الحمد لله ولي المؤمنين ، وليس للكافرين من وال ،والصلاة والسلام على رسول الحق وخير الخلق ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، الكبيرالعظيم المتعال ، والصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد ، أما بعد : فلايختلف مؤمنان في أن أعظم ما يجب على العبد أن يحاول النجاة منه ، والخلاص من الوقوعفيه º هو عذاب النار ، فحرٌّها شديد ، وقعرها بعيد ، ومقامع أهلها من حديد ، يقذففيها كل جبار عنيد ، وهي تنادي : هل من مزيد ؟ هل من مزيد ؟ فهي دار العذابوالهوان ، ومحلٌّ العقوبة والخسران ، وموقع العار والذلة والحرمان ، أعدها اللهلأعدائه ، المحاربين لأوليائه ، والمجترئين على حرماته ، والمبارزين له بالعظائم ،فقد ملئت بكلِّ كريهة ، وحشرت بكلِّ طامَّة ، وأعدت لكل شقي عتيد عنيد ! فكيفالسبيل للوقاية منها ؟ وما طريق الحماية من الوقوع في دركاتها ؟ إنه الأيمانالصادق والعمل الصالح بعد رحمة أرحم الراحمين ، وعفو أكرم الأكرمين ، ومِنَة أجودالأجودين . ومن أعظم وأكرم الأعمال الصالحة التي أوجب الله بفضله على من عملهاº أن يذبَّ عن وجهه النار يوم القيامة ، ذبٌّ المسلم عن عرض أخيه المسلم ! فمنسمع عن أخيه المسلم مذمَّة من أكلة لحوم البشر الذين اشتغلوا بإخوانهم عن أعدائهمسبَّا وذمَّا ، وقدحاً وجرحاً ، فليقم لله قومة لا يخاف فيها لومة لائم أو غضبةناقم ، ليذب عن عرض أخيه ، وليذود عنه ، وليدافع دونه ، وليذكر محاسنه ، وليختلق لهالمعاذير ، وليحاول ـ بالحق ـ أن يُبري ساحته ، ثم عليه أن ينعطف أخرى على هؤلاءالمشتغلين بعيوب غيرهم ، والغافلين عن عيوب أنفسهم ، أولئك الذي أشغلهم الشيطانبنقائص المسلمين ، فاشتغلوا بها جمعاً ورصداً ، وذكراً وعدَّا ، ونشراً وصدّا ، فقدملئت قلوبهم بالأمراض المعطبة كالحسد الذي شرقوا به ، والحقد الذي ماتوا به كمداً ،والتعالي الذي أسقطهم في ظلمات الاستخفاف بالناس والاحتقار للخلق ، ورؤية النفسكالمعصومة ، فكأنما أصبحوا سدنة الجنة يدخلون فيها من يشاءون ، ويخرجون منها من لايحبون ، ويطبعون على من يخالفهم ـ فيما تسوغ فيه المخالفة ـ بالمروق عن الدينوالانحراف عن سير المؤمنين ، فهم ـ وفقط هم ـ من يسيرون على صراط مستقيم ، وغيرهمقد تنكب الصراط ، وانحرف عن المنهج ، وضل ضلالاً بعيداً ، لذلك لا تراهم إلا طاعنينمجرحين ، قادحين متنقصين ، كأنما احدهم يقول عن نفسه : لئن مات ابن معين ، وذهب ابنأبي حاتم ، وغاب الذهبي ، ورحل ابن الجوزي ، فما خلت الديار مني ، فقد ورثت علمهمبالجرح دون المدح ، وبالقدح دون التعديل ، فمن في المصر والعصر غيري ؟! ومن فيالساحة سواي ؟! مغرور مغمور ، خدعته نفسه فأعطبته ، وأوردته المهالك ، وغرهبالله الغرور ! فمن له ـ بعد الله ـ ليسكته إلا أنت ؟! فعن جابر وأبي طلحةالأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ قالا :قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :\"ما منامرئٍ, يخذُلُ مسلماً في موطن يُنتقصُ فيهٍ, من عِرضه ، ويُنتهكُ فيه من حُرمتهِ ،إلا خذلهُ الله تعالى في موطنٍ, يحبُ فيه نصرته ، وما من أحدٍ, ينصُرُ مسلماً فيموطنٍ, يُنتقصُ فيه من عِرضهِ ، تنتهكُ فيه من حُرمتهِ ، إلا نصره الله في موطنٍ,يحبٌّ فيه نُصرتهُ \" فالذب عن المؤمنين ، وخصوصاً º الصالحين من عباد اللهالمؤمنين ، كالعلماء العاملين ، والدعاة الصادقين ، والمجاهدين الصامدين ،والباذلين المنفقين ، والعاملين لهذا الدين ، من أعظم أسباب الوقاية والحماية مننار الجحيم في يوم القيامة والدين . فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن النبيـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :\" مَن ردَّ عن عِرضِ أخيهِ ردَّ عن وجههِ النار يومَالقيامةِ \" فهيّا أيها المظفر ، قل قولتك ، وقم قومتك ، لمن ابتلاهم مولاهمبطبيعة الخنزير ، فلا يقعون إلا على القذارات ، ولا يحومون إلا على الجيف ، ولايألفون إلا النتن والعفن ، فأسكتهم بالحق ، وأخرسهم بالصدق ، وأشغلهم ببناء أنفسهمعن هدم إخوانهم ، وبالتخلص من عيوبهم حتى لا يعيبوا بها غيرهم ، وعند الله يجتمعالخصوم !