هذه هي الصوفية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مما لا يُختلف فيه: أن الفكر الصوفي حادث في الإسلام.

فقد مر عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجيل الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين، وتابعيهم - رحمهم الله -، دون أن يكون لهذا الفكر أثر واضح، حتى حدث وظهر في نهاية القرن الثاني، والصوفية يقرون بهذا، لكن من جهة اللفظ دون المعنى. يقول النواوي: «فأما كلمة التصوفº فقد أجمع الكاتبون في هذا المقام على: أنها من الكلمات الاصطلاحية التي طرأت في أواخر القرن الثاني للهجرة»(1).

 

فالصوفية يقرون بأن مصطلح (الصوفية) حادث، لكنهم يقولون: الأحوال الصوفية موجودة منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، تمثلت في أهل الصٌّفَّة. ولأجله ذهب بعضهم إلى أن أصل التصوف مشتق من (الصٌّفّة)، وهو مكان كان يأوي إليه الفقراء في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن ترجم منهم لأئمة التصوف: جعل أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً رضوان الله عليهم أوائل الصوفية، ونسب إليهم كلمات في المقامات والأحوال.

 

والوصف المشترك بين جميع من نُسبوا إلى التصوف من أئمة القرون الثلاثة الأولى هو: الزهد، والمجاهدة. الزهد في متاع الحياة الدنيا، ومجاهدة النفس لتهذيبها، ونفي عيوبها.

 

ونتيجة هذا: تمثل التصوف في الزهد والمجاهدةº فكل زاهدٍ, مجاهدٍ, متصوفٌ، ومن له حال في الزهد والمجاهدة فهو: صوفي. هكذا قال بعضهم. لكنهم لم يتفقوا على رأي واحد في أصل كلمة (صوفية) واشتقاقهاº فما قرره بعضهم نقضه آخرون، وقد رجعوا بالكلمة إلى أصول ستة أو سبعة، هي:

 

1 - الصٌّفّة:

وبهذا قال أبو عبد الرحمن السلمي: «التصوف مأخوذ من أهل الصٌّفَّة»(2).

وقال الكلاباذي: «وقال قوم: إنما سموا: صوفية. لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »(3).

وقال السهروردي: «وقيل: سُموا صوفيةº نسبةً إلى الصفَّة..وهـذا وإن كان لا يستقيم من حيث الاشتقاق اللغوي، ولكنه صحيح من حيث المعنىº لأن الصوفية يشاكلهم حال أولئك، لكونهم مجتمعين متآلفين، متصاحبين لله، وفي الله، كأصحاب الصفَّة»(4).

 

2 - الصفاء:

قال الكلاباذي: «قالت طائفة: إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها، ونقاء آثارها.

 

وقال بشر بن الحارث: الصوفي من صفا قلبه لله»(5).

 

وقال السهروردي: «قيل: كان الاسم في الأصل صفوي، فاستثقل ذلك فجعل صوفياً»(1).

 

وذكر نيكولسون: أن جمهور الصوفية ذهبوا إلى أن الصوفي مشتق من الصفاء، وأنه أحد خاصة الله، الذين طهر الله قلوبهم من كدورات الدنيا(2).

 

3 - الصف الأول:

قال الكلاباذي: «وقال قوم: إنما سموا صوفيةº لأنهم في الصف الأول بين يدي الله - عز وجل - بارتفاع هممهم إليه، وإقبالهم عليه، ووقوفهم بسرائرهم بين يديه»(3).

 

وقال السهروردي كقول الكلاباذي: «سموا صوفيةº لأنهم في الصف الأول بين يدي الله - عز وجل - بارتفاع هممهم، وإقبالهم على الله - تعالى - بقلوبهم، ووقوفهم بسرائرهم بين يديه»(4).

 

4 - الصوف:

يقول الطوسي: «نُسبوا إلى ظاهر اللبس، ولم ينسبوا إلى نوع من أنواع العلوم والأحوال التي هم بها مترسمونº لأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء - عليهم السلام -، والصديقين، وشعار المساكين المتنسكين»(5).

 

ويقول السهروردي: «ذهب قوم إلى أنهم سموا صوفية نسبة لهم إلى ظاهر اللبسةº لأنهم اختاروا لبس الصوف لكونه أرفق، ولكونه كان لباس الأنبياء - عليهم السلام -. فكان اختيارهم للبس الصوف لتركهم زينة الدنيا، وقناعتهم بسد الجوعة، وسترة العورة، واستغراقهم في أمر الآخرة، فلم يتفرغوا لملاذ النفوس وراحتها، لشدة شغلهم بخدمة مولاهم، وانصراف همهم إلى أمر الآخرة، وهذا الاختيار يلائم ويناسب من حيث الاشتقاقº لأنه يقال: تصوَّفº إذا لبس الصوف، كما يقال: تقمَّصº إذا لبس القميص»(6).

 

5 - صوفة:

ذكر ابن طاهر المقدسي القيسراني بسنده إلى الحافظ أبي محمد عبد الغني بن سعيد المقدسي قال: «سألت وليد بن القاسم: إلى أي شيء نسب الصوفي؟ فقال: كان قوم في الجاهلية يقال لهم صوفة، انقطعوا إلى الله - عز وجل -، وقطنوا الكعبةº فمن تشبه بهم فهم الصوفية.

قال عبد الغني: هؤلاء المعروفون بصوفة، هم ولد الغوث بن مر»(7).

 

قال ابن الجوزي: «كانت النسبة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإيمان والإسلام، فيقال: مؤمن مسلم. ثم حدث اسم زاهد وعابد، ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد، فتخلوا عن الدنيا، وانقطعوا إلى العبادة، واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها، وأخلاقاً تخلقـوا بهـا، ورأوا أن أول مـن انفــرد بـه بخدمـة الله - سبحانه وتعالى - عند بيته الحرام، رجل يقال له: صوفة. واسمه الغوث بن مر، فانتسبوا إليه، لمشابهتهم إياه في الانقطاع إلى الله - سبحانه وتعالى -، فسُموا بالصوفية»(8).

 

ثم ذكر أثر عبد الغني المقدسي الآنف الذكر، ثم قال: «وبالإسناد إلى الزبير بن بكار قال: كانت الإجازة بالحج للناس من عرفة إلى الغوث بن مر بن أدّ بن طابخة، ثم كانت في ولده، وكان يقال لهم: صوفة. وكان إذا حانت الإجازة قالت العرب: أجز صوفة. قال الزبير: قال أبو عبيدة: وصوفة وصوفان. يقال: لكل من ولي من البيت شيئاً من غير أهله، أو قام بشيء من أمر المناسك، يقال لهم: صوفة وصوفان.

 

قال الزبير: حدثني أبو الحسن الأثرم عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال: إنما سمي الغوث بن مر صوفةº لأنه ما كان يعيش لأمه ولد، فنذرت لئن عاش لتعلقن برأسه صوفة ولتجعلنَّه ربيط الكعبة، ففعلت، فقيل له: صوفة، ولولده من بعده»(9).

 

6 - صوفانة:

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply