اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص

123
27 دقيقة
14 ربيع الثاني 1447 (07-10-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن أمر الفتوى أمر شريف وخطير: شريف في دلالة السائلين على طريق الله عز وجل بحلّ الحلال وتحريم الحرام، فيما سألوا عنه وأُشكل عليهم؛ ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى قد أجاب الصحابة الكرام عن بعض ما سألوا عنه، كما هو واضح في عدة آيات من الذكر الحكيم. كما قام النبي، صلى الله عليه وسلم، ببيان الحكم الشرعي للوقائع التي سُئل عنها من قبل الصحابة الكرام، وهم بدورهم قام المجتهدون منهم -اقتداء به صلى الله عليه وسلم، وأداء لما هو واجب عليهم- قاموا بالفتوى لمن سألهم عن وقائع وأحداث ونوازل، واستمر على هذا النهج العلماء المخلصون على مرّ العصور، وسوف يستمر إلى أن يأذن الله بانقضائه.

هذا من ناحية شرف الفتوى، أما من ناحية خطورتها فإنها لأسباب عدة قد يحدث الخلل والزلل في الفتوى، فينتج عن ذلك من الحرج والضيق للناس وللمستفتين ما الشريعةُ الإسلامية منه بريئة وبعيدة كل البعد عنه.

ومن المواطن الدقيقة التي تبين شرف الفتوى وخطورتها في آن واحد، اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والأعراف، مما يحفظ على الشريعة حيويتها وصلاحيتها وملاءمتها لكل حال ولكل مكان ولكل شخص ولكل عرف ونحو ذلك. كما أنه قد وقعت فتاوى لم تراع هذا الاختلاف والتباين والتنوع، فلم تكن موفقة وجانبت الصواب وبعدت عن الاجتهاد المسدّد.

ومن ثم حرص العلماء على بيان الأسباب التي تجعل الفتوى تتغير، وقد عقد ابن القيم لذلك بابا في كتابه إعلام الموقعين سماه: فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، قال تحته: *هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل*.

والباحث مهتمّ بهذا المضوع منذ زمن، وبخاصة اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص، وعلى حدّ علمه المتواضع لم يطلع على بحث عالجه بما يستحقه من اهتمام وعناية وإبراز لأثره. ومن ثم كانت هذه الصحائف القليلة ذات الجهد المتواضع التي إن ظفر الباحث فيها بالسلامة من الخطأ والزلل فقد فاز، وإلا فإن حسبه أن بذل جهده قدر الإمكان. والله الموفق والهادي لأقوم سبيل.

التمهيد: التعريف بعنوان هذا البحث: اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص:

يتكون عنوان البحث من الكلمات التالية: اختلاف والفتوى والأشخاص، ويحسن أن أعرف كلا منها على حدة تعريفا موجزا؛ حتى يكون هناك تصور جيد عن موضوع البحث.

فأما اختلاف فمن معانيه في اللغة: عدم الاتفاق والتساوي. والمعنى الاصطلاحي لا يختلف عن معناه اللغوي، قال الراغب الأصفهاني: *والاختلاف والمخالفة: أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله، والخلاف أعمّ من الضد؛ لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين*.

وأما الفتوى في اللغة فهي بمعنى الفتيا، الأولى بفتح الواو وفتح الفاء، والأخيرة بالياء وضم الفاء، وهي اسم من أفتى العالم إذا بيّن الحكم.

أما تعريف الفتوى اصطلاحا فقد عرّفها القرافي بأنها *إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة*.

وعرفها الراغب الأصفهاني بأنها *الجواب عما يشكل من الأحكام*.

ويمكن تعريفها بأنهار إخبار السائل عن حكم شرعي يتعلق بما سأل عنه.

فيدخل في هذا التعريف الفتوى التي هي دليل بنفسها كما في فتوى الله تعالى في كتابه الكريم وكما في فتاوى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السنة المشرفة، فهي أدلة بنفسها يستدل بها العلماء، وهي ليست صادرة عن أدلة، بل هي أدلة بعينها، كما يشمل هذا التعريف فتاوى الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم، فإنها تكون صادرة عن دليل شرعي. كما أنه يدخل في هذا التعريف الفتوى التي فيها إلزام كما في فتاوى الله ورسوله، وكذلك فتاوى الجهات الرسمية المعينة من قبل الدولة، وكذلك الفتاوى التي ليس فيها إلزام، وهذا هو الغالب على الفتوى.

أما الباء في كلمة باختلاف فهي هنا بمعنى السببية. أي اختلاف الفتوى بسبب اختلاف الأشخاص.

أما الأشخاص فجمع مفرده شخص، وهو كل جسم له ارتفاع وظهور، وغلب في الإنسان.

أما الشخصية فهي صفات تميز الشخص من غيره، ويقال ذو شخصية قوية: ذو صفات متميزة وإرادة وكيان مستقل. وهي لفظة محدثة.

وعلى ذلك فإن المقصود بعنوان البحث هو: اختلاف الفتوى وعدم اتفاقها بسبب اختلاف الأشخاص في صفاتهم وميولهم ورغباتهم واستعداداتهم والأحوال التي يعيشون فيها وتحيط بهم.

فالفتوى قد تتفق ولو اختلف الأشخاص السائلون في صفاتهم وقدراتهم واستعداداتهم، وقد تختلف بسبب اختلاف الأشخاص السائلون فيما سبق، وذلك لشيء يراعيه المفتي، بحيث لو صدرت واحدة للجميع في الحكم الشرعي، لأدى ذلك إلى عدم مناسبة الفتوى لأحدهم أو لبعضهم؛ نظرا لعدم توافر صفات أو قدرات تجعل الحكم الشرعي الذي صدر لشخص أو أشخاص تتوافر عندهم هذه الصفات وتلك القدرات ومناسبة لهم، غير مناسبة لهم أو ملائمة، وقد توقعهم في الحرج والضيق، وتأتي على قواعد الشريعة ومقاصدها بالنقض.

المبحث الأول: اختلاف الأشخاص في صفاتهم وقدراتهم ورغباتهم وأثر ذلك في اختلاف ما يصلحهم ويناسبهم:

من المتفق عليه أن الناس مختلفون في صفاتهم وقدراتهم واستعداداتهم ورغباتهم، فلا يكاد تجد شخصًا يماثل الآخر كليًّا، بل لابد من اختلاف ولو يسيرًا. والاختلاف بين الناس في ذلك من آيات الله في خلقه وسننه فيهم: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ {الرُّوم:22}.

فإذا كانت الآية الكريمة ذكرت الاختلاف الظاهري في اللغات واللهجات والألوان؛ فلأنه الاختلاف الذي يلحظه كل الناس؛ لكونه لا يحتاج إلى مزيد بحث وتدقيق وجهد، ولكن هذا الاختلاف الظاهري ينبئ عن اختلاف في النفوس والطباع والسمات، ولكنه يحتاج عناية لإبرازه ومعرفته، فكانت هذه الآية نصا في الاختلاف الظاهري ولكن لا يمنع ذلك من وجود الاختلاف في الصفات والقدرات والميول والرغبات.

وهذا الاختلاف ينتج عنه اختلاف فيما يصلح لكل أحد بحسب قدراته وصفاته، فما يصلح لأحد أو يناسبه قد لا يناسب الآخر ولا يوافقه، وكذلك ما يوافق رغبة جماعة من الناس، قد لا يوافق جماعة آخرين، ومن ثم كان حمل الناس جميعًا على حكم واحد فيما يقبل الاختلاف والتنوع، ليس بجيد وينتج عنه من العسر والمشقة والحرج ما يهدر معه القدرات وتُعطل المواهب.

وقد نبه بعض العلماء المسلمين على ذلك في مجال التكليف، يقول ابن تيمية عن الأفضل للعبد في العبادة: *إن الأفضل يتنوع تارة بحسب أجناس العبادات كما أن جنس الصلاة أفضل من جنس القراءة، وجنس القراءة أفضل من جنس الذكر، وجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء. وتارة يختلف باختلاف الأوقات كما أن القراءة والذكر والدعاء بعد الفجر والعصر هو المشروع دون الصلاة. وتارة باختلاف عمل الإنسان الظاهر كما أن الذكر والدعاء في الركوع والسجود هو المشروع دون القراءة، وكذلك الذكر والدعاء في الطواف مشروع بالاتفاق. وأما القراءة في الطواف ففيها نزاع معروف. وتارة باختلاف الأمكنة كما أن المشروع بعرفة ومزدلفة وعند الجمار وعند الصفا والمروة، هو الذكر والدعاء دون الصلاة ونحوها، والطواف بالبيت للوارد أفضل من الصلاة، والصلاة للمقيمين بمكة أفضل. وتارة باختلاف مرتبة جنس العبادة: فالجهاد للرجال أفضل من الحج، وأما النساء فجهادهن الحج، والمرأة المتزوجة طاعتها لزوجها أفضل من طاعتها لأبويها؛ بخلاف الأيمة فإنها مأمورة بطاعة أبويها. وتارة يختلف باختلاف حال قدرة العبد وعجزه: فما يقدر عليه من العبادات أفضل في حقه مما يعجز عنه وإن كان جنس المعجوز عنه أفضل، وهذا باب واسع يغلو فيه كثير من الناس ويتبعون أهواءهم. فإن من الناس من يرى أن العمل إذا كان أفضل في حقه لمناسبة له ولكونه أنفع لقلبه وأطوع لربه، يريد أن يجعله أفضل لجميع الناس ويأمرهم بمثل ذلك. والله بعث محمدا بالكتاب والحكمة وجعله رحمة للعباد وهديا لهم يأمر كل إنسان بما هو أصلح له، فعلى المسلم أن يكون ناصحا للمسلمين يقصد لكل إنسان ما هو أصلح له. وبهذا تبين لك أن من الناس من يكون تطوعه بالعلم أفضل له، ومنهم من يكون تطوعه بالجهاد أفضل، ومنهم من يكون تطوعه بالعبادات البدنية، كالصلاة والصيام، أفضل له، والأفضل المطلق ما كان أشبه بحال النبي، صلى الله عليه وسلم، باطنا وظاهرا*.

وقد نتلمس اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص في القرآن الكريم في اختلاف الجواب عن سؤال المسلمين ﴿مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾. ففي الجواب الأول كان ببيان أوجه الإنفاق المشروعة، وكان الجواب الثاني ببيان مقدار المال الذي يُنفق، وهذا الاختلاف قد يكون تفسيره أن غرض السائل الأول هو معرفة أوجه الإنفاق المقبولة، على حين أن غرض السائل الثاني معرفة مقدار ما ينفق، وهذا يكون بعد معرفة أوجه الإنفاق المشروعة، فكأن السائل الثاني يعرفها وعلى علم بها، لذا أراد زيادة على ما يعرفه، على حين أن السائل الأول يجهل ذلك ولا يعلمه، فناسبه معرفة أوجه الإنفاق الشرعية، حتى إذا عرفها بين له المقدار الذي يندب الشرع إلى إنفاقه.

وكذلك في السنة المشرفة تعددت الإجابات مع أن السؤال واحد، وهو عن أفضل العمل، فقد سئل عدة مرات عن: *أي الأعمال أفضل؟* فقال مرة: "الجهاد في سبيل الله...... ثم حج مبرور"، وأجاب مرة أخرى فقال: "الصلاة لوقتها....ثم بر الوالدين..... ثم الجهاد في سبيل الله".

كما أنه سئل عن أي الإسلام أفضل؟ أي خصال الإسلام أفضل؟ وفي رواية لمسلم: *أي المسلمين خير؟* فأجاب النبي مرة بقوله: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وأجاب أخرى فقال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".

قال العز بن عبد السلام: *وهذا جواب لسؤال السائل فيختص بما يليق بالسائل من الأعمال؛ لأنهم ما كانوا يسألون عن الأفضل إلا ليتقربوا به إلى ذي الجلال، فكأن السائل قال: أي الأعمال أفضل لي؟ فقال: "بر الوالدين" لمن له والدان يشتغل ببرهما، وقال لمن يقدر على الجهاد لما سأله عن أفضل الأعمال بالنسبة إليه: "الجهاد في سبيل الله"، وقال لمن يعجز عن الحج والجهاد: "الصلاة على وقتها"، ويجب التنزيل على مثل هذا لئلا يتناقض الكلام في التفضيل*.

وكذلك يمكن تلمّس التأصيل لاختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص في الأحاديث التي عدها بعض الفقهاء قضايا أعيان لا عموم لها. وإنما هي قاصرة على ما وردت عليه وفيما يماثلها.

ويمكن الاهتداء في هذا المقام بأقوال الصحابة الكرام، فمن ذلك قول عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، لما قيل له: إنك لتقلُّ الصيام! فقال: *إني أخاف أن يضعفنى عن القراءة (أي قراءة القرآن)، والقراءة أحب إلي من الصيام*.

قال ابن حجر عن الإكثار من الصيام: *هذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال: فمن يقتضى حاله الإكثار من الصوم أكثر منه، ومن يقتضى حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه، ومن يقتضى حاله المزج فعله حتى أن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك*.

وقد اهتم العلماء ببيان أهمية أن يلتفت المفتي إلى شخص المستفتي والأمارات والقرائن المحيطة؛ ليفتيه بما يناسبه ويلائمه ما دام المقام يقتضي ذلك شرعًا، وقد اهتم بذلك الشاطبي اهتمامًا كبيرًا في كتابه الموافقات، قال الشاطبي: *(ينبغي على المجتهد) النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه، بحسب وقت دون وقت، وحال دون حال، وشخص دون شخص؛ إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد، كما أنها في العلوم والصنائع كذلك، فرب عمل صالح يدخل بسببه على رجل ضرر أو فترة، ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخر، ورب عمل يكون حظ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عمل آخر، ويكون بريئًا من ذلك في بعض الأعمال دون بعض، فصاحب هذا التحقيق الخاص هو الذي رزق نورًا يعرف به النفوس ومراميها وتفاوت إدراكها، وقوة تحملها للتكاليف، وصبرها على حمل أعبائها أو ضعفها، ويعرف التفاتها إلى الحظوظ العاجلة أو عدم التفاتها، فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها، بناء على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف، فكأنه يخص عموم المكلفين والتكاليف بهذا التحقيق*.

وقول الشاطبي *في الأعمال الخاصة* يدل على أن مراعاة الأشخاص وأحوالهم في الفتوى ليس على إطلاقها بل فيما تحتمله شرعا، فهناك أمور تكون فيها الفتوى عامة لا تختلف باختلاف المتغيرات التي تختلف بسببها الفتوى، وهذا ما نبه عليه ابن القيم بقوله: *الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.

والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة*.

وعلى ذلك فالاختلاف في الفتوى باختلاف الأشخاص وغيره من أسباب الاختلاف في الأحكام التي يجوز فيها ذلك، إنما سببه تحقيق المصلحة سواء للشرع أو للمجتمع أو للمستفتي أو كل ذلك جميعًا، وهذا الاختلاف اختلاف تنوع يرجع كل اختلاف إلى أصل شرعي يختص به وينطبق حكمه عليه.

ولهذا حذر العلماء من الفتوى بالمنقول عن الفقهاء في الوقائع التي يتغير الحكم فيها لأسباب عدة، وبينوا أن هذا يلحق الضرر الكبير بالمستفتين، قال ابن القيم: *من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم، فقد ضلّ وأضلّ، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم*.

ويقول ابن عابدين: *إن جمود المفتي والقاضي على ظاهر المنقول مع ترك العرف والقرائن الواضحة والجهل بأحوال الناس، يلزم منه تضييع حقوق كثيرة وظلم خلق كثيرين*.

ويقول الدكتور فتحي الدريني: *ليس من المعقول ولا من المقبول شرعا أن يحكم في واقعة معينة بحكم واحد مهما اختلفت ظروفها وملابساتها، وذلك لأن لهذه الظروف تأثيرا في نتائج التطبيق، والواجب شرعا تطبيق الحكم المناسب لكل شخص على حدة في ضوء ظروفه الخاصة التي تنهض بدليل تكليفي معين يستدعي حكما خاصا في حقه، لأن تعميم الحكم التكليفي على جميع المكلفين يفترض التشابه في الظروف، وقد لا يوجد*.

المبحث الثاني: من أسباب اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص:

أولا: اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص في القدرات العلمية والإدراكية والاستيعابية:

ليس كل الناس على درجة واحدة من الفهم والإدراك والقدرة على التعلم والاستيعاب، فما يصلح لبعضهم قد لا يصلح للآخرين، وما يحسن تعليمه لبعضهم قد لا يحسن لغيرهم، وعلى ذلك تختلف الفتوى في بعض الأحيان، فقد تكون الفتوى لمن قوى إدراكه بخلاف من ليس كذلك، ويمكن الاستئناس في ذلك بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: *حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟*.

وقول ابن مسعود رضي الله عنه: *مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً*.

قال ابن حجر: *والمراد بقوله: (بما يعرفون): أي يفهمون... وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة... وممن كره التحديث ببعضٍ دون بعض أحمدُ في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين، وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة، وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين؛ لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوّي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره، مطلوب".

وعلى ذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أن بعض الفروض الكفائية تكون في حق من عنده القدرات والملكات والمواهب التي تمكنه من أن يقوم بها خير قيام، تجعل في حقه الفرض الكفائي فرض عينٍ، كطلب العلم مثلا، وفي ذلك يقول القرافي: *العلم وضبط الشريعة،وإن كان فرض كفاية، غير أنه يتعين له طائفة من الناس، وهي من جاد حفظهم ورقّ فهمهم وحسنت سيرتهم وطابت سريرتهم، فهؤلاء هم الذين يتعين عليهم الاشتغال بالعلم؛ فإن عديم الحفظ أو قليله أو سيئ الفهم لا يصلح لضبط الشريعة المحمدية، وكذلك من ساءت سيرته لا يحصل به الوثوق للعامة، فلا تحصل به مصلحة التقليد؛ فتضيع أحوال الناس.

وإذا كانت هذه الطائفة متعينة بهذه الصفات تعينت بصفاتها وصار طلب العلم عليها فرض عين. فلعلّ هذا هو معنى كلام سحنون وأبي الوليد، والجهاد يصلح له عموم الناس فأمره سهل، وليس الرمي بالحجر والضرب بالسيف كضبط العلوم، فكل بليد أو ذكي يصلح للأول، ولا يصلح للثاني إلا من تقدم ذكره. فافهم ذلك*.

وعلى ذلك فإن نبهاء الأمة وأذكياءها ينبغي أن يُوجهوا الوجهة الصحيحة التي تمكنهم من النهوض بالأمة في شتى المجالات المطلوبة للتقدم والإنجاز الحضاري، وعدم تضييعهم فيما وراء ذلك مما يستطيع غيرهم أن يقوم به خير قيام، لكن لا يستطيع أن بسد مسدهم ولا ينجز إنجازهم.

ثانيا: اختلاف الفتوى باختلاف القدرات البدنية والجسدية:

من المقرر أن الناس في تفاوت في قدراتهم البدنية والجسدية، وأن هذا التفاوت ينبغي أن يراعى في تكليفهم بما يناسبهم إذا كان هناك إباحة من الشرع بذلك، فإن تكليف الضعيف العاجز يختلف إجمالا عن تكليف القوي القادر، وأفضل العمل قد لا يكون أفضل لبعض الناس نظرا لاختلاف قدراتهم. ويمكن تلمس ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: "لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ" . وفي رواية قالت عائشة رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ" .

فكان الجهاد مع أنه من أفضل الأعمال، إلا أنه ليس كذلك في حق النساء، نظرا لأن الغالب عليهن الضعف وعدم إتقان ما يحتاجه الجهاد من مهارات واستعدادات وفنون قتال ومشقة وعناء.

ومن ذلك أيضا ما ورد من توجيه النبي، صلى الله عليه وسلم، رجلا يشتهي الجهاد ولكن لا يقدر عليه، إلى الجهاد في الإحسان إلى الوالدين وبرهما، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ وَلاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ: "فَهَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟" فَقَالَ: أُمِّي. قَالَ: "فَأَبْلِ اللَّهَ فِي بِرِّهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا رَضِيَتْ عَنْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَبِرَّهَا"

ومن هذا القبيل ما رود عن عَن الْحُسَيْن بن عَلّي قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِنِّي جبان، وَإِنِّي ضَعِيف. فَقَالَ: "هَلُمَّ إِلَى جِهَاد لَا شوك فِيهِ".

ولعل من هذا القبيل إباحته صلى الله عليه وسلم، الصيام لعمرو بن حمزة الأسلمي في السفر، فعن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ، أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: "صُمْ إِنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ".

وفي لفظ لمسلم أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ".

وفي رواية عند أبي داود: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى صَاحِبُ ظَهْرٍ أُعَالِجُهُ أُسَافِرُ عَلَيْهِ وَأَكْرِيهِ وَإِنَّهُ رُبَّمَا صادفني هَذَا الشَّهْرُ -يَعْنِى رَمَضَانَ- وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ وَأَنَا شَابٌّ وَأَجِدُ بِأَنْ أَصُومَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْوَنَ عَلَىَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَهُ فَيَكُونَ دَيْنًا، أَفَأَصُومُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْظَمُ لأَجْرِى أَوْ أُفْطِر؟ُ قَالَ: "أَىُّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ".

ولكنه لما رأى رجلا قد أتعبه الصوم في السفر قال: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِى السَّفَرِ".

قال النووي: *اختلف العلماء في صوم رمضان في السفر: فقال بعض أهل الظاهر لا يصح صوم رمضان في السفر فإن صامه لم ينعقد ويجب قضاؤه؛ لظاهر الآية ولحديث "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِى السَّفَرِ"، وفي الحديث الآخر "أُولَئِكَ الْعُصَاةُ".

وقال جماهير العلماء وجميع أهل الفتوى: يجوز صومه في السفر وينعقد ويجزيه. واختلفوا في أن الصوم أفضل أم الفطر أم هما سواء: فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والأكثرون: الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر فإن تضرر به فالفطر أفضل.

واحتجوا بصوم النبي وعبدالله بن رواحة* وغيرهما، وبغير ذلك من الأحاديث؛ ولأنه يحصل به براءة الذمة في الحال.

وقال سعيد بن المسيب والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم: الفطر أفضل مطلقًا. وحكاه بعض أصحابنا قولًا للشافعي وهو غريب. واحتجوا بما سبق لأهل الظاهر وبحديث حمزة بن عمرو الأسلمي المذكور في مسلم في آخر الباب وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ"، وظاهره ترجيح الفطر.

وأجاب الأكثرون بأن هذا كله فيمن يخاف ضررًا أو يجد مشقة كما هو صريح في الأحاديث واعتمدوا حديث أبي سعيد الخدري المذكور في الباب قال: *كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ*. وهذا صريح في ترجيح مذهب الأكثرين، وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة. وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء لتعادل الأحاديث. والصحيح قول الأكثرين*.

وقال ابن دقيق العيد عن حديث الذي أجهده الصوم في السفر: *أُخذَ من هذا أن كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذه الحالة، ممن يجهده الصوم ويشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات، ويكون قوله: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ» منزّلًا على مثل هذه الحالة".

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن النبي أجاز لحمزة بن عمرو الأسلمي سرد الصوم، على حين أنه منع عبدالله بن عمرو بن العاص من ذلك، وقال له: "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا"، وقال له: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ".

قال النووي: *وفي هذه الروايات المذكورة في الباب النهى عن صيام الدهر، واختلف العلماء فيه: فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام الدهر؛ نظرًا لظواهر هذه الأحاديث.

قال القاضي وغيره: وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهى عنها وهي العيدان والتشريق. ومذهب الشافعي وأصحابه أن سرد الصيام اذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه، بل هو مستحب بشرط ألا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقًا، فإن تضرر أو فوّت حقًّا فمكروه.

واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو وقد رواه البخاري ومسلم أنه قال: يا رسول الله اني أسرد الصوم أفأصوم في السفر فقال: إن شئت فصم. ولفظ رواية مسلم: فأقره على سرد الصيام، ولو كان مكروها لم يقره لا سيما في السفر.

وقد ثبت عن بن عمر بن الخطاب أنه كان يسرد الصيام وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق من السلف قد ذكرت منهم جماعة في شرح المهذب في باب صوم التطوع، وأجابوا عن حديث "لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ"، بأجوبة: أحدها: أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق. وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها.

والثاني: أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقًّا ويؤيده أن النهى كان خطابًا لعبدالله بن عمرو بن العاص، وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة.

قالوا: فنهى ابن عمرو كان لعلمه بأنه سيعجز وأقرّ حمزة بن عمرو؛ لعلمه بقدرته بلا ضرر.

والثالث: أنّ معنى «لاَ صَامَ» أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره فيكون خبرا لا دعاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ" فيه إشارة إلى ما قدمناه أنه علم من حال عبدالله بن عمرو أنه لا يستطيع الدوام عليه بخلاف حمزة بن عمرو، وأما نهيه عن صلاة الليل كلّه، فهو على إطلاقه وغير مختص به، بل قال أصحابنا: يكره صلاة كل الليل دائما لكل أحد.

وفرقوا بينه وبين صوم الدهر في حق من لا يتضرر به ولا يفوت حقا، بأن في صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق؛ لأنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام نومًا ينجبر به سهره فوت بعض الحقوق بخلاف من يصلى بعض الليل فإنه يستغنى بنوم باقيه وإن نام معه شيئا في النهار كان يسيرا لا يفوت به حقٌّ.

وكذا من قام ليلة كاملة كليلة العيد أو غيرها لا دائما لا كراهة فيه لعدم الضرر. والله أعلم. قوله في صوم يوم وفطر يوم "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ" اختلف العلماء فيه: فقال المتولي من أصحابنا وغيره من العلماء: هو أفضل من السرد؛ لظاهر هذا الحديث. وفي كلام غيره إشارة إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبدالله بن عمرو ومن في معناه وتقديره: لا أفضل من هذا في حقك. ويؤيد هذا أنه صلى الله عليه وسلم، لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد وأرشده إلى يوم ويوم، ولو كان أفضل في حق كل الناس لأرشده إليه وبينه له؛ فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة، لا يجوز".

ويبدو أن حمل النهي على من يشق عليه الفعل، والجواز لمن لا يشق عليه ولا يتضرر به ولا يفوت حقا، يبدو أن هذا مسلك سلكه بعض أهل العلم للجمع بين أحاديث النهي والجواز أو ما جاء به النهي وثبت عن بعض الصحابة فعله، يتضح هذا من كلام النووي السابق، ومن ذلك قول ابن حجر عن أحاديث النهي عن الوصال.

قال: *واستدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه، صلى الله عليه وسلم، وعلى أن غيره ممنوع منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر.

ثم اختلف في المنع المذكور: فقيل على سبيل التحريم. وقيل على سبيل الكراهة. وقيل: يحرم على من شق عليه ويباح لمن لم يشق عليه.

وقد اختلف السلف في ذلك: فنقل التفصيل عن عبدالله بن الزبير وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه أنه كان يواصل خمسة عشر يومًا.

وذهب إليه من الصحابة أيضا أخت أبي سعيد ومن التابعين عبدالرحمن بن أبي نعم وعامر بن عبدالله بن الزبير وإبراهيم بن زيد التيمي وأبو الجوزاء، كما نقله أبو نعيم في ترجمته في الحلية، وغيرهم رواه الطبري وغيره، ومن حجتهم ما سيأتي في الباب الذي بعده أنه واصل بأصحابه بعد النهى. فلو كان النهى للتحريم لما أقرهم على فعله. فعلم أنه أراد بالنهى الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما صرحت به عائشة في حديثها، وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم، ولم ينكر على من بلغه أنه فعله ممن لم يشق عليه، وسيأتي نظير ذلك في صيام الدهر، فمن لم يشق عليه ولم يقصد موافقة أهل الكتاب ولا رغب عن السنة في تعجيل الفطر، لم يمنع من الوصال. وذهب الأكثرون إلى تحريم الوصال".

كما أن هذا المسلك سلكه بعض العلماء للجمع بين الروايات المختلفة عن الصحابة والسلف في فعل واحد، فمن ذلك قول النووي عن الروايات المختلفة الواردة عن السلف في مقدار ما يختمون فيه القرآن: *والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة*.

ويقول كذلك في فصل قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب: *ولو قيل إنه يختلف باختلاف الأشخاص: فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر القلب ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف، لكان هذا قولًا حسنًا. والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل*.

ومن ذلك قول ابن القيم: *واختلفت عباراتُ السَلَف في حقِّ الجهاد: فقال ابن عباس: هو استفراغُ الطاقة فيه، وألا يَخافَ في اللهِ لومةَ لائم. وقال مقاتل: اعملوا للهِ حقَّ عمله، واعبدُوه حقَّ عِبادته.

وقال عبدالله بنُ المبارك: هو مجاهدةُ النفس والهوى... وحقّ تُقاته وحقّ جهاده: هو ما يُطيقه كلُّ عبد في نفسه، وذلك يختِلف باختلافِ أحوال المكلَّفين في القُدرةِ والعجزِ والعلمِ والجهلِ. فحقُّ التقوى وحقُّ الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكن العالِم شيء، وبالنسبة إلى العاجز الجاهل الضعيف شيء*.

ثالثا: اختلاف الفتوى باختلاف السن: كاختلاف الفتوى للشاب عن الفتوى للشيخ:

من ذلك إباحة النبي للشيخ المباشرة في الصوم ومنع الشاب من ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِىَّ، صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ. فَإِذَا الَّذِى رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَالَّذِى نَهَاهُ شَابٌّ*.

وقد ذُكرت العلة في إباحة ذلك للشيخ أنه يملك نفسه، فلا تأخذه القبلة إلى الوقوع في المنهي عنه بخلاف الشاب، فعَنْ عبدالله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: "لاَ". فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ: أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ عَلِمْتُ لِمَ نَظَرَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، إِنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ".

ومن هذا القبيل قول الشيخ ابن عثيمين عن الاكتحال للرجل الذي يقصد للجمال والزينة: *وأما الرجال فمحل نظر، وأنا أتوقف فيه، وقد يفرق فيه بين الشباب الذي يخشى من اكتحاله فتنة فيُمنع، وبين الكبير الذي لا يخشى ذلك من اكتحاله فلا يُمنع*.

رابعا: اختلاف الفتوى باختلاف كون المستفتي مقدما على الفعل أو قد وقع فيه:

قد تختلف الفتوى لشخص مقدم على فعل المحظور عن الفتوى لمن وقع في المحظور وارتكبه، وخاصة إذا كان هذا المحظور كبيرة من الكبائر، ففي الحالة الأولى قد يغلظ له المفتي العقاب حتى يردعه عن الفعل، على حين أنه في الحالة الأخرى قد يجد له مخرجًا حتى لا يقنطه، قال ابن نجيم: *للمفتي أن يغلظ للزجر متأولا، كما إذا سأله من له عبدٌ عن قتله وخشى أن يقتله جاز أن يقول إن قتلته قتلناك، متأولا لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ"، وهذا إذا لم يترتب على إطلاقه مفسدة، واختلاف المفتين كالمجتهدين*؛ وذلك لأن المفتي كالطبيب يعالج سائله بما يناسب حاله، *والطبيب الحاذق يقابل العلة بضدها لا بما يزيدها*.

*وقال الصيمري: إذا رأى المفتي المصلحة أن يفتي العامي بما فيه تغليظ وهو مما لا يعتقد ظاهره وله فيه تأويل، جاز ذلك زجرًا له، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن توبة القاتل؟ فقال: لا توبة له. وسأله آخر فقال: له توبة. ثم قال: أما الأول فرأيت في عينه إرادة القتل فمنعته.

وأما الثاني فجاء مستكينا قد قتل، فلم أقنطه. قال الصيمري: وكذا إن سأله رجل فقال إن قتلت عبدي هل علي قصاص؟ فواسع أن يقول: إن قتلت عبدك قتلناك، فقد روي عن النبي "مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ"، ولأن القتل له معان.

قال: ولو سئل عن سب الصحابي هل يوجب القتل؟ فواسع أن يقول روي عن رسول الله أنه قال "من سب أصحابي فاقتلوه"، فيفعل كل هذا؛ زجرا للعامة ومن قل دينه ومروءته*.

وكذلك قد تختلف الفتوى قبل الوقوع عنها بعد الوقوع فيما كان فيه خلاف قوي بين أهل العلم، ومثال لذلك ما قاله الشيخ ابن عثيمين عن عتق الرقبة غير المؤمنة في كفارة اليمين والظهار: *إذا جاء يسألنا في ابتداء الأمر فنقول له: أعتق رقبة مؤمنة فهو أحوط لك، واتَّقِ الشبهات. وأما رجل قد أعتق ورأى أنه قد أبرأ ذمته إما جهلًا، وإمَّا تقليدًا لقول بعض العلماء، فهذا لا نأمره بإعادة العتق؛ لأن أمرنا إياه بإعادة العتق مقتضاه القضاء عليه بالغرم، وهو أمرٌ غير متيقن، فنكون ارتكبنا مفسدة التغريم بدون دليل بيِّن، وحينئذٍ يكون الحكم عليه بإبراء ذمته هو الاحتياط، ولهذا كثير من العلماء في مثل هذه الأمور المشتبهة التي تعارضت فيها الأدلة، أو تكافأت فيها أقوال العلماء إذا لم يكن هناك دليل، يفرقون بين الشيء إذا وقع، وبين الشيء قبل وقوعه، فيقولون: قبل الوقوع نأخذ بالأحوط، وبعد الوقوع نأخذ بالأحوط أيضًا، وهو عدم إفساد العبادة، أو عدم التغريم، أو ما أشبه ذلك*.

خامسا: اختلاف الفتوى باختلاف النفوس شجاعة وإحجاما:

الناس ليسوا على وازن واحد في الشجاعة، فمنهم البالغ الشجاعة ومنهم الوسط، ومنهم المحجم الذي لا يطيق تبعات الشجاعة ومقتضياتها، ومن ثم قد تختلف الفتوى بحسب شجاعة الشخص أو درجتها عنده، مع العلم أن الشجاعة في مكانها حكمة، وفي غير موضعها تهور وإهلاك، كما أن الإحجام في موضعه يكون مطلوبا ومرغّبا فيه وإلا فهو مذموم.

ويمكن تلمس هذا الاختلاف في الفتوى في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم، أبا ذر على جهره بالحق وسط مكة وقت اشتدادها في حربها على الإسلام والمسلمين، وأمره عمرو بن عبسة بالرجوع إلى قومه حتى يأذن له الله بالنصر، مع أن الحال لم تختلف.

ذلك أنه لما أسلم أبو ذر قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا ذَرٍّ اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ". فَقُلْتُ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّى أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ. فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ فأدركني الْعَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَىَّ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ رَجُلًا مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ. فَأَقْلَعُوا عَنِّى، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ، فَقَالُوا قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ. فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ وأدركني الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَىَّ، وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ*.

قال ابن حجر: *قوله (لأصرخن بها): أي بكلمة التوحيد، والمراد أنه يرفع صوته جهارا بين المشركين، وكأنه فهم أن أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، له بالكتمان، ليس على الإيجاب بل على سبيل الشفقة عليه، فأعلمه أن به قوة على ذلك؛ ولهذا أقره النبي، صلى الله عليه وسلم، على ذلك. ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من يخشى منه الأذية لمن قاله وإن كان السكوت جائزا. والتحقيق أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والمقاصد، وبحسب ذلك يترتب وجود الأجر وعدمه*.

وعندما أسلم عمرو بن عبسة رضي الله عنه وصف حال الدعوة فقال: *فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ". وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إِنِّي مُتَّبِعُكَ. قَالَ: "إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ، وَلَكِنْ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي، قَالَ فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي... " الحديث.

قال النووي: *معناه: قلت له إني متبعك على إظهار الاسلام هنا وإقامتي معك. فقال: لا تستطيع ذلك؛ لضعف شوكة المسلمين ونخاف عليك من أذى كفار قريش، ولكن قد حصل أجرك، فابق على إسلامك وارجع إلى قومك واستمر على الإسلام في موضعك حتى تعلمني ظهرت، فأتني*.

فكان مناسبا هنا الأمر لعمرو بن عبسة بعدم الإقامة في مكة خوفًا من أن يفتن في دينه، فيحدث ما لا يحمد عقباه، فكان الإحجام له خيرا.

وما سبق بعضُ الأسباب لاختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص، والمقام مقام اختصار، وهناك من الأسباب الأخرى التي تجعل الفتوى تختلف باختلاف الأشخاص لعلي أن أعود إليها مرة أخرى في بحث مطول، وفيما ذكرته هنا أظنه كافيا لإلقاء الضوء على هذا الموضوع المهم الذي أسأل الله أن أكون قد عالجته بما يستحق من أهمية وعناية.

الخاتمة والتوصيات:

وفي ختام هذا البحث أعرض للنتائج التالية:

1-الفتوى لها أهميتها وخطورتها في آن واحد: أهميتها في دلالتها على الحق وخطورتها في أثرها البالغ على المستفتي والمفتي بل على الدين كله، وخاصة إذا تصدي لها من ليس من أهلها.

2-الفتوى تختلف باختلاف الأعراف والأحوال والأشخاص والأزمان، وقد اهتم العلماء ببيان ذلك، ولكن اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص يحتاج إلى مزيد بيان، ولعل هذا البحث قام بجزء من ذلك.

3-الأشخاص لهم استعدادات مختلفة وقدرات متباينة وميول شتى، لذلك فما قد يكون صالحا لبعضهم قد لا يكون صالحا للبعض الآخر، هذا في مجال فروض الكفاية والمستحبات والتطوع والمندوبات، هذا في الغالب المجمل، أما فروض الأعيان فيتساوى أمامها جميع المكلفين في الجملة.

4-اختلاف الفتوى باختلاف الأشخاص له أسباب متنوعة ذكرت بعضها وبعضها لم أذكره اختصارًا ومراعاة لحجم البحث المطلوب تقديمه في هذه الندوة العلمية.

أما عن التوصيات فالباحث يوصي بما يلي:

1- توجيه مزيد عناية الدارسين إلى إنجاز دراسات تتعلق بموضوع البحث، منها: هل الأصل في الفتوى أنها عامة أو خاصة؟ ومنها كذلك علاقة اختلاف الفتوى بقضايا الأعيان. وهل يمكن رد قسم لا بأس منه في الاختلاف في الفروع الفقهية إلى اختلاف أحوال المكلفين وأشخاصهم؟

وأختم هذا البحث بقول شيخ الإسلام ابن تيمية: *والأحكام تختلف باختلاف حال القدرة والعجز والعلم وعدمه، كما تختلف باختلاف الغنى والفقر والصحة والمرض، والمؤمن مطيع لله في ذلك كله، وهو مطيع لرسول الله في ذلك كله*.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المراجع والمصادر:

القرآن الكريم.

  1. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام: ابن دقيق العيد: محمد بن علي بن وهب (702ه)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1426ه=2005م.
  2. آداب الفتوى والمفتي والمستفتي: النووي: يحيى بن شرف (676ه)، تحقيق بسام عبد الوهاب الجابي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1408ه.
  3. إعلام الموقعين عن رب العالمين: ابن القيم: محمد بن أبي بكر (751ه)، دار الجيل، بيروت، 1973ه.
  4. إغاثة اللفهان من مصائد الشطان: ابن القيم: محمد بن أبي بكر (751ه)، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1395ه=1975م.
  5. البحر الرائق شرح كنز الدقائق: ابن نجيم: زين الدين بن إبراهيم (970ه)، دار المعرفة، بيروت.
  6. بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله: د.محمد فتحي الدريني، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414ه= 1994م.
  7. تاج العروس من جواهر القاموس: الزبيدي: محمد بن محمد، الملقب بمرتضى (1205ه)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، دون بيانات أخرى.
  8. التبيان في آداب حملة القرآن: النووي: يحيى بن شرف (676ه)، تحقيق: محمد الحجار، دار ابن حزم، بيروت، ط3، 1414ه=1994م.
  9. التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور (1393ه): مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1420ه=2000م.
  10. 10.تصنيف أنواع النصيحة حسب الناصح والمنصوح والطريقة والموضوع: إعداد: عطية مختار عطية حسين، بحث محكم ومنشور في سجل مؤتمر النصيحة: المنطلقات الأبعاد، الذي أقامته كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، في الفترة 27-28/1/1434ه=11-12/12/2012م.
  11. 11.تعليق الشيخ محمد الخضر حسين على الموافقات مطبوع مع الموافقات بتحقيق الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان
  12. 12.حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع: حسن بن محمد بن محمود العطار (1250ه)، دار الكتب العلمية، بيروت.
  13. 13.الذخيرة: القرافي: أحمد بن إدريس (684ه)، تحقيق: د. محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1994م.
  14. 14.زاد المعاد في هدي خير العباد: ابن القيم: محمد بن أبي بكر (751ه)، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط27، 1415ه=1994م.
  15. 15. سلسلة الأحاديث الضعيفة: الألباني، دار المعارف، الرياض، ط1، 1412ه=1992م.
  16. 16.سلسلة الصحيحة الصحيحة: الألباني: محمد ناصر الدين (1420ه)، المكتب الإسلامي، بيروت، 1393ه=1972م، وما بعدها.
  17. 17.سنن ابن ماجه: محمد بن يزيد بن ماجه (273ه)، تحقيق: د.بشار عواد معروف، دار الجيل، بيروت، ط1، 1418ه=1998م.
  18. 18.سنن أبي داود: سليمان بن أشعث السجستاني (275ه)، تحقيق: عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، دار الحديث، حمص، ط1، 1393ه=1973م
  19. 19.شرح الزرقاني على الموطأ: الزرقاني: محمد بن عبد الباقي (1122ه)، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 1424ه=2003م.
  20. 20.الشرح الممتع على زاد المستقنع: محمد بن صالح العثيمين (1421ه)، دار ابن الجوزي، الدمام، السعودية، ط1، 1422ه-1428ه.
  21. 21.شرح صحيح مسلم: النووي: يحيى بن شرف (676ه)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1392ه.
  22. 22.صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري (256ه)، المطبعة السلفية، ط2، وهو مطبوع مع شرحه فتح الباري لابن حجر.
  23. 23.صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج (261ه)، بعناية محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، بدون بيانات أخرى.
  24. 24.صناعة الفتوى وفقه الأقليات: الشيخ عبدالله بن بيه، دار المنهاج، جدة، ط1، 1428ه =2007م.
  25. 25.طريق الهجرتين وباب السعادتين: ابن القيم: محمد بن أبي بكر (751ه)، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم، الدمام، السعودية، ط2، 1414ه=1994م.
  26. 26.العدة في أصول الفقه: ابو يعلى: محمد بن الحسين بن محمد (458ه)، تحقيق: د. أحمد بن علي بن سير المباركي، ط2، 1410ه=1990م.
  27. 27.فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ابن حجر: أحمد بن علي (852ه)، المطبعة السلفية، مصر، ط1، 1380ه، ط2، 1400ه.
  28. 28.الفروق: القرافي: أحمد بن إدريس (684ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1418ه=1998م.
  29. 29.فيض القدير شرح الجامع الصغير: محمد عبد الرءوف المناوي (1031ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415ه=1994م.
  30. 30.القاموس المحيط: الفيروزآبادي: محمد بن يعقوب (817ه)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1426ه=2005م.
  31. 31.قواعد الأحكام في مصالح الأنام: العز: عبدالعزيز بن عبد السلام (660ه)، تحقيق: محمود بن التلاميد الشنقيطي، دار المعارف، بيروت، بدون بيانات أخرى.
  32. 32.مجموع الفتاوى: ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم (728ه)، جمع وترتيب: عبدالرحمن بن محمد النجدي وابنه محمد، تصوير الطبعة الأولى، 1398ه.
  33. 33.مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1421ه)، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، دار الوطن، دار الثريا، الرياض، الطبعة الأخيرة، 1413ه.
  34. 34. المدخل الفقهي العام: مصطفى أحمد الزرقا، دار الفكر، مصورة عن الطبعة العاشرة، 1387ه=1968م.
  35. 35.المسند: أحمد بن حنبل (241ه)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1389ه=1969م، وطبعة الرسالة المخرجة: تحقيق وتخريج: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، ط1، 1413ه=1993م.
  36. 36.المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: الفيومي: أحمد بن محمد بن علي (نحو 770ه)، المكتبة العلمية، بيروت، بدون بيانات أخرى.
  37. 37.المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة، استانبول، تركيا، بدون بيانات أخرى.
  38. 38.المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني: الحسن بن محمد بن المفضل (502ه)، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار العلم، والدار الشامية، دمشق، بيروت، ط1412ه.
  39. 39.منهاج السنة النبوية: ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم (728ه)، تحقيق د. محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، ط1.
  40. 40.الموافقات في أصول الشريعة: الشاطبي: إبراهيم بن موسى (790ه)، تحقيق: مشهور حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط1، 1417ه= 1997م.
  41. 41.نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف: محمد أمين الشهير بابن عابدين (1252ه)، ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين، ط2000م.

مقالات ذات صلة


أضف تعليق