بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الشيخوخة والماضي في قصيدة العشماوي - محمد عرابي
اهتم ديننا بكبار السن، وأمرنا بتوقيرهم واحترامهم، ومراعاة أحوالهم النفسية، وقد اهتم الكُتاب والشعراء بهذه القضية، وقد صدر مؤخرا كتاب الشيخوخة في الشعر العربي للكاتب والأديب سعد الغريبي (سنعرض له قريبا – إن شاء الله)، وفي لفتة طريفة من الشاعر القدير الدكتور /عبدالرحمن العشماوي بين الطرق التربوية والأخلاقية في التعامل مع الكبار، ففي المجالس يجب عدم الانشغال عنهم، وإعطاؤهم الفرصة للحديث للنهل من حكمة تجارهم وأحوالهم، وذكريات الماضي، وهو ما فعله شاعرنا حيث يقول ما ينتاب الكبار من أحوال نفسية:
*بعد أن رأيته منحني الظهر واهن الجسد وقد جاوز التسعين*
كان الناس في المجلس مشغولين عنه بأحاديث لا تمُتّ إلى زمانه بصلة وهو صامت يقلب ناظريه في الحاضرين، فاستوقفتهم ووجهت إليه السؤال عن ذكريات الماضي وتجاربه فملأ المجلس حكمةً وأخبارًا عجيبة مثيرة.
قلت مصورًا حالته وحالة من هم على شاكلته:
تقاربت خطواتي وانتهى أمَدي
وصرت مُغتربَ الإحساس في بلدي
كأنما بُتِر الماضي الذي انصرمت
أعوامه عن رؤى يومي ووجه غدي
تمضي الحياة أمامي وهي غافلة
عني، فلم تلتفت نحوي ولم تَعُدِ
أبث فكري فلا بنتي تشاركني
فكري، ويأنف مما أبتغي ولدي
قد كنت يومًا فتىً يلوي عمامته
على البطولة، أبني منزلي بيدي
ما كان يحملني العكّاز، كنت على
ساق العزيمة أمشي مَشْيَ مُتّئدِ
ماكنت أشكو انحناء الظهر في زمن
مضى، ولامقلتي تشكو من الرّمدِ
جبال قريتنا الشماء تعرفني
فكم رأتني أغذّ السير في ُصعُدِ
وكم غدوت إلى البستان في غَلَسٍ
ومجلسُ الفجر لما بَعْدُ يَنعقدِ
واليوم، شيخوختي الرعناء تعزلني
عما أريد، ورأيي ظاهرُ الفَنَدِ
أشاهد الركض من حولي فيُحزنني
ضعفي، وقد كنتُ ذا عزم وذا جَلد
كم مجلس خِلْتُ أني فيه مُتّحِدٌ
عن أهله، آه من أحزان متحد
تحدثوا عن أمور لست أعرفها
واستبشروا وأنا أشكو من الكمد
أغفو وأصحو وضعفي لايفارقني
وليس لي غيرُ ربّ الكونِ من سَندِ
تطول ساعات أيامي فترهقني
كأنها رُمّةٌ مفتولة العُقَدِ
جيشٌ من السأم القاسي تلاحقني
جنوده وأنا في حاجةِ المددِ
ياأرذلَ العمر كم أتعبتَ راحلتي
فاستسلمتْ بعد طول الركض للوتدِ
وفي القصيدة رصد للواقع، وما ينتاب الكبار من مظاهر الشيخوخة، بعدها كانوا أشداء أقوياء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
-المراجع: مراكب ذكرياتي