات الإسلاميين) لأبي الحسن الأشعري رحمه الله ذكره الحافظ ابن عساكر في كتابه (تبيين كذب المفتري) فقال رحمه الله ص 131 وهو يسرد مؤلفات أبي الحسن: ومنها (مقالات المسلمين) استوعب فيه جميع اختلافهم ومقالاتهم.. انتهى

وشيخ الاسلام ابن تيمية [المتوفى سنة 728ه ] أشار كثيرا في كتبه إلى كتاب المقالات للأشعري فمن ذلك:

فقال في كتاب (النبوات) (2/ 631): وتأمّلت ما وجدته في الصفات من المقالات؛ مثل كتاب الملل والنحل للشهرستاني، وكتاب مقالات الإسلاميين للأشعري؛ وهو أجمع كتابٍ رأيته في هذا الفن. [انتهى].

سابعًا: أسانيد الكتاب والإجازات به، فقديمًا كانوا يجيزون بكتبهم، وكانوا يثبتون السماعات بالكتاب، ولا تزال الإجازات بالكتب موجودة متصلة، والأسانيد أنساب الكتب كما يقولون.

ثامنًا: لو ارتاب المحققون في ثبوت كتاب مخطوط لمؤلفه فعليهم بمقارنة أسلوب الكتاب بباقي كتب المؤلف، فلكل عالم ومصنف أسلوبه الخاص الذي يتطابق ويتشابه في كتبه ومصنفاته، والتحقيق بالأسلوب هذا لا يتقنه إلا الجهابذة، لأنه يقوم على الذوق وطول الممارسة والدرس لكتب المؤلف.

تاسعًا: استفاضة شهرة الكتاب ونسبته لمؤلفه، مثل كتب الصحاح والمسانيد والسنن.

عاشرًا: موافقة موضوع الكتاب لأحداث عصر المؤلف، هذا لو تطرق إليها المؤلف، فالأحداث والشخصيات والملوك لابد أن يكون المؤلف قد عاصرها وعايشها.

حادي عشر: الاستعانة بكتب فهارس المؤلفين والكتب، أو كتب التراجم والطبقات، أو فهارس المكتبات العامة والخاصة-ابتداءً-؛ أو غيرها من وسائل إثبات نسبة الكتب إلى مؤلفيها، مثل الفهرست لابن النديم، و(كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) لحاجي خليفة.

و(هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين) إسماعيل باشا الباباني.

وغير ذلك من كتب الفهارس والتراجم.

هذا ما تيسر والله وحده من وراء القصد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق