مشكلة ليس للفاتيكان منتجات !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



يقف العقل التقليدي من شتائم البابا بندكتس للإسلام ذات الموقف الذي وقفه من شتائم الصور الدنمركية لسيد البرية عليه أفضل الصلاة وأتم السلام لكن بلا شك هناك فرق أو قل (مشكلة) فالفاتيكان يعد في اعتبار النظم السياسية دولة مستقلة لكنها بلا منتجات نقاطعها فكيف نفعل إذا كان السلاح الوحيد الذي نملكه معطلا.

قد تكون هناك حلول كثيرة مثل مقاطعة منتجات جميع الدول المسيحية مثلاً ولا أظن أن أحداً سيفعل ذلك وإذا فعل فلا بد أن يقاطع منتجات الدول الهندوسية لأن من كهنتهم من يسب الإسلام وكذلك منتجات الدول البوذية لأن من كهنتهم أيضاً من يسب الإسلام ولأننا شعوب مستهلكة بالدرجة الأولى فسنسير ساعتها في الشوارع حفاة عراة، لكن الأفضل والله أعلم أن نعيد النظر في طريقة تفكيرنا في مثل هذه المشاكل وفي أسلوب توليدنا للحلول فهو الذي وصل بنا اليوم إلى طريق مسدود ولم يبق بأيدينا سوى الصياح والمطالبة بالاعتذار والبابا لن يعتذر لأنه ببساطة لا يوجد شيء يجبره على ذلك.



وعندما كتبت أيام أزمة الرسوم الدنمركية مقالاً بينت فيه أن التحليل المحمل بالتركة التاريخية للصراع الصليبي الإسلامي لن يوصلنا إلى النتيجة الصحيحة وبالتالي لن نكون قادرين على توليد الحلول الناجعة، وان علينا تحمل المسئولية تجاه التيار الراديكالي المتشدد لدينا الذي ساهم بقوة في بعث الصورة النمطية للإسلام التي صورها مؤرخو القرون الوسطى الغربيون وبعض مستشرقي القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي وأظهروه فيها على أساس أنه دين أسس على العنف السياسي والاجتماعي وكتبت أيضاً أن الشعوب الغربية اليوم لم تعد هي شعوب القرون الوسطى أو شعوب القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في تدينها ومسيحيتها بل غلبت عليها اليوم النزعة المادية اللادينية وأصبحت تؤمن أكثر بقيم الحرية والمساواة والعدالة فالواحد منهم ربما يسب محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم السلام غدوة ويشتم عيسى - عليه السلام - عشياً وربما تهكم بالقرآن اليوم وبالإنجيل غداً وأن علينا أن ننتهج أساليب مغايرة في العمل تثبت لهم أن القيم التي يؤمنون بها هي قيم مشتركة وأننا بحق شعوب حرة وتحترم الحرية كقيمة والعدالة عندنا موجودة ومستقرة والمساواة في الحقوق والواجبات أصل من أصول حياتنا وأن كل ذلك بوحي من ديننا الإسلامي، لما كتبت ذلك وصفه بعض القراء (بالسذاجة والهراء) في رسائل إليكترونية وذكروا أن ردة الفعل الشعبية القوية ومقاطعة المنتجات الدنمركية سوف تلقن (بلاد البقر) على حد وصفهم درساً لن تنساه وستعلمهم قَدر المسلمين.



لقد كنت أتمنى أن يجيبني أحد ساعتها ويخبرني ما هو قَدر المسلمين اليوم؟! ومن هو الذي يظن أن أحوالهم تفرض الاحترام؟ إنها إذا لم أكن مبالغاً لتستدر الشفقة وتجلب البكاء بدلاً من الاحترام وإلا فقولوا لي بربكم كيف تفرض شعوب احترامها على أهل الأرض إذا كانت شعوباً تسود فيها الفوضى وعدم الاستقرار وتطغى عليها الأمية والجهل ويسيطر عليها الاستبداد وتغيب فيها الحريات شعوب تأكل أكثر مما تنتج وتبلي أكثر مما تنسج وتشتري أكثر مما تبيع.



إن شتائم البابا في حق الإسلام ليست صدفة ولم تكن (خارجة عن النص) بل هي شتائم مدروسة ومبرمجة ضمن استراتيجية محددة للبابا فهو يعلم أن الإسلام كدين يعد الآن المنافس الأقوى للمسيحية في عقر دارها وهو يعلم أيضاً أن ثمة اتحاداً بين قوى غربية في مواجهة المد الإسلامي وإن من الغباء أن يفوت الفرصة هو أيضا ولا يساهم في حملة التحريض ويحقق مصالح المؤسسة البابوية. وكل هذا لن تواجهه المقالات المطولة في الرد على اتهاماته أو التصريحات الغاضبة لرموز المسلمين أو المظاهرات الحاشدة في شوارع المدن العربية والإسلامية المطالبة بالاعتذار بل سيواجهه العمل الحقيقي في تحسين أوضاعنا السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، سيواجهه العمل الدؤوب لإضافة قيمة حقيقية لهذه الدنيا. والاحترام لا يفرض بالقوة بل هو نهاية سعيدة للعمل الجاد الصالح.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply