حلقة 483: حكم الحلف بالذمة أو بالشباب - تحجب الخادمة عن صاحب البيت - توجيه لمن يحس بعد أدائة الصلاة أن صلاته غير مقبولة - حكم الأموال التي تنذر للقبور والأضرحة - من ترك الصلاة لمدة، ثم تاب

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

33 / 50 محاضرة

حلقة 483: حكم الحلف بالذمة أو بالشباب - تحجب الخادمة عن صاحب البيت - توجيه لمن يحس بعد أدائة الصلاة أن صلاته غير مقبولة - حكم الأموال التي تنذر للقبور والأضرحة - من ترك الصلاة لمدة، ثم تاب

1- لدينا عادة مستجدة وهي: الحلف بالذمة، أو بالشباب، بدل الحلف بالله، فهل هذا جائز؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فالحلف بغير الله لا يجوز لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، وقال -أيضاً- عليه الصلاة والسلام-: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت)، وقال -أيضاً- عليه الصلاة والسلام-: (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) خرَّجه الإمام أحمد رحمه الله في المسند بإسناد صحيح عن عمر -رضي الله عنه-، وخرَّج أبو داود والترمذي رحمهما الله بإسناد صحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، وهذا يحتمل أنه شك من الراوي هل قال النبي: (كفر)، أو قال: (أشرك)، أو المعنى: أنه حصل له هذا وهذا، وتكون (أو) بمعنى الواو يعني كفر وأشرك، وبهذا يعلم أن الحلف بغير الله أمر لا يجوز مطلقاً لا بالأنبياء ولا بالملائكة ولا بالكعبة ولا بالأمانة ولا بذمة فلان ولا رأس فلان، ولا شرف فلان، ولا حياة فلان ولا غير ذلك، فإذا قال: بذمتي أو برأس أو بشرفي أو بحياتي أو بحياة فلان أو ما أشبه ذلك كل هذا لا يجوز، أو قال: بالأمانة أو بالنبي أو بالكعبة كل ذلك لا يجوز، وفي الحديث الصحيح يقول -صلى الله عليه وسلم-: (من حلف بالأمانة فليس منا)، وبهذا يعلم أن الواجب على المسلمين الحذر من هذه الأيمان الباطلة، وأن يعود نفسه على الحلف بالله وحده سبحانه وتعالى، وأن يحذر من الحلف بغيره -عز وجل- كائناً من كان، وهكذا لا يقول: ما شاء الله وشاء فلان، ولا يقول: لولا الله وفلان، ولا يقول: هذا من الله ومن فلان، بل يأتي بـ (ثم)، يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان، إذا كان له تسبُّب الشخص بأن دفع عنك شراً وحماك من شر تقول: ما شاء الله ثم شاء فلان.... لو لا الله ثم فلان لأنه فعل معك معروفاً، هذا من الله ثم من فلان، لا بأس، أما أن تقول: لو لا الله وفلان، أو هذا من الله وفلان، أو ما شاء الله وشاء فلان، هذا لا يجوز، كله من المحرمات الشركية، فالواجب الحذر من هذه الكلمات، وبالحلف بغير الله سبحانه وتعالى، تعظيماً لله وطاعة لأمره وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، ووقوفا عند حدود الله -عز وجل-.  
 
2- إذا كان الرجل عنده خادمة وهو لم يأتِ بها إلا لحاجة ضرورية، وهي تأكل وتنام مع العائلة، ولا تتحجب عن صاحب البيت، فما رأيكم؟
الواجب على الخادمة وعلى غير الخادمة التحجب والحذر من الخلوة مع الأجنبي سواء كان مخدوماً لها أو ابن عمها أو ابن خالها أو أحد جيرانها أو أخا زوجها أو ابن عمها زوجها أو عم زوجها أو ما أشبه ذلك، الواجب على المرأة الاحتجاب عن كل من ليس محرماً لها من الرجال؛ لأنها عورة وفتنة، والله سبحانه يقول: (..وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب: من الآية53)، فأوضح سبحانه وجوب الحجاب ولم يستثنِ وجهاً ولا غيره، وبيَّن سبحانه أن هذا أطهر للجميع أطهر لقلوب هؤلاء وهؤلاء للرجال والنساء، فدل ذلك على أن عدم الحجاب فيه خبث وفي خطر، وهكذا قوله -عز وجل-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ..) الآية (النور:31) هذه آية صريحة في منع إبداء الزينة لغير المحارم، وأعظم الزينة الوجه لأنه عنوان جمال المرأة أو دمامتها، فكما لا يجوز إظهار الشعر والساق والساعد والصدر ونحو ذلك فهكذا الوجه من باب أولى، واليد والقدم وسائر بدنها كلها عورة، إلا العجوز القواعد فقد قال الله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ..) (النور: من الآية60) فالعجوز التي لا ترجو النكاح ولا تتزين لا بكحل ولا بغيره من أنواع الزينة يجوز لها طرح الحجاب عن وجهها، وترك ذلك والتعفف والتستر أولى وأفضل لها؛ لأن كل ساقطة لها لاقطة، خطر، فالتعفف والاستعفاف والتستر أولى ولو كانت عجوزاً لا تشتهى، ولو كانت كبيرة لا تتزين فالاستعفاف خير لها؛ ولهذا قال سبحانه: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ، فإذا كانت العجوز التي لا ترجو النكاح ومع هذا لا تتزين لا بكحل ولا بمكياج ولا غير ذلك ولا بملابس ولا غير هذا تعففها وتسترها أولى فالشابة والمتزينة من باب أولى في وجوب التحجب والحذر من أسباب الفتنة، وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت لما تخلفت في غزوة الإفك ورآها صفوان بن معطل واسترجع قالت: (فلما سمعت صوته خمرت وجهي، وكان قد رآني قبل الحجاب) فدل ذلك على أنهم بعد الحجاب لا يكشفون الوجوه، وإنما كانوا يكشفونها قبل الحجاب عند الرجال، فلما جاء الحجاب وأنزل الله الحجاب تسترن، أما حديث أسماء بنت أبي بكر الذي روته عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ما رواه أبو داود في السنن عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخلت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- وعليها ثياب رقاق، فلما رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرض عنها وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه" فهذا الحديث ضعيف من وجوه لا يصح أن يحتج به، وقد تعلق به بعض الناس جهلاً وغلطاً، والصواب أنه حديث ضعيف من وجوه كثيرة لا يجوز التعلق به، ولا أن تعارض به الأدلة من كتاب الله وسنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-. وإليك أيها المستمع بيان أسباب ضعفه: أولاً: أنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة، وهو لم يسمع منها فهو منقطع، والمنقطع عند أهل العلم ضعيف لا يحتج به عند جميع أئمة الحديث. والعلة الثانية: أنه من رواية قتادة عن خالد بالعنعنة، وقتادة مُدلِّس ولا يحتج به إذا عنعن في غير الصحيحين. العلة الثالثة: أن في سنده سعيد بن بشير، وهو ضعيف عند أهل الحديث لا يحتج به. العلة الرابعة: أنه يحتمل أن يكون قبل الحجاب؛ لأنه كان قديماً، والحديث إذا احتمل أن يكون قبل الحجاب أو بعد الحجاب لا يحتج به؛ لأنه محتمل أن هذا لو صح أن يكون قبل الحجاب قبل أن يحرم على المرأة حجب وجهها وكفيها، وكانت النساء قبل الحجاب يبدين وجوههن وأيديهن فلما نزل الحجاب منعن من ذلك. العلة الخامسة: أن هذا لا يليق بمثل أسماء ولا يظن بها ذلك، لأنها امرأة صالحة، وهي أسن من عائشة، وهي زوجة الزبير بن العوام أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وحواري الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فكيف يظن بها أن تدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثياب رقيقة ترى منها العورة؟ كيف يظن ظانٌّ أن هذا يقع من هذه المرأة الصالحة العظيمة الشأن؟ فهذا شاذ ومتن منكر لا يليق من أسماء أن تفعله -رضي الله عنها- ولو فرضنا صحته ولو فرضنا وقوعه منها لكان محتملاً أن يكون قبل الحجاب، مع أنك عرفت أنه ضعيف لا يصح بوجه من الوجوه، فهو ضعيف من هذه الوجوه كلها، والله ولي التوفيق.  
 
3- أنا شاب أبلغ من العمر السابعة عشرة، إنني يا سماحة الشيخ مخلص العبادة لله تعالى، أؤدي الفروض الخمسة على أكمل وجه، ولا أستمع الأغاني ولا الموسيقى والحمد لله، لكن قضيتي أنني أحس بعد انتهاء كل فريضة أنني لم أوفِّها حقها، ولا أشعر أن صلاتي قد قبلت، أرجو أن توجهوني حول هذا، جزاكم الله خيراً، علماً بأنني بعد ذلكم الإحساس أجلس أدعو الله وأتوسل إليه بالتوبة والمغفرة، أرجو إرشادي جزاكم الله خيراً.   
أسأل الله أن يزيدك خيراً، وأن يثبتنا وإياك على الهدى، واحمد ربك على ما يسر لك من الهداية، واسأل ربك الثبات على الحق، أما هذا الذي يعتريك بعد الصلاة فهو من الشيطان، ومن وساوسه الخبيثة ليؤذيك ويحزنك، فاتق الله واحذر هذه الوساوس وأحسن ظنك بربك، فالله وعد المؤمنين الصادقين قبول الأعمال، فلا ينبغي لك أن تخضع لوساوس عدو الله، وعليك أن تحسن ظنك بربك، فقد صح عن رسول -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (يقول الله -عز وجل-: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني") وفي اللفظ الآخر: (وأنا معه حين يذكرني) فاتق الله وأحسن ظنك بربك، ولا تظن به خلاف ذلك، واجتهد في أداء صلاتك بغاية العناية والخشوع، والإقبال عليها، وأحسن ظنك بربك وارجه سبحانه أنه قبل منك، ولا توسوس ولا تسيء الظن بربك -عز وجل-، ولكنك ترجوه أن يقبلها منك، وأحسن ظنك بربك، ولكنك مع هذا تحرص على الاستقامة والإكمال، كما قال الله عن أهل الإيمان والتقوى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (المؤمنون:60-61) فاحرص أن تكون من هؤلاء تخاف ربك وتخشاه سبحانه وتوجل منه مع الجد في العمل ولكنك تحسن به الظن في قبول أعمالك، وعدم ردها عليك، وأنت قد أحسنت فيها واجتهدت فيها وأديت ما تستطيع، وهو القائل سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. (16) سورة التغابن، نسأل الله لنا ولك التوفيق.   
 
4- ما حكم الشرع في الأموال التي تنذر للأولياء وتوضع في صناديق أضرحتهم؟ وهل لأحد فيها حق لانتسابه إلى هذا المولى؟
هذه الأموال التي تنذر للموتى ويتقرب بها إليهم هذه نذور شركية باطلة، وعلى من فعلها أن يتوب إلى الله وأن ينيب إليه وأن يستغفره سبحانه؛ لأن النذر عبادة كالصلاة والذبح، كلها عبادات، فالذي ينذر لأصحاب القبور أو للأصنام أو للجن كالذي يدعوهم ويستغيث بهم، وكالذي يذبح لهم كله شرك بالله -عز وجل-، فالواجب الحذر من ذلك. وهذه الأموال التي توضع في الصناديق من النذور يجب أن يأخذها ولي الأمر وأن تصرف في وجوه البر والخير كالصدقة على الفقراء أو في مشاريع خيرية، وأن تمنع منعا باتاً، إذا عثر عليها ولي الأمر المسلم يزيلها ويمنع الناس من هذا الأمر، ويعلمهم أن هذا لا يجوز وما كان موجوداً فيها يوزع في وجوه الخير كما تقدم، ولا يجوز أن يُقر هذه الصندوق بل يجب أن يمنع، وتمنع السدنة الذين يدعون إلى ذلك ويعاقبوا بما يردعهم وأمثالهم وينادى في الناس والخطب والصحف المحلية أن هذا شرك وأنه لا يجوز حتى يرتدع الناس حتى يعلم الناس ذلك، والواجب على العلماء أن يفعلوا ذلك، الواجب على أهل العلم في كل مكان أن يرفعوا هذا اللبس عن الناس بالكلام الطيب في الإذاعة في الصحافة في التلفاز حتى يكون الناس على بينة، على بصيرة، والله يقول -جل وعلا- في كتابه العظيم: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: من الآية125)، ويقول سبحانه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة) (يوسف: من الآية108)، ويقول -عز وجل-: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33)، فالدعوة إلى الله من أهم الأمور، وهي فرض على المسلمين، فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين، فإن تركها العلماء والدعاة أثموا جميعاً، فالواجب على أهل كل بلد وكل قرية من أهل العلم أن ينشروا العلم، وأن يبينوا للناس ما أوجب الله عليهم من الدعوة، من الإخلاص لله وتوحيد العبادة وعدم صرفها لغير الله كائناً من كان، وتحريم الشرك قليله وكثيره صغيره وكبيره، وهكذا بقية الأوامر والنواهي، يوضحوا للناس وجوب الصلاة وأداءها في الجماعة، وجوب الزكاة، وجوب صوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة، بر الوالدين، وصلة الرحم، وصدق الحديث، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير هذا مما أوجبه الله، كما أنه يجب عليهم أن يبينوا للناس ما حرم الله عليهم من الشرك وترك الصلاة والتساهل فيها، أو عقوق الوالدين أو أحدهما، أو قطيعة الرحم، أو أكل الربا أو الغيبة والنميمة، أو قتل النفوس بغير حق أو شهادة الزور أو غير هذا مما حرم الله، هذا واجب العلماء، والله سائلهم سبحانه وتعالى عما كتموا وعما لديهم من العلم، وهذا أوان نشر العلم، هذا وقت الغربة الآن، وقبل هذا الآن بأزمان كثيرة، الغربة في الإسلام عظيمة ومنتشرة، والعلماء قليل، العلماء بالله وبدينه، أهل البصائر قليلون، فالواجب عليهم مع قلتهم أن ينشروا العلم وأن يتقوا الله في جميع الدول في الدول الإسلامية وفي الأقليات الإسلامية وفي كل مكان، يجب عليهم أن ينشروا العلم وأن يعلموا الناس من طريق وسائل الإعلام، فقد يسر الله للناس اليوم وسائل الإعلام عن طريق الإذاعة والصحافة والتلفاز والخطابة وسائر الأمور الممكنة كالنصيحة في المجتمعات والمحافل ونحو هذا مما يتيسر لطالب العلم إذا اجتمع بإخوانه أو في حفلة وليمة أو حفلة عرس أو غير هذا من أنواع الاجتماعات، المؤمن يستغل الفرص، العالم يستغل الفرص، حتى ينشر العلم وحتى يوضح للناس ما أوجب الله عليهم، وحتى يشرح للناس ما حرم الله عليهم، وبذلك تبرأ ذمته وينتشر العلم، وتقوم الحجة، ويحصل له من الأجور مثل أجور من هداهم الله على يديه، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله) ويقول عليه الصلاة والسلام-: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) والعكس بالعكس -لا حول ولا قوة إلا بالله- يقول -صلى الله عليه وسلم-: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) ويقول -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه- أمير المؤمنين لما بعثه إلى خيبر، لدعوة اليهود وقتالهم إن أبوا، قال له عليه الصلاة والسلام: (فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)، هكذا يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام لابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الخليفة الراشد رابع الخلفاء وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة -رضي الله عنه- يقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فوالله) يحلف وهو الصادق وإن لم يحلف! لكن للتأكيد (لئن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من حمر النعم) فلا يليق بطالب العلم ولا بالعالم أن يتساهل في هذا الأمر مع شدة الحاجة والضرورة إلى العلم، بل يجب أن يُشمِّر أينما كان وأن يتقى الله وأن يراقبه وأن ينشر العلم يريد ما عند الله من المثوبة، يريد أن يهدي الناس وأن يرشدهم وأن ينقذهم مما هم فيه من الباطل، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور تأسياً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعملاً بأمره. نسأل لله للجميع الهداية والتوفيق.  
 
5- لي صديقة في سن المراهقة كانت تصوم ولا تصلي، وقبل مدة تابت إلى الله ورجعت إلى الصواب، ولكن ضميرها يؤنبها ويعذبها على ما بدر منها من ترك للصلاة كسلاً وتساهلاً وجهلاً بالدين، ووالداها لا يعرفان ذلك، أما هي لا تعرف ماذا تفعل! هل تصلي الصلوات التي تركتها؟ أم تكثر من صلاة السنة بعد وقبل كل فرض لعل الله أن يغفر لها؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير. 
من نعم الله عليها أن منَّ عليها بالتوبة ورزقها الندم على ما مضى، والحمد لله على ذلك، فعليها أن تستمر في الخير، وأن تلزم طاعة الله ورسوله، وأن تحافظ على الصلاة في وقتها، وأن تستكثر من الخير من صلاة النافلة، من الصدقة، من الدعاء، من الذكر، وهكذا جميع أنواع الخير، ويكفيها ذلك، والحمد لله، وليس عليها قضاء الصلاة؛ لأن التوبة تهدم ما كان قبلها كما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (التوبة تَجبُّ ما كان قبلها) وقال عليه الصلاة والسلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) فلتطمئن ولتحمد الله على ما هداها له من التوبة ولتعلم أنه لا شيء عليها عما مضى، بل التوبة تمحو ذلك مع الصدقة والنصح في التوبة، والتوبة الصادقة تشمل أموراً ثلاثة: الندم على الماضي من الذنب، والإقلاع منه وتركه، والعزيمة الصادقة أن لا يعود المذنب في ذلك، سواء كان رجلاً أو امرأةً، فهذه الأمور الثلاثة لا بد منها في التوبة: ندم على الماضي، وإقلاع من الذنب، وعزم صادق أن لا يعود في ذلك، وهناك شرط رابع إذا كانت الجريمة والذنب يتعلق بالغير فمن تمام التوبة أن يعطي الحق لصحابه، وأن يرد عليه حقه أو يستحله من ذلك، كما لو كان الذنب خيانة في مال، أو سرقة أو نحو ذلك، فإن من شرط التوبة وتمامها أن يرد المال إلى صاحبه، أو يستحله من ذلك، يقول الله سبحانه: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى، ويقول سبحانه لما ذكر الشرك والقتل والزنا في آية الفرقان، في قوله سبحانه: والذين لا يدعون مع الله إلهاً ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق آثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً، ثم قال بعد هذا: إلا من تاب، وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً، فذكر سبحانه أن من تاب من الشرك أو القتل أو الزنا بدل الله سيئاته حسنات هذه من نعم الله العظيمة ومننه الكبيرة فعلى التائب أن يحمد ربه ويصدق في التوبة وأن يلزمها حتى يلقى ربه. 

392 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply