من المصادر الأصلية للسيرة النبوية القرآن الكريم


 بسم الله الرحمن الرحيم 

 

تعتمدُ دِراسةُ السِّيرةِ النَّبَويَّةِ على مصادرَ متنوعةٍ,، منها الأصليةُ ومنها التكميليةُ، فمن المصادرِ الأصليةِ في دراسةِ السِّيرةِ:

1-القُرآن الكريم.

2- الحَدِيث الشَّريف.

3- كتب الدَّلائل.

4-كتب الشَّمائل.

5-كتب السِّيَر والمغازي.

6-كتب التَّواريخِ العامَّة.

أما المصادرُ التَّكميليةُ فهي لا تختصٌّ بالسِّيرةِ أو التَّاريخ، بل تتناولُ موضوعاتٍ, أُخرى لكنَّها تفيدُ في حقلِ دِراسةِ السِّيرةِ، مثل: كتب الأدب ودوواين الشعر وكتب الرِّجال والتراجم وكتب الجغرافيةِ التَّاريخيةِ وكتب الفقه وكتب الأنساب ومعاجم اللغة.. إلخ.

 

ولا شكَّ أنَّ استيعابَ هذه المصادرِ عند دراسةِ السِّيرة يُعطي أكملَ صُورةٍ, مُمكنةٍ, وهي صورةٌ واضحةٌ فيها كثيرٌ من التَّفاصيلِ.

وأول ما ينبغي أن يَلتفِتَ إليه الباحثُ أنَّ هذه المصادرَ تتباينُ قُوَّةً وضَعفاً وأصالةً ووضعاً، لذلك لا ينبغي أن تُوضعَ في صفٍّ, واحدٍ, وتُعامل على السَّواءِ، فلا يُمكن معارضةُ آيةٍ, قُرآنيةٍ, أو حديثٍ, صحيحٍ, بروايةٍ, من كتبِ التَّاريخ أو الأدبِ، فلابُدَّ إذاً من تقويمِ هذه المصادرِ ووضعِها في الموضعِ الذي تستحقٌّ1.

 

القرآن الكريم:

هو المصدرُ الأولُ والأوثقُ نستمدٌّ منه ملامحَ السِّيرةِ النَّبَويَّةِ، فقد تعرَّض القُرآنُ الكريمُ لنشأة النبيِّ-صلى الله عليه وسلم-,فقال:{ أَلَم يَجِدكَ يَتِيمًا فَآوَى ، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} الضحى: 5-6 كما تعرَّضَ لأخلاقِهِ الكريمةِ العاليةِ,فقال: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ, عَظِيمٍ, }القلم: 4. وقد تحدَّث القرآنُ عمَّا لقيه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- مِن أذى وعنتٍ, في سبيلِ دعوتِهِ، كما ذكرَ ما كان المشركون ينعتونه به من السِّحرِ والجُنُونِ صَدَّاً عن دينِ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ-، وقد تعرَّض القرآنُ لهجرةِ الرَّسُولِ ,كما تعرَّض لأهمِّ المعاركِ الحربيةِ التي خاضها بعدَ هجرتِهِ، فتحدَّثَ عن معركةِ بدر، وأحد، والأحزاب، وصُلح الحديبيَّة، وفتح مكة، وغزوة حُنين، وتحدَّث عن بعضِ معجزاتِهِ، كمعجزة الإسراء والمعراج.

 

وبالجُملةِ فقد تحدَّثَ عن كثيرٍ, من وقائع سيرةِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ولما كانَ الكتابُ الكريمُ أوثقَ كتابٍ, على وجه الأرضِ، وكان من الثٌّبوتِ المتواتر بما لا يُفكِّرُ إنسانٌ عاقلٌ في التشكيكِ بنصوصِهِ وثبوتِها التَّاريخيِّ، فإنَّ ما تعرَّضَ له من وقائعِ السِّيرةِ يُعتبرُ أصحَّ مصدرٍ, للسِّيرةِ على الإطلاقِ.

ولكن من الملاحظِ أنَّ القُرآنَ لم يتعرَّض لتفاصيلِ الوقائعِ النَّبَويَّةِ، وإنَّما تعرَّض لها إجمالاً، فهو حين يتحدَّثُ عن معركةٍ, لا يتحدَّثُ عن أسبابِها، ولا عن عددِ المسلمين والمشركين فيها، ولا عن عددِ القتلى والأسرى من المشركين، وإنَّما يتحدَّث عن دروسِ المعركة وما فيها من عِبَرٍ, وعِظَاتٍ,، وهذا شأنُ القُرآنِ في كلِّ ما أورده من قصصٍ, عن الأنبياء السَّابقين والأمم الماضيةº ولذلك فنحن لا نستطيعُ أن نكتفيَ بنصوصِ القُرآنِ الكريمِ المتعلِّقةِ بالسِّيرةِ النَّبَويَّةِ لنخرجَ منها بصورةٍ, مُتكاملةٍ, عن حياةِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-2.  

 

وينبغي التفطنُ إلى أنَّ الإفادةَ التَّامة من القرآنِ الكريمِ لا تتمٌّ إلا بالرجوعِ إلى كتب التفسير الموثَّقةِ، وبخاصة التفسير بالمأثورِ ºمثل تفسير الطَّبريّ, وتفسير ابن كثير،وغيرهما. وينبغي –أيضاً- الرجوعُ إلى كتبِ النَّاسخِ والمنسوخِ، وكتبِ أسبابِ النٌّزولِ وغيرها مما يتصلُ بالقُرآن الكريم وعلومه.وبعضُهم يهمل الاستفادة من كتب التفسير-بل يطعن فيها وفي مؤلفيها- بحجَّةِ أنَّهم رجالٌ ونحنُ رجالٌ , وأنَّ آراءَهم رُبَّما تناسب عصرَهم , ولكلِّ عصرٍ, دولةٌ ورجالٌ, وهذا باطلٌ من القولِ وزورٌ يُرادُ به فتحُ بابِ التَّلاعبِ في تفسيرِ القرآنِ وتأويلِهِ بحسب الأهواءِ والمزاعمِ الباطلة و والآراءِ الفاسدةِ العاطلة. والجواب على ذلك-وليس محل استيفائه هنا-أنَّ كتبَ التفسير ليست مجرد آراء-كما يصورون- , وإنَّما تحوي كتبُ التفسير بيانَ أسبابِ النٌّزولِ , ومعرفةُ السببِ تيسرُ فهمَ كثيرٍ, من الآياتِ, وأيضاً يجمعُ المُفسِّرون الآيات التي لها علاقةٌ بتفسيرِ الآيةِ المطلوبةِ , فخيرُ ما يُفسَّرُ به القرآنُ القرآنُ نفسُهُ , فربَّما أُجِمَلَ الكلامُ على أمرٍ, أو قضيةٍ, في آيةٍ, من الآياتِ,وبُيِّنَ في آيةٍ, أُخرى , فترى المفسِّرين يجمعون بين الآياتِ ويُفسِّرون بعضَها ببعضٍ, , وأيضاً يجمعُ المفسِّرون –عند تفسير الآيةِ- الأحاديثَ التي تُوضِّحها وتُبيِّنها أو تُقيِّدها وتُخصصها , وكم من آيةٍ, يعي بها بعضُهم , وبيانُها في آيةٍ, أُخرى من كتاب الله أوفي حديثٍ, شريفٍ, , بالإضافةِ لكلام المفسِّرين عن الناسخ والمنسوخ , ونقلهم كلام أهل اللغة ,وغير ذلك من الفوائد التي لولا الإطالة لبيَّناها وأتينا بالشَّواهدِ عليها , ولكن لكلِّ مقامٍ, مقالٌ.وحتى آراء المفسِّرين التي يقولون عنها : \"هم رجال ونحن رجال\" , فهي آراءٌ متينةٌ-في الغالب- مبنيةٌ على قواعدِ اللغةِ والأصولِ والتفسيرِ والحديثِ وغيرِ ذلك من العلومِ والفنونِ التي هي من شُروطِ المفسِّر , وقد أوصلها بعضُهم-كالسٌّيوطيِّ في \"الاتقان\"- إلى خمسة عشر فَنَّاً وعِلماً, فهل هذا كله يُستهانُ به , ويُقال :\" هم رجالٌ ونحن رجالٌ\" , ولو كان الأمرُ كذلكَ في كُلِّ عِلمٍ, أو فَنٍّ, ,لما استفادَ مُتأخِّرٌ من مُتقدِّمٌ , فمثلاً هل يأتي الطبيبُ المتأخِّرُ فيقول على كتب المتقدِّمين في فنِّ الطِّبِّ :\" هم رجالٌ ونحن رجالٌ\" ويُلقي بها ولا يستفيدُ منها , أمحمودٌ ذلكَ أم مذمومٌ؟! بل مذمومٌ عندَ كلِّ العقلاءِ , والواجبُ عليه أن يكونَ حَرِيصاً على التفتيشِ على أقوالِهم وآرائِهم , ويقومُ بدراستِها ويعرضها على قواعدِ العلمِ أو الفن , فما كان منها صواباً –وهو كثير- فليستفد منه وليُضفهُ إلى خبرتِهِ ومعلوماتِهِ , وما كان منها من خطأٍ, ,فليردَّهُ , فليس أحدٌ بمعصومٍ, إلا رسول الله-صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.  

 

إنَّ بعضَ المُؤرِّخين المعاصرين يأنفون من الرٌّجوعِ إلى هذه المؤلَّفاتِ، ويعتمدون على ذوقِهم في فهم أساليبِ اللٌّغةِ ومعانيها ºمما يُؤدِّي بهم إلى وقوعٍ, في أخطاء كبيرةٍ,، مثل تفسيرِ المستشرقين لقولِهِ –تعالى-: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم)الجمعة:2, حيث ذهبُوا إلى أنَّ الأُميَّةَ –هنا- تعني الجهلَ بالدِّين لا الكتابةِ، في حينِ أنَّ القُرآنَ الكريمَ وَصَفَ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ ( النَّبيّ الأميّ)3 ولا يُعقلُ أنَ يكونَ النَّبيٌّ جَاهِلاً بالدِّين!!!.

إنَّ النَّزاهةَ العلميةَ تقتضي الرٌّجوعَ إلى كتبِ التَّفسيرِ الموثَّقةِ, وإعطاءَ النٌّصوصِ القُرآنيةِ معانيها الصَّحيحةَ المرادةَ، وليس تأويلُها تبعاً للهوى رغبةً في دعمِ رأيٍّ, أو مذهبٍ,، وقد حذَّرَ النَّبيٌّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- من ذلك بقولِهِ4: (مَن قالَ في القُرآنِ برأيه أو بما لا يعلمُº فليتبوَّأ مقعدَهُ مِنَ النَّارِ)5.

 


 


1 انظر السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة د.أكرم ضياء العمري (1/47).

2 - انظر:\" السِّيرة النَّبَويَّة دروس وعبر\": د.مصطفى السباعي ص(14).

3 - راجع : سورة الأعراف :في قوله –تعالى-:\"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوباً عِندَهُم فِي التَّورَاةِ وَالأِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلٌّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النٌّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ\" (لأعراف:157), وفي قوله –تعالى-:\"قُل يَا أَيٌّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُم جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ\" (لأعراف:158) .

4 - -أخرجه التِّرمذيّ (5/199) كتاب تفسير القرآن عن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه ،وقال أبو عيسى التِّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح .

5 - انظر:\" السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة\": د.أكرم ضياء العمري (1/49).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply