جنوحٌ ألمّ بنفسٍ, فتوقفت لما رأت صعوبة الترحال، ومشقة بلوغ القمّة. وعنادٌ سافِرٌ على فطرتها جعلها تُطلقُ زفراتِ التذمّر كي تقنع القلب بعودة إلى حيث كان.
\" لستُ من هواة تسلّق الجبال، ولا صعود القمم، ولا كُنتُ يوماً ممن يحلمون بتحليقٍ, فوقَ السّحاب!
إنّها مهمّة الصّقور، فمالي ولها؟! أيُعقلُ أن أهجر راحتي، ولذّتي ومتعتي في سبيلِ سلوكِ طريقٍ, وعرة؟! هاهي الظّلمة قد اجتاحت الكون، لم أوقدُ أنا الشّمعة؟ وغيري أناسٌ قد أوقدوا شموعاً في الحياةِ فأطفأتها رياحٌ أقوى، فغادروها بحزنٍ, آسفين.. \"
ومازالت تطرقُ بابي غير آيسةٍ, من قبول، وأنا أتخبّطُ في موجِ محيطي، ساعة في صدٍّ, وأخرى في ردّ.
استبدلتُ كلّ أثوابي المُلوّنة بثوبٍ, أسود، ورأيتني فيه أزدادُ جمالاً، وزهواً وغروراً، ورأيتُ مرآتي تلومُ تغيّري، وأنجرفُ مع نفسي في تيّارٍ, صاخبٍ, لا يهدأ.
كلّما قاومته ازدادت شراسة ودفاعاً عن دونيّتها، وأرومُ عُلوّاً فتقاتلني غير آبهة بحزني، فقد رأت في القلب ثغرة، ولجت منها إلى الصّميم، وجمّلت كلّ غفلةٍ, في دربي، فسمعتُ وتألّمتُ لكنّي.. أطعت!
زمانٌ مضى يا نفسُ وأنا أجاري سيركِ فتبسُمينَ.
وتسمعين صوتَ نحيبي فلا تتألمين! أيرضيكِ حالي معكِ؟ لا.. لستِ ترضين.
كلّما قدّمتُ لكِ من روحي نصيباًº ازددتِ طمعاً حتى أعدّتني إلى طين، ومرّغتِ بهِ سموّي، ولاتكفّين.
أعوامٌ مضت، والسّحب السوداء جاثمة في وجه الشّمس، لم تنقشع منها سحابة تبين الحق.
أتوكأ على عصا الآلام وتصادفني آية تضعني في ميزانٍ, دقيقٍ, لا يكذب! وحاشى قولُ الحقّ أن يفعل.
ميزانُ نورٍ, أتوقّفُ ونفسي طويلاً أمامه، وتتجلّى الحقيقة واضحة وضوح الشّمس.
يقولُ - تعالى -\" أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله \"
وهُنا يصرخُ القلبُ يبكي من ندم..
أفنيتُ عمري مع الأدنى، وتركتُ الذي هو خير..
أيٌّ ذلّةٍ, قد وضعتني يا نفسُ فيها وأيّة مسكنة؟!
إنّه الغضبُ الذي إن كان من علاّم الغيوب أوصل للهلاك..
رُحمـــــــاك.. !
نظرتُ للعالمِ حولي أضعه في ميزان الحكم العدل \" أتستبدلون الذي هو أدنى.. \"
في كلّ حركة وسكنة، في كلّ قولٍ, وعمل، في الخطرات والعبرات والسكنات واللمحات..
كم استبدلوا الذي هو أدنى.. وكم زهدنا بالذي هو خير!
كم بُدّلوا من حقائق، وزيّفوا وأظهروها في مظهر الحق ابتغاء للأدنى!
وكم استنزفوا قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم على أرصفة الذي هو أدنى، ابتغاء مصلحة زائلة، ورغبة جامحة، وزيادةً في تعنّت نفس لا تورد إلا هلاكاً.
وكم ماتت القيم على قارعة الحياةٍ, انتزاعاً للحياة، وابتغاءً لمتعة دنيا!
وعلى أبواب الحقيقة كم تلوّنت وجوههم، وكم لهثوا خلفها ادعاءً ورياءً..
ظنوا بأنهم أهل السموّ، فتكشفت حقائقهم، وسقطت أقنعتهم المزيّفة ذات صدق فاحترقت قلوبهم وغدت رماداً، وماذا يرتجى من رماد ظنّ نفسه ذهباً؟
لا عجب أنّنا نتخبّطُ في ذلّة ومسكنة، نتساءلُ عن مصائب تلمّ بنا: لِمَ يغضب؟ فقد أطعناه.. !
ومازالَ في الصّحيفة تُكتبُ الأعمال، ومازلنا مغيّبون عن الموازنة!
وحتى تقوم الساعة سيبقى الصّراع، فمن يؤثر الأعلى ستضحكُ له حورُ الجنان، ومن تهالك لرضاء نفسه سيحيا ذليلاً، ويموت ذليلاً، ويحشرُ مع الأذلاء.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد