الظاهرة التكفيرية في العصر الحديث

76
2 دقائق
12 جمادى الأول 1447 (03-11-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

تُعدّ ظاهرة التكفير من أخطر الظواهر الفكرية التي عصفت بالعالم الإسلامي في العصر الحديث، إذ تمثل انحرافًا في الفهم الشرعي، وسوء استخدام للنصوص القرآنية والحديثية، مع انعكاسات سلبية على وحدة الأمة واستقرارها. التكفير ليس مجرد حكم ديني، بل هو أداة فكرية استُغلت سياسيًا واجتماعيًا لتبرير العنف واستحلال الدماء.

أولًا: الجذور الشرعية لظاهرة التكفير.

1. مفهوم التكفير في الإسلام:

الأصل أن المسلم لا يُخرج من دائرة الإسلام إلا بيقين ثابت، لقول النبي : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"(رواه البخاري ومسلم).

القرآن الكريم أكد على أن الحكم بالكفر شأن خطير، قال تعالى:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا} (النساء: 94).

2. ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة:

لا يكفر المسلم إلا بارتكاب ناقض صريح من نواقض الإيمان، بعد قيام الحجة وزوال الشبهة.

الإمام النووي وابن تيمية وابن عبد البر وغيرهم قرروا أن الأصل هو بقاء المسلم على الإسلام، ولا يُحكم بكفره إلا بدليل قطعي.

ثانيًا: الأبعاد الفكرية للظاهرة التكفيرية الحديثة:

1. القراءة الانتقائية للنصوص.

الجماعات التكفيرية تعتمد على اجتزاء النصوص الشرعية، مثل آيات الجهاد أو الولاء والبراء، دون النظر إلى مقاصد الشريعة أو السياقات.

2. تسييس العقيدة.

تحولت عقيدة الولاء والبراء إلى معيار سياسي لإقصاء المخالفين، واعتبار مخالفة الجماعة خروجًا عن الدين.

3.التأثر بالفكر الخارجي القديم

الفكر التكفيري الحديث هو امتداد تاريخي لفكر الخوارج الذين كفّروا عليًا رضي الله عنه ومن معه بغير حق.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: *إن الخوارج أول من كفّر المسلمين بالذنوب، بل بما يرونه هم من الذنوب*.

ثالثًا: الأبعاد الشرعية والفكرية لخطورة الظاهرة:

1. استحلال الدماء والأموال.

الجماعات التكفيرية استندت إلى التكفير لتبرير العمليات الإرهابية وقتل الأبرياء.

هذا مخالف لنصوص قطعية مثل قوله تعالى:{ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا} (النساء: 93).

2. تفكيك وحدة الأمة.

بث روح العداوة بين المسلمين، مما يخدم أعداء الأمة.

النبي قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" (رواه مسلم).

3.تشويه صورة الإسلام عالميًا.

ربط الإسلام بالعنف والإرهاب في الإعلام الغربي نتيجة ممارسات التيارات التكفيرية.

رابعًا: مواجهة الظاهرة: رؤية شرعية وفكرية.

1. التحصين العلمي.

نشر العلم الشرعي الوسطي وفق منهج أهل السنة والجماعة، مع التركيز على مقاصد الشريعة.

2. تفعيل دور العلماء والمؤسسات

إصدار فتاوى جماعية واضحة تبيّن خطورة التكفير وضوابطه.

3. البعد الفكري والتربوي.

معالجة جذور الفكر التكفيري عبر برامج تعليمية وإعلامية، وليس فقط بالمواجهة الأمنية.

4. إحياء فقه الاختلاف.

التأكيد على أن الخلاف الفقهي لا يُخرج من الملة، بل هو رحمة وسعة.

الظاهرة التكفيرية في العصر الحديث ليست إلا إعادة إنتاج لفكر الخوارج، مغلّفة بغطاء ديني مزيف.

الشرع الحنيف وضع ضوابط صارمة للتكفير، وحذّر من التسرع فيه.

المطلوب اليوم مواجهة هذه الظاهرة على مستويين: *شرعيًا* بالرجوع إلى النصوص الصحيحة وفهم السلف الصالح، و*فكريًا* عبر تعزيز الوسطية وتجديد الخطاب الديني بما يحقق المقاصد الكبرى للشريعة: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق