مباحث حول اختلالات المذهب الزيدي العقائدية والفقهية...


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

رغم كل ما نقوله عن اعتدال الزيدية وأنهم أقرب الفرق إلى أهل السنة والجماعة، إلا أننا يجب أن نعرف أنهم فرقة شيعية مخالفة للحق وما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمور كثيرة متعددة، وأبرزها الاعتزال والغلو في آل البيت كما سيأتي ذكره، إن شاء الله –تعالى-...

أولا: عقيدة زيد بن علي الذي ينسب المذهب إليه:

زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، هو الذي ينتسب الزيدية إليه، وهو انتساب شكلي لأنه لا يتبعون اختياراته الفقهية بل يتبعون اختيارات أئمة آخرين لهم، مثل الهادي يحيى بن الحسين وغيره...

وزيد بن علي هذا معتزلي العقيدة، أخذ عقيدته عن واصل بن عطاء رأس المعتزلة، ومؤسس هذه البدعة في الإسلام هو وعمرو بن عبيد...

وقد كانا (واصل وعمرو) طالبان في حلقة الحسن البصري أحد خيار التابعين وأعلمهم، فاعتزلا الحلقة وأخذا يثيران بعض المسائل المنحرفة المضللة، فسماهم المسلمون المعتزلة لاعتزالهم حلقة ذلك الإمام...

ثم أخذا ينشران مذهبهما، وكان زيد بن علي تلميذا لواصل بن عطاء...

وقد اعترض على دخول زيد بن علي مذهب الاعتزال الباطل هذا، أخوه محمد بن علي، الملقب الباقر، وهو الإمام الخامس لدى الاثني عشرية، وكذلك ابنه جعفر بن محمد، الملقب الصادق، الإمام السادس لدى الاثني عشرية، وجرت بينهما وبينه مناظرات عديدة فأبى إلا اتباع ذلك المذهب.

ومن ذلك ما جاء في كتاب طبقات المعتزلة للإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى قال: (وروي أن واصلا دخل المدينة ونزل على إبراهيم بن يحيى، فتسارع إليه زيد بن علي وابنه يحيى... فقال جعفر بن محمد الصادق لأصحابه: قوموا بنا إليه، فجاءه والقوم عنده...... فقال جعفر: أما بعد فإن الله -تعالى- بعث محمدا بالحق والبينات والنذر والآيات، وأنزل عليه (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فنحن عترة رسول الله وأقرب الناس إليه، وإنك يا واصل أتيت بأمر يفرق الكلمة، وتطعن به على الأئمة، وأنا أدعوكم إلى التوبة)

ثم ذكر رد واصل عليه واتهامه جعفر بن محمد بحب الدنيا والكلف بها، ودعاه إلى ما يراه حقا، حتى قال: (فتكلم زيد بن علي فأغلظ لجعفر -أي أنكر عليه ما قال- وقال: ما منعك من اتباعه إلا الحسد لنا، فتفرقوا...).

انظر طبقات المعتزلة صفحة 33، وانظر كتاب فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المخالفين للقاضي عبد الجبار بن أحمد شيخ المعتزلة صفحة35، وانظر كتاب الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني...

وقد روى هذه القصة الحاكم وغيره...

وقال ابن يزداد: كان زيد بن علي لا يخالف المعتزلة إلا بين المنزلتين، انظر كتاب الزيدية نشأتها ومعتقداتها لإسماعيل الأكوع صفحة 13...

 

ثانيا: الإمام الهادي يحيى بن الحسين معتزلي أيضا:

والزيدية في اليمن إنما يتبعون في مذهبهم الفقهي والعقدي كذلك إمامهم المعظم يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي المتوفي سنة 284 للهجرة...

وقد جاء من الحجاز لليمن بناء على دعوة من بعض قبائل خولان للحكم بينهم، واستقر في اليمن، وهو أول إمامة الزيدية، وقد كان عاد للحجاز ثم رجع لليمن مرة أخرى وتوفي فيها...

وقد أخذ علم الكلام والعقيدة الاعتزالية عن شيخه أبي القاسم البلخي....

وإنما يسمى الزيدية في اليمن الهادوية نسبة إليه...

 

ثالثا: إشكالية خطيرة في المذهب الهادوي:

وهي أن الإمام الهادي زعيم المذهب كان يرفض الاحتجاج بالصحيحين ويستهزأ بهما، وينتقصهما...

وكان يحتج لمسائله الفقهية واختياراته بأحاديث غير منضبطة يسمونها أحاديث وأسانيد أهل البيت، ليس لها زمام ولا خطام ....

حيث نقل عنه الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى في كتابه الغايات قوله أعني الإمام الهادي: (ولهم كتابان يسمونهما بالصحيحين (البخاري ومسلم) ولعمري أنهما عن الصحة لخاليان)...

وعقب المهدي على كلام الهادي!!! بقوله: (ولعمري أنه لا يقول ذلك على غير بصيرة)

وروى شعرا قوله:

إن شئت أن تختار لنفسك مذهبا * * * ينجيك يوم الحشر من لهب النار

فدع عنك قول الشافعي ومالك* * * وحنبل والمروي عن كعب أحبار

وخذ من أناس قولهم ورواتهم * * * روى جدهم عن جبرائيل عن الباري!!

وقال أحد الزيدية الهادوية المتعصبين، وهو أحمد بن سعد المسوري في رسالته (الرسالة المنقذة من الغواية في طريق الرواية) قال: (إن كل ما في الأمهات الست لا يحتج به وأنه كذب!!!!!!) بهجة الزمن في أخبار سنة 1052هـ.

وقد ذكر الإمام الشوكاني في كتابه أدب الطلب بطلان هذا المذهب المنحرف في رده للكتب الستة وقال: (ولو كان لهم أقل حظ من علم، وأحقر نصيب من فهم، لم يخف عليهم أن هذه الكتب لم يقصد مصنفوها إلا جمع ما بلغ إليهم من السنة بحسب ما بلغت إليه مقدرتهم، وانتهى إليه علمهم.... )

وقال: (ومن لم يفهم هذا فهو بهيمة لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب به النوع الإنساني، وغاية ما ظفر به من الفائدة بمعاداة كتب السنة التسجيل على نفسه بأنه مبتدع أشد الابتداع، فإن أهل البدع لم ينكروا جميع السنة) أدب الطلب 123-124

وانظر كتاب الزيدية لإسماعيل الأكوع 40...

 

رابعا: الزيدية قنطرة الاثني عشرية دائما:

قال الإمام محمد بن إبراهيم الوزير: ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضيا كبيرا...

وقد كان الزيدية دائما سبب لدخول المذهب الاثني عشري في الأماكن التي يتواجدون فيها، رغم التباين القوي بينهما في أصل الإمامة، والتكفير المتبادل بين بعض علماء المذهبين...

فقد أقيمت في نهايات القرن الهجري الثالث دولة للزيدية في بلاد الديلم والجيل في أجزاء مما تسمى إيران الآن، وقد تحولت مع الأيام إلى اثني عشرية، وخاصة لما سيطرت مجموعة منهم على الدولة العباسية في العراق وهم بنو بويه...

وحتى اليوم في اليمن، فإن الزيدية يهشون ويبشون لأي اثني عشري يأتيهم ويحترمونه، كله من باب محبة آل البيت وتقديرهم وتبجيلهم، وهو باب إفساد عظيم للدين وتغلغل لأفكار خطيرة، من نتائجه ما نلمسه اليوم في صعدة....

 

خامسا: المذهب الزيدي السبب الرئيس لعامة الاقتتالات والحروب في تاريخ اليمن في الإسلام:

وهذا أمر يعرفه كل من اطلع على التاريخ اليمني في الإسلام...

ولهذه المسألة سببان رئيسان:

الأول: مبدأ الخروج على أئمة الظلم الذي أخذه الزيدية من المعتزلة، وطبقوه أسوأ تطبيق، فكان كلما أراد زيدي علوي الملك خرج على صاحبه إمام الوقت، باعتباره ظالما أو فاجرا، وقامت معه بعض قبائل حاشد أو بكيل أو مذحج، ودخلوا في فتن لا حد لها، حتى أنه كان يجتمع ثلاثة أو أربعة أئمة في وقت واحد كل منهم في جهة من جهات اليمن الزيدية...

وجرت مذابح عظيمة، وتنكيل لا حد له، وأثبت هؤلاء الأدعياء أنهم مجرمون في الدماء في سبيل الملك، ووقعوا فيما يستنكرون على الأمويين والعباسيين فيه....

بل بلغ بهم الأمر إلى أن يكفر بعضهم بعضا لأقوال واختلافات فرعية حول الحكم وصحته كما حصل بين أتباع الإمامين الداعي والمؤيد يحيى بن الحسين في القرن الخامس الهجري من تكفير وقتال عظيم، كما ذكر ذلك الإمام محمد بن إبراهيم الوزير في كتابه القيم العواصم والقواصم، الجزء الثالث صفحة 457...

وعامة تاريخ الزيدية في اليمن شهد وجود أكثر من إمام زيدي مختلفين مقتتلين، ولم يستقر الأمر لواحد من الأئمة الزيدية إلا نادرا، فالمطهر مثلا الذي كان في القرن الهجري التاسع عارضه المهدي صلاح بن علي، والناصر...

وفي القرن الرابع مثلا تنازع الإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبد الله، مع الإمام يوسف الداعي، مع الشريف قاسم بن حسين الزيدي، هذا مع اقتتالهم الدائم حينذاك مع حكام بني زياد ولاة الخلافة العباسية في تهامة...

السبب الثاني لكون المذهب الزيدي في اليمن سبب لمعظم الاقتتالات والحروب في اليمن:

عدم انقياد زيدية اليمن لحكام من غير مذهبهم...

وهم في هذا على سنة أشباههم الشيعة من بقية المذاهب...

وإن رأينا وتأملنا في المذاهب السنية نجد الشافعية ينقادون لحاكم منهم أو من غيرهم سواء من الأحناف أو المالكية أو الحنابلة، وحتى للزيدية أحيانا، وكذلك بقية المذاهب السنية...

وفي هذا استقرار وتعامل مع الإنسان بحسب عموم إسلامه...

ولكن الزيدية لا يكادون ينقادون لأحد من غير مذهبهم إلا مكرهين وبالقوة، ولفترات محدودة، لا يلبثون بعدها أن ينتفضوا...

ولنأخذ نظرة تاريخية مختصرة:

حكم العثمانيون بلاد العرب والمسلمين سنوات كثيرة، وكانت مستقرة تحتهم من كان منهم شافعيا أو حنفيا أو مالكيا أو حنبليا....

إلا الشيعة في إيران والعراق، وشيعة اليمن الزيدية الذين انتفضوا ضدهم بسبب المذهب أساسا، وكان أكثر البلاد العربية اضطرابا أيام الخلافة العثمانية....

وعندما توسع بنو رسول الشافعية حكام اليمن، وكانت عاصمتهم تعز في القرون السابع والثامن الهجريان، وتوسعوا حتى نهاية بلاد عسير، وأطراف نجد، وخضعت لهم القبائل والمدن وتوحدت اليمن في عهدهم لأول مرة في الإسلام، بقي بعض حكام الزيدية يرفضون الدخول تحت حكمهم، بحجة شروط المذهب وأنهم ليسوا علويين، ورفضوا الانقياد لهم متحصنين في حصونهم في شهارة وغيرها، مقدمين صورة مشوهة عن الإسلام ووحدته....

وكذلك فقد قامت معارك عدة متعددة بين الأئمة الزيدية، وأبناء عمومتهم من الأدارسة العلويين الشافعية في عسير وجيزان وشمال تهامة، ورغم تحقق شرط العلوية في أولئك الأدارسة، إلا أن مسألة الاختلاف المذهبي كانت حاضرة هنا، وسببت مآس كثيرة وحروبا متعددة...

وأعجب من هذا تقاتل الزيدية بينهم البين بسبب خلافات داخل المذهب، واستحلالهم قتل بعضهم وتكفيرهم باللازم لأقوال واجتهادات....

كما حصل بين الإمام عبد الله بن حمزة والزيدية المطرفية، بسبب الخلاف حول جواز تولي أي مسلم من غير آل البيت للإمامة...

 

سادسا: هل بقي في اليمن من الزيدية غير الجارودية المتطرفين؟؟

وتتفرع عن هذا السؤال نقطتان: الأولى ما هي الجارودية، وإلى من تنسب؟

والثانية: السؤال المباشر: هل بقي في اليمن سواهم؟؟

وسأبدأ بالثانية، وأثني بالأولى إن شاء الله - تعالى -....

قال الإمام المنصور عبد الله بن حمزة: لا يُعلم في الأئمة - عليهم السلام - من بعد زيد - عليه السلام - من ليس بجارودي، وأتباعهم كذلك....

انظر (الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى) ص22 للدكتور محمد بن محمد الحاج حسن الكمالي، (الرسالة الموضحة للحق الرافعة للتلبيس عن الخلق)...

وقال نشوان بن سعيد الحميري - رحمه الله -: (إنه ليس باليمن من فرق الزيدية غير الجارودية، وهم بصنعاء وصعدة وما يليهما)... انظر شرح رسالة الحور العين ص 156

وقال العلامة محمد بن حسين الكبسي في وصف الفقيه أحمد بن أحمد الحملي : (وهذا الفقيه على نهج الشيعة الأول شديد الموالاة لوصي رسول الله، متجرما ممن عاداه..... وهو ضرير البصر، منور البصيرة، مضيء السريرة، من الشيعة الجارودية الذين هم في الحقيقة خلص الزيدية وأتباع العترة الزكية، فهم الذين على طريقة أئمة الآل)...

انظر النفحات المسكية للكبسي....

وقال القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه القيم الزيدية نشأتها ومعتقداتها: (وافترق متأخروا الجارودية إلى مطرفية وحسينية ومخترعة، وقد انقرضت الحسينية والمطرفية، ولم يبق إلا المخترعة، وهم أقرب ما يكون إلى الإمامية في كثير من المسائل الفروعية، ولا سيما العبادات..... ) انظر الزيدية نشأتها ومعتقداتها، ص 107

 

سابعا: من هم الزيدية الجارودية؟

إن علمنا أن عامة الزيدية المتبقين في اليمن جارودية فيحسن بنا أن نعرف أهم الخطوط العريضة لمذهب الجارودية... علما أن الجارودية فرقة زيدية غالية متطرفة....

تنسب الجارودية إلى رجل لقبه أبو الجارود، واسمه زياد بن المنذر الكوفي، وقيل أنه ثقفي، في أقوال أخرى، توفي سنة 160هـ..

وهو رجل متعصب منحرف، أطلق عليه محمد الباقر بن علي زين العابدين، لقب سرحوب، وهو شيطان أعمى يسكن البحر... انظر الزيدية للأكوع 23...

وسئل عنه جعفر الصادق فقال: لعنه الله، فإنه أعمى القلب، أعمى البصر، وقال عنه محمد بن سنان: أبو الجارود لم يمت حتى شرب المسكر، وتولى الكافرين... انظر الملل والنحل 1/160، والفهرست 226...

ومن أتباعه أبو خالد الواسطي، وفضل الرسان...

وأهم أفكار الجارودية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نص على علي خليفة من بعده بالوصف والإشارة دون التسمية والتعيين وهو الإمام بعده، والصحابة قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف، فكفروا بذلك... انظر مقالات الإسلاميين 66، الملل والنحل 1/157

ووصفهم الإمام يحيى بن حمزة ت749هـ بقوله: (وهم مختصون من بين سائر فرق الزيدية بالتخطئة للصحابة وتفسيقهم.... واعلم أنه ليس أحد من فرق الزيدية أطول لسانا، ولا أكثر تصريحا بالسوء في حق الصحابة من هذه الفرقة) الرسالة الوازعة 33....

ولهم أقوال أخرى متعددة لبعض فرقهم وطرقهم...

وهم ثلاث فرق: مطرفية وحسينية ومخترعة...

وزيدية اليمن الجارودية اليوم على طريقة المخترعة، كما ذكر ذلك القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه صفحة 92...

 

ثامنا: حول أن الأئمة (الملوك الزيدية) كانوا يتعيشون على التحريش بين القبائل وضربها ببعض....

(وقد كان الأئمة يضربون القبائل ببعضها، ويدفعون أتباعهم لجرائم السلب والنهب وانتهاك الحرمات، ويأخذون الناس بالظن والتهمة، كل ذلك في سبيل الوصول إلى الحكم، فإذا وصلوا فمن أجل ضمان بقاء الأمر في أيديهم، وهم يكللون فسادهم هذا بأن يستصدروا الأحكام الشرعية، تغل عليهم وتملأ خزائنهم، وتسكت خصومهم وترضي أنصارهم)

انظر كتاب ابن الأمير وعصره صفحة 197، وانظر ما ذكره زباره عن ذلك في نشر العرف 2/13...

 

تاسعا: أذية الزيدية للإمام ابن الأمير الصنعاني - رحمه الله تعالى -...

تعرض العلامة الكبير الإمام ابن الأمير الصنعاني (ت 1182هـ) لصنوف كثيرة من سوء تعامل الزيدية في عصره معه، بسبب اجتهاده وتمرده على التعصب والأخطاء الكثيرة الموجودة في المذاهب الزيدية، وإعلانه صراحة انحيازه للسنة وأهلها، ونقضه لكثير من مذاهب الزيدية المعاصرين له عقديا وفقهيا....

قال الإمام الشوكاني في كتابه أدب الطلب ص 27 متحدثا عن ابن الأمير الصنعاني:

)فعاداه أهل عصره وسعوا به إلى الملوك، ولم يتركوا في السعي عليه بما يضره جهدا، وطالت بينه وبينهم المصاولة والمقاولة، ولم يظفروا منه بطائل ولا نقصوه من جاه ولا مال، ورفعه الله عليهم وجعل كلمته العليا، ونشر له من المصنفات المطولة والمختصرة ما هو معلوم عند أهل هذه الديار..).

وقال ابن الأمير الصنعاني في قصيدة يخاطب فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-:

فإني قد أوذيت فيك لنصرتي * * * لسنتك الغراء في البر والبحر

وكم رام أقوام وهموا بسفكهم * * * دمي فأبى الرحمن نيلي بالضر

ديوان ابن الأمير الصنعاني، ص 205

 

عاشرا: معاداة الزيدية لكل العلماء المجتهدين المشتغلين بالكتاب والسنة التاركين للتعصب للمذهب

(على أنه، وإن صار الاجتهاد مبدأ معروفا في المذهب الزيدي، إلا أن من أخذ به، ومال إليه، وحققه في نفسه منهم، لم يسلم من شرور غائلة علماء الزيدية المقلدين وأتباعهم، لأنه يشق عليهم ترك التقليد وخروج المجتهد من مذهبهم، والاشتغال بأحكام الكتاب والسنة النبوية، ولهذا فإنهم يجعلونه هدفا يفوقون إليه سهامهم، فيرمونه بالنصب وبغض أهل البيت، ليثيروا عليه سخط عامة الناس، ويلفقون عليه تهما لا أساس لها من الصحة والواقع ليجعلوا منه عبرة للمعتبر، فيردعوا به من عنده الرغبة للعمل بالكتاب وصحيح السنة، فيكف عن ذلك..).

الزيدية للقاضي إسماعيل الأكوع 42...

 

حادي عشر: فقرة حول قيام المذهب الزيدي الهادوي على هيام في الروايات...

يصر أكثر الهادوية على الأخذ برواياتهم المنسوبة لآل البيت كما يزعمون، وهي روايات فيها الكثير من الضعيف وغير الثابت...

ويرفض كثير منهم أخذ روايات الكتب الحديثية المعتمدة، كالبخاري ومسلم، والسنن والمسانيد وغيرها، ويعتبرون خير الروايات التي يؤخذ بها للأحكام والعبادات والعقائد هي الروايات التي فيها عن أبي عن جدي عن جده عن جده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو ما يماثلها من مرويات آل البيت كما يزعمون، وكثير منهم غير موثق، وأكثر مروياتهم مرسل ومعضل، وبعضها موقوف أو مقطوع...

أما كتاب مسند زيد بن علي الذي يعتمدون عليه كأصح المراجع، فلا يصح الأخذ منه فراويه رجل ضعيف لا يؤخذ الحديث منه بدون متابع أو شاهد، كما بين ذلك العلامة المحدث الألباني -رحمه الله-...

قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى مبينا رفضه للروايات المسندة والصحيحة عن أئمة الحديث وتعصبه لمرويات ما يسمونه آل البيت:

إذا شئت أن تختار لنفسك مذهبا * * * ينجيك يوم الحشر من لهب النار

فدع عنك قول الشافعي ومالك * * *  وحنبل والمروي عن كعب أحبار

وخذ من أناس قولهم ورواتهم  * * *  روى جدهم عن جبرئيل عن الباري

وقال العلامة الزيدي الهادوي أحمد بن سعد الدين المسوري ت 1079 (إن كل ما في الأمهات الست لا يحتج به وإنه كذب) انظر الرسالة المنقذة من الغواية في طريق الرواية...

والأمهات الست هي أعظم كتب الحديث: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه...

وقال الإمام عبد الله بن حمزة ت 614هـ:

كم بين قولي عن أبي عن جده * * * وأبي أبي فهو النبي الهادي

وفتى يقول: حكى لنا أشياخنا * * * ما ذلك الإسناد من إسنادي

ما أحسن النظر البليغ لمنصف * * *  في مقتضى الإصدار والإيراد

خذا مادنا ودع البعيد لشأنه * * *  يغنيك دانيه عن الأبعاد

القول المعقول والمنقول في إيقاظ أهل التكاسل والغفول...

وعندما ملك الإمام العلامة محمد بن إبراهيم الوزير زمام الاجتهاد، وخلع عنه ربقة التقليد للمذهب الزيدي وبدأ يهاجم تعصب أتباعه وأخطائهم وانحرافاتهم، أرسل له أخوه الهادي بن إبراهيم الوزير قصيدة يحاول فيها إثناءه وإعادته لذلك المذهب المتعصب، ويبين له أن طرق الرواية عن آل البيت في المذهب الهادوي أفضل من روايات الحديث المعتمدة، فكان مما قاله:

مالي أراك وأنت صفوة سادة  * * *  طابت شمائلهم لطيب المحتد

تمتاز عنهم في مآخذ علمهم * * * وهم الذين علومهم تروي الصدي

أخذوا مباني علمهم وأصوله * * * عن أهلهم من سيد عن سيد!!!

سند عن الهادي وعن آبائه * * * لا عن كلام مسدد بن مسرهد!!!

سند عن الآباء والأجداد في * * * أحكامهم وفنونهم والمفرد!!!

انظر الجواب الناطق بالحق اليقين الشافي لصدور المتقين...

ومسدد بن مسرهد الذي يسخر الهادي بن إبراهيم من اسمه ووجوده في الروايات من أئمة النقل، روى له البخاري في صحيحه، وقال عنه الذهبي: الإمام الحافظ الحجة....

 

ثاني عشر: ولاء عامة زيدية اليمن للإمامية...

قال القاضي إسماعيل بن علي الأكوع: (ولهذا فإن أتباع هذه المذاهب -السنية الأربعة- يلحقون المذهب الزيدي الهادوي بمذهب الإمامية الجعفرية، لموافقته له في التشيع، وتقديس الأئمة، وتعظيم قبورهم، وجعلها مزارا لأتباعهم، ولمخالفة بعض علمائه المقلدين ما ورد من أحاديث في الصحاح والسننن وتشكيكهم في صحتها ومحاربة أهل السنة، وذلك لما بين المذهبين من وشائج القربى في كثير من المسائل الأصولية والفروعية...

فالإمام الهادي يحيى بن الحسين قد تأثر عقائديا بجده القاسم بن إبراهيم الرسي، الذي ولد ونشأ ودعا إلى نفسه بالإمامة من الكوفة منبت الشيعة ومهدها الأول)...

إلى أن قال: (ولذلك فلا غرابة ولا استنكار إذا أخذ زيدية اليمن يفتحون صدورهم لمن يفد عليهم من الشيعة الإمامية، ويرحبون بهم، وينزلونه منزلا كريما، كما حكى ذلك العلامة المقبلي بقوله: (ثم رأيناهم إذا وفد إمامي على هذه الدولة المباركة في اليمن الآن هشوا إليه وأجهشوا، وعشعشوا، وانتعشوا،

قائلا لمحمد بن إبراهيم جحاف: أراكم يفد على هذه الدولة المباركة الرجل من الإمامية، فكأنما وفد عليكم ملك، مع أن أصولهم - أي الإمامية- البراءة منكم، ومن سائر الفرق الإسلامية المنكرين للنص على أئمتهم (الاثني عشر)......

ثم أضاف المقبلي مخاطبا الرجل المذكور: وإذا جاءكم الرجل من أهل المذاهب الأربعة، فكأنما رأيتم شيطانا، مع أن من أصولهم وأمهات المسائل عندهم أن لا يكفر أحد من أهل القبلة، فأخبرني ما هذا؟

فما وجد من الجواب إلا أن قال: الإمامية لم يشتغلوا بنا ولا بأذيتنا، وهؤلاء يرموننا بالابتداع...

فقلت له: أيهما أعظم: الرمي بالبدعة مع الشهادة لكم بالإسلام، أم الرمي بالكفر واستحلال دمائكم وسبي نسائكم وأبنائكم واغتنام أموالكم؟ فألجم)).

انظر العلم الشامخ ص108، والزيدية نشأتها ومعتقداتها ص55

 

ثالث عشر: أذية الزيدية للعلماء المتحررين (العلامة صالح بن المهدي المقبلي نموذجا)

وهو أحد كبار العلماء في تاريخ اليمن المتأخر، وأحد رؤوس أهل السنة في اليمن ممن تمردوا على المذهب واعترضوا على أخطائه وجموده، فحورب وعودي أشد العداء، وتعرض لأنواع كثيرة من السباب والشتائم، ومن ذلك ما رماه به الشاعر الحسن بن علي الهبل في قوله:

المقبلي ناصبي * * * أعمى الشقاء بصره

فرق ما بين النبي * * * وأخيه حيدره

لا تعجبوا من بغضه * * * للعترة المطهرة

فأمه معرفة * * * لكن أبوه نكرة

وبعد كثير من الأذى من زيدية عصره، اضطر إلى ترك بيع بيته، وهاجر بأهله إلى مكة المكرمة، فسكنها حتى توفي فيها، وهو القائل:

برئت من التمذهب طول عمري * * * وآثرت الكتاب على الصحاب

ومالي والتمذهب وهو شيء * * *  يروح لدى المماري والمحابي

وقال أيضا:

ألم تعلما أني تركت التمذهبا * * *  وجانبت أن أعزا إليه وأنسبا

فلا شافعي، لا مالكي، لا حنبلي * * *  ولا حنفي، دع عنك ما كان أغربا

انظر العلم الشامخ 424-447

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

رائع

-

حسن المراني . صعدة اليمن

22:41:54 2017-11-30

هذا المقال يكتب بماء الذهب فنحن عانينا من الأئمة الهادوية مئات السنين ومازلنا نعاني فهم أهل البلاء