حلقة 481: العذر بالجهل - السلف الصالح تكلموا في مسألة العذر بالجهل - كيفية التصرف في الأرباح الربوية - صفة المداينة على الوجه الشرعي - حكم رد السلام للمرأة إذا سلم عليها رجل لا تعرفه - كيف يبدأ الإنسان الدعاء؟

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

31 / 50 محاضرة

حلقة 481: العذر بالجهل - السلف الصالح تكلموا في مسألة العذر بالجهل - كيفية التصرف في الأرباح الربوية - صفة المداينة على الوجه الشرعي - حكم رد السلام للمرأة إذا سلم عليها رجل لا تعرفه - كيف يبدأ الإنسان الدعاء؟

1- قضية قرأتها في كتاب أثرت في نفسي كثيراً ولم أقتنع بما قرأت، وهي قضية العذر بالجهل، من هم الذين يُعذرون بجهلهم؟ وهل يُعذر الإنسان بجهله في الأمور الفقهية أم في أمور العقيدة والتوحيد؟ ولو أن المرء الذي أقر بالشهادة قام بأمور تنافي هذه الشهادة من زيارة لقبور الصالحين والذبح لغير الله، وسب الدين.. إلى آخره، كما يحدث عندنا، وعلماء تلك المناطق لا ينكرون هذا البلاء، وهم صامتون على ما يرون، نرجو من سماحتكم أن تتفضلوا بالتوضيح حول هذه المسألة، وكيف ينكر على هؤلاء الناس الذين يعيشون في ديار الإسلام؟ واسم الكتاب عندي وسأوضحه لكم إذا طلبتم، جزاكم الله خيراً.   

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن دعوى الجهل والعذر بالجهل فيه تفصيل، وليس كل أحد يعذر بالجهل، فالأمور التي جاء بها الإسلام وبينها الرسول للناس وأوضحها كتاب الله وانتشرت بين المسلمين فإن دعوى الجهل لا تقبل، ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة وأصل الدين، فإن الله -عز وجل- بعث نبيه - صلى الله عليه وسلم- ليوضح للناس دينهم وليشرح لهم دينهم، وقد بلغ البلاغ المبين، وأوضح للأمة حقيقة دينها، وشرح لها كل شيء، وتركها على البيضاء ليلها كنهارها، وفي كتاب الله الهدى والنور، فإذا ادعى بعض الناس الجهل بما هو معلوم من الدين بالضرورة قد انتشر بين المسلمين كدعوى الجهل بالشرك وعبادة غير الله -عز وجل-، أو دعوى أن الصلاة غير واجبة أو أن صيام رمضان غير واجب أو الزكاة غير واجبة أو الحج مع الاستطاعة غير واجب هذا كله لا يقبل؛ لأن هذا أمر معلوم بين المسلمين قد علم بالضرورة من دين الإسلام وقد انتشر بين المسلمين فلا تقبل الدعوى في ذلك، وهكذا إذا ادعى أنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور أو عند الأصنام من دعوة الأموات والاستغاثة بالأموات والذبح لهم والنذر لهم، أو الذبح للأصنام، أو للكواكب أو للأشجار والأحجار، والاستغاثة بهم وطلب الشفاء أو النصر على الأعداء من الأموات أو الأصنام أو الجن أو الملائكة أو الأنبياء، فكل هذا معلوم من الدين بالضرورة وأنه شرك أكبر، قد أوضح الله في كتابه كل ذلك وأوضحه رسوله - صلى الله عليه وسلم –وبقي ثلاث عشرة سنة في مكة وهو ينذر الناس هذا الشرك، وهكذا في المدينة عشر سنين، ويوضح لهم وجوب إخلاص العبادة لله وحده، ويتلو عليهم كتاب الله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ..(الإسراء: من الآية23) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة:5) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ.. (البينة:5) فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ(الزمر: من الآية2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ..(الزمر: من الآية3) ..فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً(الجـن: من الآية18). ويقول سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (الأنعام:162-163) ويقول سبحانه يخاطب نبيه -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ*فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (الكوثر:1-2) ويقول -عز وجل-: فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً (الجـن: من الآية18) ويقول سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (المؤمنون:117)، وهكذا الاستهزاء بالدين والطعن في الدين والسخرية والسب كل هذا من الكفر الأكبر، ومما لا يعذر فيه من تعاطاه؛ لأنه معلوم من الدين بالضرورة أن سب الدين أو سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الكفر الأكبر وهكذا الاستهزاء والسخرية قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ..(التوبة: 65-66). فالواجب على أهل العلم في أي مكان أن ينشروا هذا بين الناس وأن يظهروه حتى لا يبقى للعامة عذر وحتى ينتشر بينهم هذا الأمر العظيم، وحتى يدَعوا التعلق بالأموات والاستغاثة بالأموات، في أي مكان: في مصر أو الشام أو العراق أو المدينة عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في مكة أو في غير ذلك حتى ينتبه الحجيج وينتبه الناس ويعْلَموا شرع الله ودينه، فسكوت العلماء من أسباب هلاك العامة وجهلهم، فيجب على أهل العلم أينما كانوا في أي مكان أن يبلغوا الناس دين الله وأن يعلموهم توحيد الله وأنواع الشرك بالله حتى يدَعوا الشرك على بصيرة، وحتى يعبدوا الله وحده على بصيرة. وهكذا ما يقع عند قبر البدوي أو الحسين -رضي الله عنه- أو عند قبر الشيخ عبدالقادر الجيلاني، أو عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – في المدينة أو عند غيرهم، يجب التنبيه على هذا الأمر وأن يعلم الناس أن العبادة حق الله وحده ليس لأحد فيها حق، كما قال -عز وجل-: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّيْنَ..(البينة: من الآية5) وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ*أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ..(الزمر 2-3)، وَقَضَى رَبُّكَ -يعني أمر ربك- أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (الإسراء:23). فالواجب على أهل العلم في جميع البلاد الإسلامية وفي كل مكان وفي الأقليات الإسلامية وفي كل مكان أن يُعلِّموا الناس توحيد الله وأن يبصروهم بمعنى عبادة الله وأن يحذروهم من الشرك بالله -عز وجل- الذي هو أعظم الذنوب، وقد خلق الله الثقلين ليعبدوه وأمرهم بذلك، يقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56) وعبادته بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإخلاص العبادة له، وتوجيه القلوب إليه، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:21). أما المسائل التي قد تخفى في مسائل المعاملات في بعض شئون الصلاة في بعض شئون الصيام فقد يعذر فيها الجاهل في بعض المسائل؛ كما عَذر النبي - صلى الله عليه وسلم – الذي أحرم في جبه وتلطخ بالطيب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: (اخلع عنك الجبة واغسل عنك هذا الخلوط واصنع بعمرتك ما أنت صانع بحجك)، ولم يأمره بالفدية لجهلة، كونه أحرم بالجبة وكونه تلطخ بالطيب لم يأمره بالفدية لجهله، هكذا بعض المسائل التي قد تخفى يُعلَّم فيها الجاهل يُبصَّر فيها الجاهل، أما الأمور الأصولية، أصول العقيدة، أركان الإسلام، المحرمات الظاهرة فلا يقبل من أحد عذر في ذلك، فلو قال أحد: أني ما أعرف أن الزنا حرام وهو بين المسلمين ما يعذر، يقام عليه حد الزنا، أو قال: ما أعرف أن الخمر حرام وهو بين المسلمين لا يعذر، أو قال: ما أعرف أن عقوق الوالدين حرام ما يعذر، يضرب يؤدب، أو قال: ما أعرف أن اللواط وهو إتيان الذكور حرام، لا يعذر؛ لأن هذه أمور ظاهرة معروفة عند المسلمين معروفة في الإسلام، لكن لو كان في شواطئ أمريكا وبعض البلاد البعيدة عن الإسلام أو في مجاهل أفريقيا التي ليس حولها مسلمون، قد يقبل منه دعوى الجهل في هذه البلاد البعيدة عن الإسلام، إذا مات على ذلك يكون أمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترة, والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة ويؤمرون فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار، أما الذي بين المسلمين ويتعاطى أنواع الكفر بالله ويترك الواجبات المعلومة فهذا لا يعذر؛ لأن الأمر واضح، والمسلمون -بحمد الله- موجودون يعملون بهذه الأعمال يصلون يصومون يحجون، كل هذا معلوم، يعرفون أن الزنا حرام، وأن الخمر حرام، وأن العقوق حرام، معروف بين المسلمين، و... بين المسلمين، فدعوى الجهل دعوى باطلة، والله المستعان.  
 
2- هل تطرق سلفنا الصالح إلى بحث هذه القضية، قضية العذر بالجهل؟
نعم تطرق إليها العلماء وبينوا أن الجهل إنما يقبل فيما يمكن الجهل فيه، وأما الأشياء التي لا يمكن الجهل فيها لظهورها وانتشارها بين المسلمين فإنه لا تقبل فيها دعوى الجهل، لكن تقبل ممن مثله يجهل لكونه نشأ بين غير المسلمين، ونشأ في بلاد بعيدة عن المسلمين، فهذا يبين له ولا يقام عليه حد حتى يبين له، فلا يقتل إذا ترك الصلاة حتى يبين له ولا يكفر حتى يبين له، وهكذا لو زنا وهو ما يعرف الزنا ولا يعرف أحكام الإسلام في بلاد بعيدة عن الإسلام يبين له حتى يعرف حكم الله.  
 
3- إذا وضع إنسان مالاً له في أحد الجهات الاعتبارية واتضح له أن تلك الجهة تتعامل بالربا، فهل يحق له أخذ الأرباح التي حصل عليها نتيجة وضعه لماله هناك؟
أما إن وضعها وهو يعلم أنهم يعطون الربا، وأنهم يعاملون بالربا فلا يأخذه؛ لأنه متواطئ عليه، فالشرط المتواطئ عليه كالشرط المشروط سواء، والربا من أقبح السيئات ومن أقبح الكبائر، وليس له إلا رأس ماله، لكن لو وضعها في بنك وهو لا يعرف هذه الأمور ولا يعرف أنهم يعطون الربا فأعطوه شيئاً من غير شرط بينه وبينهم لا تواطؤ ولا تلفُّظ، لم يتلفظ ولم يتواطأ ولم يعرف حالهم في هذا فإنه يأخذه ويصرفه في المصالح، كإعطاء الفقراء والمساكين، ومساعدة المحتاج للزواج، وقضاء دين المدينين الذين يحتاجون إلى ذلك ونحو ذلك، هذا أورع وأحوط له وبُعداً عن الشبهة، وإلا فالإنسان لو أقرض إنساناً مالاً وأعطاه شيئاً عند الوفاء من غير شرط فلا بأس، (إن خيار الناس أحسنهم قضاء) كما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-. فلو أن إنساناً أقرض أخاً له مائة ريال أو ألف ريال من دون شرط زيادة ولا مواطأة على زيادة فلما ردها عليه ردها عليه مع زيادة جزاء له على إحسانه أو أعطاه معها هدية غير المائة من دون شرط ولا تواطؤ لا بأس بذلك (إن خيار الناس أحسنهم قضاء)، وإنما المحرم أن يتواطأ معه على ذلك أو يشرط عليه ذلك، فيقول: نعم أنا أعطيك مائة بمائة وخمسة، أو بمائة وعشرة، ولو كان غير بنك ولو كان إنساناً عادياً يكون رباً، وهكذا مع البنوك إذا دفع لهم الأموال باسم الودائع وهم يؤدون له هذا الربا بالتواطؤ أو بالشرط فهذا هو الربا الصريح عند جميع أهل العلم، نسأل الله السلامة.  
 
4- ما هي صفة المداينة السليمة التي هي على الوجه الشرعي السليم؟ أرجو شرح ذلك بالتفصيل.
المداينة السليمة هي أن الإنسان يشتري الحاجة إلى أجل معلوم، يكون محتاجاً مثلاً إلى طعام فيشتري الطعام من التاجر إلى أجل معلوم، ما عنده فلوس إلى أجل معلوم، محتاج إلى ملابس يشتريها إلى أجل معلوم، محتاج إلى إدام يشتريه له إلى أجل معلوم، محتاج إلى الزواج فيقترض من أخيه إلى أجل معلوم أو مطلقاً، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) (البقرة: من الآية282) وقال الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة: من الآية275)، فإذا استدان منه إلى أجل معلوم أو اشترى منه إلى أجل معلوم فلا حرج في ذلك إذا كان المبيع ليس من أموال الربا، أما إذا كان من أموال الربا فلا بد أن يكون الثمن ليس من أموال الربا حتى لا يقع الحرام، فإذا اشترى بُراً أو أرزاً أو غنماً أو إبلاً أو بقراً إلى أجل معلوم فلا بأس به، يعني بالنقود إلى أجل معلوم فلا بأس، لكن لو اشترى البر ببر إلى أجل معلوم أو بشعير إلى أجل معلوم فلا؛ لأن هذه أموال ربا، أو اشترى دولاراً بريال سعودي أو بدينار أردني أو عراقي أو بجنيه إسترليني إلى أجل فإنه لا يجوز، فلا بد من التقابض في المجلس؛ لأن هذه أموال ربوية نقود لا بد فيها من التقابض في المجلس، فإذا كان من جنس واحد فلا بد فيها من التماثل مع القبض أيضاً، إذا كان من جنس واحد فلا بد من أمرين: التقابض والتماثل، فإن كانت من جنسين كالذهب والفضة والدولار والجنية الإسترليني ونحو ذلك فلا بد من التقابض؛ لأنهما ربويان كبيع البر بالشعير لا بد من التقابض لأنهما ربويان، لكن لو باع أرضاً بأي عملة وبأي ثمن إلى أجل معلوم فلا بأس؛ لأن الأرض غير ربوية، أو باع إبلاً أو غنماً إلى أجل معلوم بأي عملة فلا بأس، ولو كان الثمن المؤجل أكثر من الثمن الحال، لو باعها بسعر النقد كان ثمنها أقل فلا بأس أن يبيعها إلى أجل ولو بثمن أكثر ولا يكن هذا رباً عند جمهور أهل العلم، بل بعضهم حكاه إجماعاً؛ فإن المداينة نص عليها الرب -عز وجل- وبين إباحتها سبحانه، فليس في المداينة حرج إلى أجل معلوم ولو كان الثمن المؤجل أكثر من الثمن الحال. ومعلوم أن عادة التجار لا يبيعون إلى بزيادة إذا كان مؤجلاً، لا يبيعون المؤجل بنفس الحال هذا أمر معلوم، فلا حرج في ذلك، أما إن كانت المسألة فيها حيلة فالحيل التي توصل إلى الحرام أو توقع في الحرام محرمة، الأعمال بالنيات، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)، فإذا اشترى منه حاجة بثمن مؤجل ثم ردها عليه بثمن نقد والمقصود هو الثمن المؤجل، المقصود هو الثمن النقد بالمؤجل ولكن جعل السلعة حيلة وتسمى مسألة العينة هذه الحيلة باطلة ولا تجوز، فلو اشترى منه سيارة بعشرين ألفاً أو بأربعين ألفاً إلى أجل معلوم ومقصوده أن يبيعها عليه ويأخذ الفلوس نقداً، ثم ردها عليه بأقل من ذلك لأنه احتاج النقود فهذا ربا واضح؛ لأنه تحيل بالسلعة التي هي سيارة لأخذ النقود المعجلة بنقود مؤجلة، إذا تواطأ على ذلك فهذا باطل، فإن لم يتواطأا بل اشترى منه السيارة إلى أجل من غير تواطؤ على أنه يبيعها عليه ثم بدا له أن يبيعها عليه فكذلك، إذا باعها بنقد معجل أقل فإنه يمنع أيضاً سداً للذريعة وحسماً لمادة الربا؛ كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- أن أم ولد زيد ابن أرقم باعت على زيد غلاماً بثمان مئة إلى العطاء ثم اشترته منه بستمائة نقداً فأنكرت عائشة ذلك عليهما، وقالت: (أخبري زيداً بأنه قد أبطل جهاده مع رسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتوب)، وبينت أن هذا ربا؛ لأن المقصود دفع ست مائة بثمان مائة إلى أجل، ليس المقصود السلعة، وفي هذا المعنى جاء حديث عبد الله بن عمر: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم). فالمقصود أن التحيُّل لا يجوز بفعل ما حرم الله، بل يجب أن تكون الأمور ظاهرة واضحة لا حيلة فيها تخالف الشرع.   
 
5- هل يجوز إذا قال إنسان لا أعرفه: السلام عليكم، هل يجوز أن أرد عليه وأنا ماشية في شارع مثلاً؟
نعم، يجوز بل يشرع أو يجب؛ لقوله سبحانه: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا.. (النساء:86)؛ ولأنه -صلى الله عليه وسلم- سلَّم على النساء وذكَّر النساء، ودعاهن إلى الله، فإذا سلَّم المُسلِّم يرد عليه سواء على الرجال أو على النساء، إذا سلمت المرأة على الرجال يرد عليها وإذا سلم الرجال ردوا عليهم من جهة النساء عملاً بالأدلة من الكتاب والسنة، لكن مع التحفظ والبعد عن الريبة، وعن عدم الحجاب تكون متحجبة في الأسواق وعند الأجانب في أي مكان، فترد السلام وتبدأ بالسلام مثل الرجل سواء، مع البعد عن الريبة.  
 
6- كيف يبدأ الإنسان الدعاء؟ وما الذي يمنع الاستجابة؟
السنة أن يبدأ بالحمدلة ثم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو، هذا من أسباب الإجابة، وقد صح عن رسول -صلى الله عليه وسلم- أنه سمع رجلاً يدعو ولم يحمد الله ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (عجل هذا) ثم قال له -عليه الصلاة والسلام-: (إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو بما يشاء)، فهذا من أسباب الإجابة، وهكذا كونه يدعو مستقبل القبلة وعلى طهارة بضراعة وانكسار يعلمه الله من قلبه وإظهاراً لفاقته وحاجته وإيماناً بـ... الله عنه وأنه يسمع دعاءه وأنه الكريم الجواد، وهكذا مع رفع اليدين، كل هذا من أسباب الإجابة. ومن أسباب منع الإجابة: السهو والغفلة، كونه يدعو بقلب ساهٍ غافل، فليس عنده انكسار ولا ضراعة ولا حضور قلب. كذلك من أسباب عدم الإجابة: أكل الحرام، كون الإنسان لا يتورع من الحرام، من الربا والسرقات والخيانة وسائر الأكساب الخبيثة، فإن هذا من أسباب عدم الإجابة، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الله -تعالى- طيب ولا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ..) (البقرة: من الآية172) وقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً..) (المؤمنون: من الآية51)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟!) رواه مسلم في الصحيح، بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن الله سبحانه طيب، يعني طيب الأقوال طيب الأعمال طيب الذات جل وعلا، كامل في ذاته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، لا شريك له ولا شبيه له جل وعلا، ومن طيبه لا يقبل إلا طيباً، لا يقبل الخبيث، الأعمال الخبيثة التي وقع فيها أهل الشرك لا تقبل، وهكذا أعمال المشرك لا تقبل: ..وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) سورة الأنعام، هكذا المال الخبث لا يُقبل، فهو -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيباً، والطيب من أقوالنا وأعمالنا ما كان خالصاً لله موافقاً للشريعة، أما إذا كان الإنسان يتعاطى الحرام ويكتسب الأكساب الخبيثة فإن هذا من أسباب عدم الإجابة، ولو ألح بالدعاء، ولو رفع يديه وقال: يا ربِّ يا رب، ولو كان في السفر؛ لأن هذا المانع قوي وهو أكل الحرام ولبس الحرام والتغذية بالحرام هذا من أعظم الموانع لإجابة الدعاء، فيجب الحذر من ذلك، وأن يتحرى المؤمن أكل الحلال وشرب الحلال ولبس الحلال، وأن تكون جميع نفقاته وجميع تصرفاته كلها على الوجه الذي أباح الله سبحانه وتعالى، وأن يبتعد عن جميع الكسب الحرام بأي طريقة، هذا هو الواجب على المسلم. وكذلك من أسباب عدم الإجابة: إذا كان الدعاء فيه قطيعة رحم أو فيه إثم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته في الدنيا أو تُدَّخر في الآخرة أو يصرف عنه من الشر مثل ذلك)، قالوا: يا رسول الله! إذن نُكثر، قال: (الله أكثر)، سبحانه وتعالى، إذا كان فيها معصية وإثم يقول: اللهم إني أسألك أن تفعل كذا وكذا بأخي أو بأبي أو بأمي هذا من قطيعة الرحم لا يجوز هذا الدعاء، هذا منكر، ومن رحمة الله أنه لا يستجاب؛ لأنه ظالم، لأن فيه قطيعة رحم، أو فيه إثم كأن يقول: اللهم إني أسألك أن تعينني على شرب الخمر أو على ترك الصلاة أو على الزنا، كل هذا منكر، دعاء فيه إثم ومنكر، فهذا حري بعدم الإجابة فضلا من الله سبحانه وتعالى، ورحمة من الله بعباده، وهكذا إذا كان فيه توسل باطل كأن قال: أسألك بجاه نبيك أو بجاه الصالحين أو بحق الأنبياء أو ما أشبه ذلك من الوسائل غير المشروعة لأن التوسل بالجاه أو بالحق ليس عليه دليل عند جمهور أهل العلم، وإنما التوسل الشرعي بأسماء الله وصفاته أو بالإيمان والتوحيد أو بالأعمال الصالحة هذه الوسائل الشرعية، كما قال عز وجل: ولله الأسماء الحسني فادعوه بها، وكما قال عليه الصلاة و السلام فيمن قال في الدعاء: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد، قال: لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، لأنه توسل بتوحيد الله، وهكذا ما أشبه ذلك مثل أصحاب الغار الذين توسلوا بالأعمال الصالحة وهو ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن ثلاثة دخلوا غاراً لما آواهم الليل والمطر دخلوا غاراً فانحردت صخرة من على الجبل فسدته عليهم، ما باليد حيلة يزحزوحونها لعظمها، فقالوا فيما بينهم إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.... المقدم: شيخ عبد العزيز انتهى الوقت لو سمحت... يؤجل هذا إلى حلقة قادمة

408 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply