(وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) [1] بهذا التلهف الأسيف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لانقطاع السرد والقص، في قصة الخضر وموسى - عليهما السلام -، بهذا التلهف تتأوج مكانة القصة بين بقية الأنواع الأدبية، كما تتوزع قضاياها في القرآن الكريم، وتتوسع شبكة اهـتماماتها، فتنعكس على مرآة القص في القرآن نفسية اليهود وقد عرّتهم الآيات من كل الغرر، وطوقت أعناقهم بكل العرر لتلازمهم أوصافهم كألوان عيونهم، وفي قصص القرآن صورة الأبوة المرّزأة المفجعة في يعقوب، والأمومة المولهة كما في أم موسى...
إنها رصيد التجربة وتقطير المسيرة التاريخية، فهي في الشكل كما قال - تعالى -: (أَحسَنَ القَصَصِ).
أما المضمون فاقرأ قوله عز اسمه: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل) (التاريخ) (ما نثبت به فؤادك) (التربية والطمأنينة) (وجاءك في هذه الحق وذكرى) (للقص مضمون علمي) (وموعظة للمؤمنين) (الوعظ) أو التطهير (هدفان دائمان للأدب... ).
القصة القرآنية ليست أزجاء للأعمار في مستنقعات الفن الرخيص الذي تسبح فيه بعض الأقلام التي تتقرى وجبات الجنس ثم تتقيأ سوادها على بياض القرطاس...
يقول العقاد عن خطورة هذا الاتجاه: » لا فرق بين من يحتال لكسب المال من إدارة أماكن الفساد، ومن يحتال لكسبه من ترويج كتب الفساد، بل ربما كانت مصيبة الأماكن التي تدار للإتجار بالأعراض أهون خطراً من مصيبة الكتب التي تعرض للبيع في كل سوق، لأن البيت الواحد مقصور على زواره الباحثين عنه ولكن الكتاب الذي تباع منه مئات النسخ أو ألوفها خطر يقع فيه كل من يلقاه في طريقه إلى المكتب أو الرصيف.
وفي القصة القرآنية لا يبستر البطل أو يختزل، بل يعطى فرصة متساوية مع البطل الضد، يعطي كلا البطلين الممثلين لقضيتين مختلفتين فرصاً متساوية في إظهار هويتهما الفكرية مهما تكن فجة ومتعجرفة أو بهيمية متمردة.
تسجل هذه القصة قاله فرعون لعنه الله: (أنا ربكم الأعلى) - (ما علمت لكم من إله غيري).
ومقولة قارون: (إنما أوتيته على علم عندي).
ولمن سال لعابهم أمام ثروة قارون (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون) يسجل ذلك كله لأن الشر في العمل الفني لا يموت بكبته واختصار حضوره كما في نتاج بعض الأصوات الأدبية، وأن الخير لا ينصف بتهميش دوره وتقزيم حضوره كما يلحظ في قصص العلمانيين والملحدين.
وذلك لأن الفن الأدبي أشبه بإقامة المرآة أمام الحياة لتعكس للفضيلة محياها وللزاوية صورتها ولجسد العصر والمجتمع شكله وأثره.
وفي القصة القرآنية إشادة واضحة بصراحة الفعل وصراخة الموقف، ففي سورة طه خطاب موسى - عليه السلام - فرعون وحاشيته في بعض فصول قصة فرعون وموسى والتي جاءت منجمة في سور القرآن، كقول رسول الله موسى - عليه السلام -: (ويلَكُم لا تَفتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسحِتَكُم بِعَذَابٍ, وقَد خَابَ مَنِ افتَرَى).
وحين تفلس قضية فرض الكفر والإلحاد يلجأ فرعون إلى أقصر الطرق للإقناع » ذروني أقتل موسى « ويتوحد القول والفعل والموقف في شخصية مؤمن آل فرعون هذه الشخصية يعرضها لنا القرآن الكريم عبر صوت هادئ وقور، يوجه خطابه لا لخصمه وحده بل للبشرية جميعها، وفي هذا الخطاب تتحقق أهم خصوصيات العمل الأدبي.
تجاوزه المناسبة التي قيل فيها ليكون غير مقيد بالزمان أو محتجز بالمكان ولتصبح علاقته بالزمان والمكان علاقة عطائية تجددية (أَتَقتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) لم يرد في ثنايا الآيات اسم الرجل وهذا اتجاه أدبي وذلك بعرض القضية لا الشخصية.
ويلاحظ أن أبا بكر استشهد بهذه الآية غداة موقف مماثل تعرض له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
كما في هذا الموقف حتمية خذلان الدجاجلة (إنَّ اللَّهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ).
كما في موقف هذه الشخصية الكشف عن السنن الدائمة الثابتة لحركة التأريخ، وأنها تعمل ضد أولئك الذين يحادون الله ورسوله.(يَا قَومِ لَكُمُ المُلكُ اليَومَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأسِ اللَّهِ إن جَاءَنَا).
وإذا استعرضنا نموذج المرأة في القرآن الكريم لا نجد هذا النموذج انتفائياً لا يعرض للمرأة إلا صورة واحدة، أو استلابياً بحيث تبدو فيه المرأة سلعة أو شيئاً، إن (نموذج) المرأة في القرآن أو صورة المرأة في القصة القرآنية جاءت متكاملة متوازنة فيها: الأمومة الحانية: (وإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ).
والمولهة: (وأَصبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً).
والحاكمة: كما في سورة النحل أثناء الحديث عن سبأ (إنِّي وجَدتٌّ امرَأَةً تَملِكُهُم وأُوتِيَت مِن كُلِّ شَيءٍ,).
والمحكومة: (وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امرَأَتَ فِرعَونَ إذ قَالَت رَبِّ ابنِ لِي عِندَكَ بَيتاً فِي الجَنَّةِ).
والمحادة لزوجها: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امرَأَتَ نُوحٍ, وامرَأَتَ لُوطٍ,).
والخاضعة لشهوتها ثم النائية: (أَنَا رَاوَدتٌّهُ عَن نَّفسِهِ).
(إنَّ النَّفسَ لأَمَّارَةٌ بِالسٌّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
ومستهدفة بالإشاعة كما روج أهل الإفك لأمنا عائشة - رضي الله عنها -: (إذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وتَقُولُونَ بِأَفوَاهِكُم مَّا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وتَحسَبُونَهُ هَيِّناً وهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ).
وفي التطبيق العملي أقدم قصة يوسف - عليه السلام - والتي وصفها الله عز وجل بقوله (أَحسَنَ القَصَصِ) ولقد استأثرت القصة بالسورة كلها.
والقصة تنطلق من رؤيا ليوسف - عليه السلام - تتحول إلى مأساة عائلية، ثم تنحو منحى إنسانياً، إذ يدخل فيها أكثر من طرف، وتحفل بأكثر من دور، وتعالج القضايا ذوات العدد.
ومكان القصة يتردد بين مصر وفلسطين.
والزمن التاريخي فترة نبوة يعقوب ويوسف.
والرؤيا هي نقطة البدء في القص كما نلحظ بأنها حدث مركزي فقد ترددت في حوار يوسف مع صاحبي السجن عندما سألاه عن رؤيتيهما، وكان في تفسير يوسف - عليه السلام - لرؤيتيهما نقطة تحول في سير القصة حيث أهله ذلك لينتقل من السجن إلى قصر العزيز، وفي المرة الثالثة تحمل الرؤيا يوسف - عليه السلام - إلى الوزارة وهي بداية المأساة ونهايتها.
وبدأ السرد برؤيا أو بقول القاص (رأيت فيما يرى النائم) تقنية أخذ بها القاص في العصر الحديث وطورها.
والانطلاق في القصة من الرؤيا يتيح للقاص مجالاً أوسع في المعالجة حيث يتمكن من مزج الخيال واللا واقع بالواقع كما يعفيه من المسؤولية غير الأدبية عن إبداعه.
وجانب القضايا التي في قصة يوسف - عليه السلام - وإن كان يبدو شخصياً فهو ليس بعيداً عن الإنسانية كلها وهذه ميزة القصة العظيمة التي لا تتقوقع في ذاتها حول نقسها، بل هي بقدر ما تكون صورة لصاحبها تكون في الوقت نفسه مرآة للبشرية كلها.
فما أعطي يوسف من حسن في الحديث الصحيح (شطر الحسن) ومنزلة عند أبيه أشعل الغيرة في قلوب اخوته، وهذه الغيرة دفعت بعضهم أن يقترح التصفية الجسدية ليوسف - عليه السلام - وهذه القضية تجبرنا على قراءة عميقة لكثير من خصومات البشرية لنتبين أن تغطية هذه الخصومات بالعلم أو بالمصلحة العامة ما هي إلا غطاء للمشكلة الأساس (الحسد)، ورحم الله عمر بن أبي ربيعة القائل: وقديماً كان في الناس الحسد..
والقضية الثانية قضية المرأة، فمكانة امرأة العزيز الاجتماعية لم تعصمها عن مراودة يوسف - عليه السلام -، وكانت الخلوة وجمال يوسف من دوافع هذه المراودة ويبدأ الصراع ولكن بين امرأة العزيز وبين الفضيلة متمثلة بيوسف - عليه السلام -.
ولقد دار الجزء الأكبر من الفن القصصي منذ أقدم الأزمنة حتى الآن حول مثل هذا الموضوع موضوع المرأة.
ولقد تطور موقف امرأة العزيز في القصة فبعد أن أخفقت في محاولتها انتقلت للضغط المادي والمعنوي على يوسف بالأمر بسجنه (ليسجننّ وليكونا من الصاغرين) مستغلة في ذلك سلطتها ومكانتها، وعلينا أن نلاحظ أن شخصية يوسف - عليه السلام - كانت سبباً حمل إخوته على إبعاده، وأن هذه المزايا هي التي حملت أيضاً امرأة العزيز على إلقائه في غياهب السجن ويوسف كان مظلوماً في الحالين.
ولكن الحدث ينضج امرأة العزيز فهي ما أن تسمع بأن الألسنة أخذت تلوك سمعتها إلا وتقرر المبادرة إلى إمتحان عملي لمن تناول موقفها باللوم وتأتي النتيجة لصالحها (فَلَمَّا سَمِعَت بِمَكرِهِنَّ أَرسَلَت إلَيهِنَّ وأَعتَدَت لَهُنَّ مُتَّكَأً وآتَت كُلَّ واحِدَةٍ, مِّنهُنَّ سِكِّيناً وقَالَتِ اخرُج عَلَيهِنَّ فَلَمَّا رَأَينَهُ أَكبَرنَهُ وقَطَّعنَ أَيدِيَهُنَّ وقُلنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إن هَذَا إلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ).
ولم يكن يوسف - عليه السلام - ليقبل بالمساومة أو ليرهبه السجن فذكريات الجب قريبة وهو أشد ظلماً وإيلاماً من السجن الذي يكون دخوله بداية لمرحلة مهمة في القصة.
أما امرأة العزيز التي خسرت بداية المعركة على صعيد ما فقد كسبتها في النهاية وطهرها الحدث من موقفها السابق فهي تعترف بمراودة يوسف (أَنَا رَاوَدتٌّهُ عَن نَّفسِهِ وإنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعلَمَ أَنِّي لَم أَخُنهُ بِالغَيبِ وأَنَّ اللَّهَ لا يَهدِي كَيدَ الخَائِنِينَ * ومَا أُبَرِّئُ نَفسِي إنَّ النَّفسَ لأَمَّارَةٌ بِالسٌّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
وهكذا فقد انتهت القصة لصالحها وهو ما فازت به من نضج وتوبة، ولصالح يوسف وهي الثقة التي مهدت له أكثر عند العزيز وأخيراً لا آخراً إن اعترافات امرأة العزيز تخلي نهائياً ساحة سيدنا يوسف - عليه السلام - من أي خطأ وهذا لو تنبه له بعض المفسرين لما أطالوا في مناقشة هذه القضية، وفي نهاية القصة إيماءة إلى أن القص ليس نشر المباذل وتجميل السواقط، بل إن المسؤولية الأدبية والفنية للأديب يجب أن تجعله وفياً للتعاقد المعنوي القائم بينه وبين القراء فلا يجعل من عقره وسقوطه عقداً وسقوطاً لقرائه.
ولم يكن يوسف ليجعل من السجن وقتاً ضائعاً وانخراطاً في عالمه الساقط (أي عالم السجن) بل حوله الى مدرسة تربوية لتعليم العقيدة الصحيحة مستغلاً حاجة سائليه إلى تأويل الرؤيا: (يَا صَاحِبَيِ السِّجنِ أَأَربَابٌ مٌّتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ * مَا تَعبُدُونَ مِن دُونِهِ إلاَّ أَسمَاءً سَمَّيتُمُوهَا أَنتُم وآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلطَانٍ, إنِ الحُكمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ).
أرأيت إلى إيجابية وعطائية هذه الشخصية، فالسجن إن حبس الجسد بين أسواره فلن يحبس اللسان والجنان، ولم يحل بين الداعية ودعوته.
وكما استغل يوسف حاجة صاحبيه في السجن للدعوة إلى التوحيد استغل حاجة إخوانه إلى الامتيار من خيرات مصر، ورسم خطة للأحداث تنتهي بمواجهتهم وانتزاع هذه الشهادة منهم (تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينَا وإن كُنَّا لَخَاطِئِينَ).
هذه الشهادة تأتي متوازية مع شهادة امرأة العزيز وقبل كل ذلك وبعده هناك يعقوب الذي يتابع هذه المأساة بالصبر ثم تنفرج أساريره عندما انتهت المأساة إلى الحل.
ونجد حسن ظنه بالله (ولا تَيأَسُوا مِن رَّوحِ اللَّهِ).
(إنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ).
كما نجد مثل ذلك عند يوسف - عليه السلام - (فاستعصم -معاذ الله -إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون).
وأخيراً أدعو القارئ الكريم إلى التأمل في هذه الشذرات اللغوية الآسرة الساحرة والتي وردت في القصة، أختار بعضها: (إنِّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَباً والشَّمسَ والقَمَرَ رَأَيتُهُم لِي سَاجِدِينَ).
(يَخلُ لَكُم وجهُ أَبِيكُم).
(أَرسِلهُ مَعَنَا غَداً يَرتَع ويَلعَب).
(أَجمَعُوا أَن يَجعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الجُبِّ).
(هَيتَ لَكَ).
(واستَبَقَا البَابَ).
(قَد شَغَفَهَا حُباً).
(قَالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبٌّ إلَيَّ مِمَّا يَدعُونَنِي إلَيهِ).
(يُوسُفُ أَيٌّهَا الصِّدِيقُ).
(تَزرَعُونَ سَبعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتٌّم فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ).
(الآنَ حَصحَصَ الحَقٌّ) (وأَنَّ اللَّهَ لا يَهدِي كَيدَ الخَائِنِينَ).
(ومَا أُبَرِّئُ نَفسِي إنَّ النَّفسَ لأَمَّارَةٌ بِالسٌّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي).
(فَلَمَّا استَيأَسُوا مِنهُ خَلَصُوا نَجِياً).
(واسأَلِ القَريَةَ الَتِي كُنَّا فِيهَا والعِيرَ الَتِي أَقبَلنَا فِيهَا).
(يَا بَنِيَّ اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأَخِيهِ ولا تَيأَسُوا مِن رَّوحِ اللَّهِ إنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَّوحِ اللَّهِ إلاَّ القَومُ الكَافِرُونَ).
(لا تَثرِيبَ عَلَيكُمُ).
(إنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَولا أَن تُفَنِّدُونِ).
إنه لدرس لكثير من كتاب القصة الذين تشاغلوا بالواقع عن المعمار اللغوي المتأنق، وتنبيه للجماليين بأن خدمة الموضوع وقضايا المجتمع عطاء للشكل الأدبي الذي يصبح بدونه إيقاعاً خالياً من أي معنى.
القصة مدرسة مفتوحة تكسر حدود العرف فهي في غرفة النوم، وقاعة الدرس، وكرسي الطائرة، تستخدم اللغة وتخدمها وتعلم الأمة وتمتعها، وتنقل الينا عبر هذه الوسيلة السحرية - اللغة -تجارب الآخرين المخففة والناضجة والتي تمتد سنين وقروناً نعتصرها في يوم أو بعض يوم فنعيش عمرنا أعماراً وعصرنا أعصاراً.
ولئن كانت القصة بهذه المنزلة فإنتاجها يكون ضرورة أدبية وتوظيفها يغدو مسؤولية شرعية، فقد وظفت في القرآن كما رأينا ولذا فمراجعة الأديب المسلم الدائمة للنموذج القرآني في القصة من الأهمية بمكان عظيم حتى يكون أدبه صوتاً لا صدى، وهادفاً لا هاتفاً.
ولقد اخترت الكلام عن القصة لأنها باتت من أهم الأنواع الأدبية الحديثة، والكثيرون من النقاد يرون بأنها ستكون في المستقبل - وربما صارت - الجنس الأدبي الذي يحتكر القراءة والقراء، ففيها من الشعر لغته، ومن المسرح قضيته، ومن المعروف أن الشعر ذا الطابع القصصي يتقدم على ما سوا 5.
وإذا عرفنا أن القصة هي المشكل الأول لعقل الطفل ولغته، والمكون الأساسي لثقافة الكثير من شبابنا وشاباتنا، فلو رحنا نحلل فكرياً وسلوكياً ثقافة هذه الشريحة لوجدناها غالباً لا تعدو مجموعة من القصص، إذا عرفتا ذلك أدركنا أهمية هذا الفن.
إن القصة تفعل الماضي وتخصبه ليكون المستقبل لأنها حوار الأنا والتاريخ.
ويإنتاجنا للقصة الجادة نجبه النص الضد، والكتابة المنشقة على الإسلام، ونحول بين عقول قرائنا وبين التلوث الفكري وأدب السوق السوداء الذي يزاحم الفضيلة ويتمدد على حساب قيمنا.
هل لي أن أذكر بأن المعاناة والنية الطيبة والالتزام تشكل مرتكزاً للنهوض بهذا الفن شريطة أن يرتكز هذا النهوض على موهبة في القص وقراءة نهمة في الإنتاج المحلي والعالمي ليكون صوتنا منسجماً مع إيقاع العصر؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد