التزكية عند الصوفية (12)


بسم الله الرحمن الرحيم

 



ذكرنا في الحلقة السابقة أهمية الخلوة على طريقة تزكية النفس عند الصوفية ، وأشرنا إلى أنهم يعتقدون أنها سبيل لتلقي العلم اللدني من الله عز وجل ، وسنستكمل في حلقتنا هذه حكم الخلوة عندهم.

3- حكم الخلوة:

قال شمس الدين الرازي في -حدائق الحقائق ص 39-: -العزلة والخلوة معروفتان، وهما مطلوبتان شرعاً!!

وتأمل هذا الاستدلال العجيب في لزوم الخلوة والعزلة حيث قال في ص 41: -واعلم بأن التوفيق للعزلة دليل السعادة الأبدية، لأن من خالط الناس داراهم، ومن داراهم رآهم، ومن رآهم نافقهم، ومن نافقهم استحق الدرك الأسفل من النار بنص الكتاب العزيز وهو قوله تعالى: -إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار-!!.

وقال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 244: -ليست الخلوة ابتداعا من الصوفية، وإنما هي امتثال لأمر الله تعالى في كتابه العزيز وتأس واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يخلو بغار حراء يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، وبهذا تكون قد ثبتت مشروعيتها<.

- وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الاستدلال بقوله: -وأما الخلوات فبعضهم يحتج فيها بتحنثه صلى الله عليه وسلم في غار حراء قبل الوحي وهذا خطأ، فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة إن كان قد شرعه بعد النبوة فنحن مأمورون باتباعه فيه وإلا فلا، وهو صلى الله عليه وسلم من حين نبأه الله تعالى لم يصعد بعد ذلك إلى غار حراء ولا خلفاؤه الراشدون، وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بضعة عشرة سنة ودخل مكة في عمرة القضاء، وعام الفتح أقام بها قريباً من عشرين ليلة وأتاها في حجة الوداع وأقام بها أربع ليال، وغار حراء قريب منه ولم يقصده، وذلك أن هذا كانوا يأتونه في الجاهلية، ويقال أن عبدالمطلب هو من سن لهم إتيانه، لأنه لم تكن لهم هذه العبادات الشرعية التي جاء بها بعد النبوة صلى الله عليه وسلم كالصلاة والاعتكاف في المساجد، فهذه تغني عن إتيان حراء بخلاف ما كانوا عليه قبل نزول الوحي.

- وقال أيضاً: -وطائفة يجعلون الخلوة أربعين يوماً ويعظمون أمر الأربعينية، ويحتجون فيها بأن الله تعالى واعد موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، وقد روي أن موسى عليه السلام صامها وصام المسيح أيضاً أربعين لله تعالى وخوطب بعدها، فيقولون: يحصل بعدها الخطاب والتنزل، كما يقولون في غار حراء حصل بعده نزول الوحي.

وهذا أيضاً غلط، فإن هذه ليست من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل شرعت لموسى عليه السلام كما شرع له السبت والمسلمون لا يسبتون، وكما حرم في شرعه أشياء لم تحرم في شرع محمد صلى الله عليه وسلم فهذا تمسك بشرع منسوخ، وذلك تمسك بما كان قبل النبوة.

وقد جرب أن من سلك هذه العبادات البدعية أتته الشياطين وحصل له تنزل شيطاني، وخطاب شيطاني، وبعضهم يطير به شيطانه، وأعرف من هؤلاء عددا طلبوا أن يحصل لهم من جنس ما حصل للأنبياء من التنزل فنزلت عليهم الشياطين لأنهم خرجوا عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم التي أمروا بها قال تعالى: -ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون- وكثير منهم لا يجد للخلوة مكاناً ولا زماناً بل يأمر الإنسان أن يخلو في الجملة.

ثم صار أصحاب الخلوات فيهم من يتمسك بجنس العبادات الشرعية: الصلاة والصيام والقراءة والذكر، وأكثرهم يخرجون إلى أجناس غير مشروعة، فمن ذلك طريقة أبي حامد ومن تبعه، وهؤلاء يأمرون صاحب الخلوة أن لا يزيد على الفرض، لا قراءة ولا نظراً في حديث نبوي ولا غير ذلك، بل قد يأمرونه بالذكر ثم قد يقولون ما يقوله أبوحامد: ذكر العامة: لا إله إلا الله، وذكر الخاصة: الله الله، وذكر خاصة الخاصة: هو هو.

والذكر بالاسم المفرد مظهراً ومضمرا بدعة في الشرع وخطأ في القول واللغة، فإن الاسم المجرد ليس هو كلاماً لا إيماناً ولا كفراً..< -مجموعة الرسائل والمسائل 2/247-249-.

- وبهذا يتبين لك أخي القارئ مجانبة الصوفية للمنهج الصحيح في التزكية في مسألة الخلوة التي جعلوها من لوازم الطريق إلى الله كما قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 268: -ولا يظنن أحد أن الخلوة خاتمة السير، بل هي أول خطوة في طريق الوصول إلى الله تعالى، فلا بد أن تتلوها خلوات ومجاهدات طويلة ومذاكرة متواصلة للمرشد بهمة وصدق واستقامة، وملازمة على ذكر الاسم المفرد!! في الصباح والمساء وعند كل فراغ حتى يكون على اتصال دائم بالله تعالى.... 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply