يروج الحديث عن الأدب الإسلامي المعاصر في المشهد الثقافي العربي باعتباره تيارا أدبياً له لونه الخاص ورسالته المتميزة، وله رؤيا للعالم تنطلق من التصور الإسلامي للكون وللحياة. بيد أن بعض النصوص المحسوبة على هذا الاتجاه الأدبي، كثيراً ما تحصر اهتمامها في الجانب الدعوي المضموني، وتترك جانباً النواحي الفنية والبلاغية التي من شأنها أن تدخلها في إطار الأدبية، كما أن بعض المهتمين بدراسة الأدب الإسلامي غالباً ما يبعدون عن مجال دراستهم واهتمامهم أدباء وشعراء تمتلئ كثير من نصوصهم بنفحات الإيمان. هذا فضلا عن أن بعض الذين يعنون بالأدب الإسلامي المعاصر غالباً ما يتقوقعون ـ على مستوى القراءة والإطلاع ـ في قوقعة ما ينتجه الكتاب والأدباء المحسوبون على هذا التيار مما يخلق الجهل بالآخر، ويهدم جسور التواصل بينهم وبينه. وقد حاولت في هذه المقالة معالجة هذه القضايا انطلاقاً من العناوين الآتية:
1 ـ التوسيع لا التضييق:
حينما يتم الحديث عن الأدب الإسلامي المعاصر، يكتفي بالحديث عن ذلك الأدب الذي أنتجه كتاب وأدباء يؤطرون عادة في إطار الأدب الإسلامي، سواء في المشرق أو في المغرب، فيذكر ـ على سبيل المثال ـ إقبال وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي وعمر بهاء الدين الأميري وعماد الدين الخليل وغيرهم من الرعيل الأول، ويذكر ـ ونعتز أيما اعتزاز بذكرهم ـ رواد الأدب الإسلامي في المغرب: الشاعر حسن الأمراني والشاعر محمد علي الرباوي، ولضيق المجال نستسمح عن عدم ذكر الآخرين.
والحقيقة أن من الخير للأدب الإسلامي أن يوسع دائرته. لماذا لا نضم إلي كوكبة الشعراء الإسلاميين ـ مثلا ـ شعراء أمثال أحمد شوقي ـ بدر شاكر السياب ـ محمد الفيتوري؟
أليس شوقي هو صاحب قصيدتي الهمزية و نهج البردة، وكلا القصيدتين مفعمة بروح المحبة والتقدير والإيمان بالرسول الكريم:
وُلِد الهدي فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناءُ
ألم يتب بدر شاكر السياب، ويلجا إلى ربه الرحمن الرحيم، مبتهلا إليه أن يخفف آلامه بتلك القصيدة المؤثرة سفر أيوب المتسربلة بأنفاس الإيمان والرضى بقضاء الله وقدره؟ :
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الألم
لك الحمد إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ثم من يخفف عذابات شاعر مرهف الحس، ملتحم بقضايا أمته مثل محمد الفيتوري بعد أن تلقت نفسه طعنات النكسة العربية 1967، إلا اللجوء إلى حبيبه النبي محمد (صلى الله عليهم و سلم)، والطواف حول الكعبة المشرفة، يستمد منها القوة، والصبر، والإيمان بانتصار الحق؟
2 ـ الشعرية لا الشعارية:
المعروف أن النص الأدبي باعتباره قطعة أدبية يجيب بشكل أساس على السؤالين الآتيين:
أ ـ ماذا يقول؟
ب ـ كيف يقول؟
فالسؤال الأول يتعلق بالرسالة التي يريد أن يرسلها النص إلى متلقين محتملين.
والسؤال الثاني يتصل بالطريقة والوسائل الفنية التي يتوسل بها المبدع لكي يرسل هذه الرسالة على نحو يتسم بالجمال وقوة التأثير. فالأدب الحق سواء كان شعراً أو نثراً هو الذي يهيمن عليه ما يسمى ببلاغة الإمتاع، مبتعداً عن الخطابة والتقريرية والمباشرة. وقد عالج د. محمد مندور هذه القضية في بحثه الذائع الصيت الأدب المهموس. يقول: الهمس ليس معناه الضعف، فالشـــاعر القوي هو الذي يهمس، فتحس صوته خارجا من أعماق نفسه في نغمات حارة، ولكنه غير الخطابة التي تغلب على شعرنا فتفسده، إذ تبعد به عن النفس، عن الصدق، عن الدنو من القلوب (في الميزان الجديد، ص: 69).
ومعنى هذا أن الحديث الهامس المعتمد على أدوات فنية مؤثرة يستطيع أن ينفذ إلى القلوب. أما الحديث الضاج القائم على الوعظ والإرشاد، فغالباً ما يبقى على السطح، ولا يتجاوز الآذان إلى شغاف القلوب.
إن الشعرية لا الشعارية هي القمينة بإيصال الرسالة على الوجه الأحسن. إنها القادرة على الخلود والبقاء. فشعرية شوقي استطاعت الصمود إزاء معاول ناقد عنيد هو العقاد نعم العقاد أهدر دم شوقي الإنسان، ولكنه لم يفلح في أن يهدر دم شوقي الشاعر حيث ظل شامخاً بشعره، متعالياً عن الاسقاطات المنهجية (أحمد الطريبق، الملحق الثقافي لجريدة العلم / 3 ـ 1 ـ 2004).
وكثيرا ما كان يطرح في المشهد الأدبي العربي مسألة أفضلية الشكل الشعري المناسب للتعبير عن روح العصر. ويبدو أن الأمر أصبح اليوم محسوما، ذلك أن القضية ليست قضية قصيدة عمودية أو قصيدة حرة أو قصيدة نثر، بل إن القضية الأساس تكمن في وجود الشعرية أو عدمها في هذا الشكل أو ذاك. أي ضرورة أن يتوفر العمل الشعري مهما
كان شكله علي عناصر فنية هي التي من شأنها أن تجعل منه نصا أدبياً يستحق هذا الاسم. فـ شعر الجواهري شــــعر كلاسي، ولكنه شعر بامتياز حتى لتضيق عنه المــــناهج الأحــــادية، وقد نختلف مع الشـــاعر أيا كان في موقفه، ولكن الذي يصهرنا معه في بوتقة التوحد و التوحيد هو الشعر (أحمد الطريبق / المرجع السابق).
حقا، قد نختلف مع شاعر كنزار قباني في رؤيته للعالم، ولكننا لا يمكن أن ننكر شاعريته.
3 ـ الانفتاح لا الانطواء:
إن اعتماد مبدأ الحوار والتواصل والانفتاح على الآخر أمر ضروري. وذلك قصد التعارف والتعرف والاستفادة وكسر طوق التباعد والتجاهل للآخر، فلا ينبغي قصر الاهتمام والمتابعة على ما يصدره الكتاب والأدباء الذين يؤطرون ضمن الأدب الإسلامي، بل ينبغي متابعة ما تنتجه يراعة الكتاب والأدباء من مختلف الاتجاهات سواء في المشرق أو المغرب قراءة ودراسة. وقد أتيح لي مؤخراً أن أقرأ رواية جديدة للكاتب المغربي المبدع محمد أنقار بعنوان المصري، فوجدت فيها نفحات إيمانية عميقة، فضلا عن لغتها الأدبية الرفيعة. وما أكثر الإنتاجات الأدبية التي تستحق منا الاهتمام والمتابعة لما تعالجه من قضايا إنسانية عميقة وشاملة تهم الإنسان المعاصر الذي يعاني أزمات مادية وروحية محلياً وعربياً وعالمياً.
نذكر من أصحابها على سبيل التمثيل لا الحصر: بهاء طاهر، علاء الديب، ميسون صقر، إبراهيم عبد المجيد، محمد عز الدين التازي، أحمد المديني، إدريس الملياني، إدريس الناقوري، أحمد زيادي، أحمد الطريبق، عبد الكريم الطبال ومحمد الشيخي. وفي إطار الحوار والتواصل، تجدر الاستفادة من معطيات المناهج النقدية والأدبية الحديثة في تعاملنا مع المتون الأدبية التي تتاح لنا دراستها بدون أية عقدة، فتلك معارف إنسانية مطروحة في الطريق، علينا فقط أن نحسن الأخذ منها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد