بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخرج البخاري في صحيحه عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ" قَالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ".
تخريج الحديث: أخرجه البخاري (6306) (6323) وفي” الأدب المفرد ”رقم (617) والنسائي (5522)، والترمذي (3393)، وأحمد (17111)، (17130)، وابن حبان (932) والطبراني في”الكبير”(7189)، وابن أبي شيبة في المصنف (29439) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.
وللحديث شاهد عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه:
أخرجه أحمد (23013) وأبو داود (5072) وابن ماجه (3872)، والنسائي في”السنن الكبرى”(9764)، (10227) وابن حبان في صحيحه (1035).
وشاهد أيضا عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما:
أخرجه النسائي في”الكبرى”(10228)، (10229) وعبد بن حميد في المنتخب (1063) والطبراني في الدعاء (311).
معاني المفردات:
سيد الاستغفار: أَي أفضله. وَالسَّيِّد هُوَ الْمُقدم؛ والمعنى أي الْأَكْثَرُ ثَوَابًا وأعظمه نفعًا.
عهدك: العهد الميثاق.
وعدك: الوعد الجزاء والْمَثُوبَةِ بِالْأَجْرِ.
مَا اسْتَطَعْتُ: قدر استطاعتي ووسعي وجهدي ومَعْنَاهُ الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ.
أبوء: أقر وأعترف.
وأبوء بذنبي: أعترف بتقصيري ومعصيتي؛*وَيُقَال: قد بَاء فلَان بِذَنبِهِ إِذا احتمله كرها لَا يَسْتَطِيع دَفعه عَن نَفسه*. [عمدة القاري (22/ 278)].
موقن: مؤمن ومصدق إيمانًا لا شك فيه.
نبذة من ترجمة شداد بن أوس رضي الله عنه:
هو أبو يعلى شداد بن أوس بن ثابت النجّاري الأنصاري، وهو ابن أخي حسان بن ثابت، يقال: إنه شهد بدرًا؛ ولا يصح، ونزل بيت المقدس، وعداده من أهل الشام، وروى عنه ابنه يعلى، ومحمود بن الربيع، وضمرة بن حبيب، مات بالشام سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين. وقيل: مات سنة إحدى وأربعين. وقيل: سنة أربع وستين. قال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء: كان شداد ممن أوتي العلم والحلم. واختلف في صحبة أبيه. وليس له في البخاري إلا هذا الحديث ().
فوائد الحديث:
فائدة (1): الاستهلال بذكر فضل الدعاء ترغيبًا في امتثاله والتزامه.
بدأ الحديث بقوله ﷺ "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ" أي أفضله وأشرفه وأعظمه أجرًا ونفعًا؛ ترغيبًا في امتثاله والمحافظة عليه.
وأمثال ذلك كثير في الحديث النبوي، من ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟" قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" [رواه مسلم (251)].
وعَنْه أيضا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ بِهِ؟" قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أفشوا السلام بينكم". [رواه مسلم (54) والبخاري في”الأدب المفرد”(980)].
فائدة (2): بيان البلاغة النبوية في براعة الاستهلال والتقديم بين يدي الدعاء.
وذلك بالثناء على الله تعالى؛ والإقرار بربوبية الله وألوهيته وتقديم الذل والانكسار بين يديه في أول الدعاء؛ قال تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14].
قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
فائدة (3): قوله: (اللهم) بمعنى (يا الله) ودخول حرف الميم بدلًا من أداة النداء.
والمعنى أدعو الله؛ فهي للطلب؛ قال البغوي في التفسير (2 /23): مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ فَلَمَّا حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ زِيدَ الْمِيمُ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لِلْمِيمِ فِيهِ مَعْنًى، وَمَعْنَاهَا يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ أَيِ: اقْصِدْنَا، حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ كَقَوْلِهِمْ: هَلُمَّ إِلَيْنَا، كَانَ أَصْلُهُ هَلْ أُمَّ إِلَيْنَا، ثُمَّ كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ اسْتِخْفَافًا وَرُبَّمَا خَفَّفُوا أيضا فقالوا: لا هُمَّ. اه.
وقال ابن الجوزي في”زاد المسير”(1 /270):
قال الزجاج: قال الخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بعلمهم: «اللهم» بمعنى «يا الله»، و«الميم» المشددة زيدت عوضًا من «يا» لأنهم لم يجدوا «يا» مع هذه «الميم» في كلمة، ووجدوا اسم الله عزّ وجلّ مستعملًا ب «يا» إذا لم تذكر الميم، فعلموا أن الميم في آخر الكلمة بمنزلة «ياء» في أولها والضمة التي في «الهاء» هي ضمة الاسم المنادى المفرد. ا ه
الفائدة (4): قوله: "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي" إقرار بربوبية الله تعالى وإفراده بها.
وتوحيد الربوبية توحيد الله بأفعاله وهو الإقرار بأن الله وحده هو الخالق والرازق والمحيي والمميت والمدبر لكل ما يجري لا يشاركه ولا ينازعه في ذلك أحد، قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: 62].
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس:34- 35].
وقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت:63].
قال سبحانه: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:54].
الفائدة (5): توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة.
وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ".
فإقرار بربوبية الله تعالى وحده، وكذا إقرار بألوهية الله وحده؛ فلا معبود بحق إلا الله سبحانه؛ فهو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة؛ الظاهرة، والباطنة، قولًا، وعملًا، والبراءة من كل من الطواغيت التي عبدت من دون الله. قال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود:123].
وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:21].
وقال جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36].
وفي الصحيحين عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟"، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: "لاَ تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا".
وصرف العبادة لغير الله شرك؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
وعن جَابِر بْن عبدالله، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: "مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ" [رواه مسلم وأحمد].
الفائدة (6): التوسل لله تعالى بالتوحيد، وذلك لإجابة الدعاء.
كان النبي ﷺ كثيرا ما يثني على الله تعالى في دعائه؛ ويتوسل إليه بتوحيده سبحانه وتعالى؛ ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، كَانَ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لاَ يَمُوتُ، وَالجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ".
وأخرج البخاري برقم (7385) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ لِي غَيْرُكَ".
وفي سنن أبي داود من حديث عبدالله بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ".
وهذا نبي الله يونس بن متى عليه السلام يتوسل لله سبحانه ليكشف عنه الكرب؛ قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الانبياء: 87 – 88).
فائدة (7): تقديم الدعاء ببيان عجز الداعي وضعفه وتقصيره، وهذا سبب لإجابة الدعاء.
وذلك مستفاد من قوله ﷺ: "ما استطعت" أي قدر وسعي وجهدي؛ فسامحني فيما سوى ذلك.
قال ابن حجر العسقلاني في”فتح الباري”(11 /99): وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِطَاعَةِ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ عَنْ كُنْهِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّهِ تَعَالَى. انتهى.
ومثله قوله ﷺ في دعائه "لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"[رواه مسلم (486)].
فائدة (8): وجوب حفظ العهد.
وهو مستفاد من قوله ﷺ: "وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ" وهو العهد الذي أخذه الله تعالى على خلقه قبل أن يخلقهم قال الطبري في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد ربك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم، فقررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك، وإقرارهم به.
ثم ساق الطبري بسنده عن ابن عباس، في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ قال: مسح ربك ظهر آدم، فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي وراء عرفة، وأخذ ميثاقهم ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾. [تفسير الطبري (13 / 222)]
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَوْلُهُ: "وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ" يُرِيدُ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ حَيْثُ أَخْرَجَهُمْ أَمْثَالَ الذَّرِّ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ فَأَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَبِالْوَعْدِ مَا قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ إنَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا وَأَدَّى مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. [فتح الباري (11 /99)].
فائدة (9): رجاء حسن الوعد والجزاء وحسن الظن بالله.
قال ﷺ: "وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ" الْعَهْد الْمِيثَاق الْمَأْخُوذ فِي عَالَمِ الذَّرِّ وَهُوَ التَّوْحِيدُ خَاصَّةً، والوَعْدُ هُوَ إِدْخَالُ مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ.
قال ابن تيمية رحمه الله في ”جامع المسائل” (1/ 157): قَالَ: "وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ"، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ عَهْدًا أَمَرَهُمْ فِيهِ وَنَهَاهُمْ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى وَفَائِهِمْ بِعَهْدِهِ أَنْ يُثِيبَهُمْ بِأَعْلَى الْمَثُوبَاتِ، فَالْعَبْدُ يَسِيرُ بَيْنَ قِيَامِهِ بِعَهْدِ اللَّهِ إِلَيْهِ وَتَصْدِيقِهِ بِوَعْدِهِ. أَيْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى عَهْدِكَ مُصَدِّقٌ بِوَعْدِكَ.
وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ، كَقَوْلِهِ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وَالْفِعْلُ إِيمَانًا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَى عِبَادِهِ، وَالِاحْتِسَابُ هُوَ رَجَاؤُهُ ثَوَابَ اللَّهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ إِلَّا مَعَ التَّصْدِيقِ بِوَعْدِهِ. وَقَوْلُهُ: "إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا" مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ، إِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ إِيمَانُهُ بِأَنَّ اللَّهَ شَرَعَ ذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ وَرَضِيَهُ وَأَمَرَ بِهِ، وَاحْتِسَابُهُ ثَوَابَهُ عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ يَفْعَلُهُ خَالِصًا يَرْجُو ثَوَابَهُ. [انتهى]
فائدة (10): وجوب الاعتصام بالله واللجوء إليه والتحصن بقوته حتى يدفع عن المسيء سوء العاقبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ".
وعن سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: قل: ربي الله ثم استقم، قلت: يا رسول الله، ما أخوفُ ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هذا"؛ [رواه الترمذي وصححه].
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: وَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِهِ فَهُوَ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، وَالِامْتِنَاعُ بِهِ، وَالِاحْتِمَاءُ بِهِ، وَسُؤَالُهُ أَنْ يَحْمِيَ الْعَبْدَ وَيَمْنَعَهُ، وَيَعْصِمَهُ وَيَدْفَعَ عَنْهُ، فَإِنَّ ثَمَرَةَ الِاعْتِصَامِ بِهِ هُوَ الدَّفْعُ عَنِ الْعَبْدِ، وَاللَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَيَدْفَعُ عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا اعْتَصَمَ بِهِ كُلَّ سَبَبٍ يُفْضِي بِهِ إِلَى الْعَطَبِ، وَيَحْمِيهِ مِنْهُ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَكَيْدَ عَدُوِّهِ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، وَشَرَّ نَفْسِهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ مُوجِبَ أَسْبَابِ الشَّرِّ بَعْدَ انْعِقَادِهَا، بِحَسَبِ قُوَّةِ الِاعْتِصَامِ بِهِ وَتَمَكُّنِهِ، فَتُفْقَدُ فِي حَقِّهِ أَسْبَابُ الْعَطَبِ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ مُوجِبَاتِهَا وَمُسَبِّبَاتِهَا، وَيَدْفَعُ عَنْهُ قَدَرَهَ بِقَدَرِهِ، وَإِرَادَتَهُ بِإِرَادَتِهِ، وَيُعِيذُهُ بِهِ مِنْهُ().
فائدة (11): تنزيه الله عن صفات النقائص والمعايب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ" فأضاف الشر للعبد، وكل أوصاف الله صفات كمال، وكل أفعاله لحكمة عظيمة، ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام في دعاء استفتاح الصلاة الذي أخرجه مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ".
فائدة (12): وجوب الاعتراف لله بالفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ".
والله تعالى يقول: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11].
والاعتراف لله بالفضل من شكر العبد لله تعالى، ومن شكر الله فقد أدى الواجب الذي عنه سيسأل، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر:8]، ورد في الحديث: "أوَّلُ ما يُقالُ للعبدِ يومَ القيامةِ: ألَمْ أُصحِّحْ جسمَكَ وأُرويَكَ مِن الماءِ الباردِ"(). وهذا من النعيم الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة.
وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ".
فائدة (13): وجوب الاعتراف بالتقصير والاعتراف بالذنب لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي". والشعور بالتقصير والذنب دافع إلى التوبة، والله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ • وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ • وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ • وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون: 57- 60].
ويقول الله تعالى: ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23].
وقال الله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 102].
وفي الصحيحين عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمْني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم".
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: "فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ"[رواه البخاري (2661)].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى قال: "أذْنَبَ عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغْفِرْ لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي، فَلْيَفْعَلْ ما شاء".
فائدة (14): وجوب التوبة والاستغفار.
وقد دل النبي ﷺ على ذلك بقوله: "سيد الاستغفار"، والتوبة واجب عظيم، وقد فتح الله تعالى باب التوبة، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53].
وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة:222].
وكان النبي ﷺ إذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثًا.
وقال تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ • وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 17- 18].
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 199]، فأمر سبحانه بالاستغفار بعد الوقوف بعرفة والمزدلفة.
وأخرج البخاري برقم (6307) عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً".
فائدة (15): الله تعالى يتوب على من تاب.
فإن من أسماء الله الحسنى التواب، والغفور والغافر، قال تَعَالَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 160].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: 104].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 10].
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 3].
وقال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا • يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا • إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الفرقان: 68-70]
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها". [رواه مسلم]، وقوله: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". [رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].
فائدة (16): السنة النبوية من الوحي، لأن النبي ﷺ أخبر في السنة بأمور من الغيب، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ".
هذا ما تيسر والله وحده من وراء القصد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين