خلاف الفقهاء في حكم التكني بأبي القاسم

49
2 دقائق
14 ربيع الثاني 1447 (07-10-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

القول الأول: أنه لا يجوز التكني بكنيته مطلقًا، سواء أفردها عن اسمه أو قرنها به، وسواء محياه وبعد وفاته، وعمدتهم عموم هذا الحديث الصحيح وإطلاقه. حكى البيهقي ذلك عن الشافعي. وهو رواية عن أحمد.

القول الثاني: أن النهي عن الجمع بين اسمه وكنيته، فإذا أفرد أحدهما عن الآخر فلا بأس. وهو رواية عن أحمد قال أبو داود: باب من رأى أن لا يجمع بينهما، ثم ذكر حديث أبي الزبير عن جابر أن النبي قال: "من تسمى باسمي فلا يتكنى بكنيتي، ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي". ورواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وقد رواه الترمذي أيضا من حديث محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة.

القول الثالث: جواز الجمع بينهما، وهو المنقول عن مالك. واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أبو داود والترمذي من حديث محمد بن الحنفية عن علي قال: قلت: يا رسول الله، إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: "نعم". أخرجه أبو داود (٤٩٦٧)، والترمذي (٢٨٤٣) وأحمد (٧٣٠)، والحاكم (٧٧٣٧) وهو صحيح.

وعن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى النبي فقالت: يا رسول الله، إني قد ولدت غلاما فسميته محمدا وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك، فقال: "ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي؟" أو "ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي؟" أخرجه أبو داود (٤٩٦٨)، وأحمد (٢٥٠٤٠) وهو حديث منكر، قال الحافظ: «متنه منكر مخالف للأحاديث الصحيحة» تهذيب التهذيب (٩/٣٨٢). قال هؤلاء: وأحاديث المنع منسوخة بهذين الحديثين.

القول الرابع: إن التكني بأبي القاسم كان ممنوعا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جائز بعد وفاته. وهو رواية عن أحمد. قالوا: وسبب النهي إنما كان مختصا بحياته، فإنه قد ثبت في «الصحيح» من حديث أنس قال: نادى رجل بالبقيع: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، إني لم أعنك، إنما دعوت فلانا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي" متفق عليه. قالوا: وحديث علي فيه إشارة إلى ذلك بقوله: "إن ولد لي من بعدك ولد"، ولم يسأله عمن يولد له في حياته، ولكن قد قال علي في هذا الحديث: «وكانت رخصة لي».

قال ابن القيم: «والصواب: أن التسمي باسمه جائز، والتكني بكنيته ممنوع منه، والمنع في حياته أشد، والجمع بينهما ممنوع منه، وحديث عائشة غريب لا يعارض بمثله الحديث الصحيح، وحديث علي في صحته نظر، والترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح، وقد قال علي: إنها رخصة له، وهذا يدل على بقاء المنع لمن سواه، والله أعلم». زاد المعاد (2/ 412).

وعلّق المرداوي على كلام ابن القيم بقوله: «فظاهره التحريم» تصحيح الفروع (6/ 114).

واختار المرداوي الجواز فقال: «وهو الصواب، بعد موته صلى الله عليه وسلم. وقد وقع فعل ذلك من الأعيان ورضاهم به يدل على الإباحة». تصحيح الفروع (6/ 113).

قلت: وعندي أن ما قاله المرداوي أرجح؛ لحديث أنس السابق فهو واضح في علة المنع، وقد زالت.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

«التوضيح المقنع شرح الروض المربع» ج5


مقالات ذات صلة


أضف تعليق