إن طبيعة الإنسان تنجذب إلى كل ما هو جميل(1)، وقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن الله جميل يحب الجمال)، وقد شاءت قدرة المبدع البديع الخالق - سبحانه وتعالى- أن يجعل من الجمال ـ في شتى صوره ـ مناط رضى وسعادة لدى الإنسان، واستساغة الجمال حق مشاع، وربما تختلف مقاييسه من فرد لفرد، ومن عصر لعصر، لكنه اختلاف محدود قد يمس جانباً من الجوانب، أو عنصراً من العناصر التي تشكل القيمة الجمالية، ولم يقف الإحساس بجمال عند النظرة الشاملة، أو الانطباع المبهم أو الإيحاء التلقائي السريع، ويقول الدكتور زكي نجيب محمود: (الإنسان العادي من جمهور الناس، إذا عرف في حياته الجارية، كيف يفرق بين ما هو جميل وما هو قبيح فيما يحبط به من أشياء، فإنه مع معرفته تلك، يظل بعيداً أشد البعد عن القدرة على بيان الأسس التي إذا توافرت في شيء ما، كان ذلك الشيء جميلاً، وإذا غابت عن شيء ما، كان ذلك الشيء مسلوب الجمال، بمقدار ما غاب عنه من تلك الأسس، وقد يحدث هنا أن يتصدى للمشكلة مفكر موهوب في عمق التفكير ودقته، فيتناول هذه التفرقة بين الجمال والقبح، حتى يصوغ أسسها ومبادئها وشروطها، وعندئذ يقال عن مثل هذا المفكر: إنه فيلسوف، كما يقال عما يكتبه في هذا الموضوع: إنه (فلسفة الجمال)، ولنلحظ هنا أن عملية النقد في مجال الفن والأدب، إنما هي فرع يتفرع عن (فلسفة الجمال)، ولذلك فقد يختلف النقاد في الأساس الذي يقيمون عليه نقدهم، باختلافهم في المذهب الفلسفي الذي يناصرونه) (1).
ومن الخطأ أن نعتقد أن للجمال مقاييسه الحسية وحدها، تلك التي تقع عليها العين، أو تسمعها الأذن، أو يشمها الأنف، أو يتذوقها اللسان، أو تتحرك لها لمسات الأطراف العصبية، فالجمال مادة وروح، واحساس وشعور، وعقل ووجدان، فإذا التقى فلاسفة الجمال في بعض الجوانب أو العناصر، فستظل هناك في عالم الجمال مناطق يعجز الفكر الفلسفي عن إدراك كنهها، والوصول إلى أبعادها، فليس العقل وحده هو القوة القادرة على استكناه كل أسرار الوجود وما خفي فيه، ولحكمة يقول الله في كتابه العزيز (.. فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (الحج: 46).
لقد استطاعت الفلسفات القديمة أن تصل إلى قناعة بأن القيم الثلاث (الحق ـ الخيرـ الجمال) هي القيم الكبرى في الوجود، وأنه تحت مظلة هذه القي م الكبرى تندرج القيم الإنسانية جميعاً فروعاً لها، وقيمة (الخير) تلك تنبثق من التفرقة بين ما هو رذيلة وشر، وبين ما هو فضيلة وخير، هذه التفرقة يقوم بها مفكر موهوب ـ تطبيقا للتصور الفلسفي ـ يتميز بدقة التحليل، ونفاذ البصيرة، فيصوغ تلك الأسس التي على وجودها تبنى الفضيلة، وعلى غيابها تبنى الرذيلة، فإذا تحقق لذلك المفكر ما أراده، عددناه فيلسوفاً، وعددنا ما كتبه (فلسفة الأخلاق) (1).
أما إذا كانت التفرقة بين الخطأ والصواب، بحيث يقوم بها مفكر دقيق، أوتي سعة الأفق، وأصالة الدقة، كان ذلك هو (علم المنطق) وهو فرع من الفلسفة، وعن طريقه نصل فلسفياً إلى قيمة (الحق).
الحق والخير والجمال إذن هي القيم الثلاث الكبرى في الفلسفات القديمة، وهي صناعة عقلية بشرية بحتة، ترعرعت في ظل التجربة والتاريخ والأحداث، ويقول الأستاذ محمد قطب في منهج الفن الإسلامي: إن كلا من الفن والدين يعبر عن الحقيقة الكبرى، كما يقول: إن القرآن يوجه الحس البشري للجمال في شيء، وإنه يسعى لتحريك الحواس المتبلدة لتنفعل بالحياة في أعماقها، وتتجاوب تجاوباً حياً مع الأشياء، والأحياء، وهنا يلتقي الفن بالدين.. (والفن الصحيح هو الذي يهيىء اللقاء الكامل بين الجمال والحق، فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق ذروة الجمال، ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عند كل حقائق الوجود) (2).
والجمال ليس قيمة سلبية لمجرد الزينة، كما أنه ـ كما أسلفنا ـ ليس تشكلاً مادياً فحسب، ولكنه بالمعنى الصحيح حقيقة مركبة في مداخلها وعناصرها وتأثيراتها المادية والروحية، وموجاته الظاهرة والخفية، وفي انعكاساته على الكائن الحي، لأن أثره يخالط الروح والنفس والعقل، فتنطلق ردود أفعال متباينة، بعضها يبدو جليّـا، وبعضها الآخر يفعل فعله داخلياً، لكن محصلة ذلك كله ما يتحقق للإنسان من سعادة ومتعة، وما ينبثق عن ذلك من منفعة، تتجلى فيما يأتي أو يدع من أفعال وأقوال، وفيما يحتدم داخله من انفعالات ومشاعر، والجمال بداهة لا يرتبط بالمظاهر الحسية وحدها، وهذه قضية، هامة من وجهة النظر الإسلامية الشهوة البهيمية، وارتكاب الرذيلة، واشباع الرغبة الآثمة، وجمال الطبيعة وما فيها من ورود وزهور وأنهار وجبال وطيور، وليس مجرد جمال سطحي، لكنه ينبع من قوة قادرة، خلقت فأحسنت، وصنعت فخلبت الألباب والأبصار، وأثارت الفكر والتأمل، وفتحت أبواب الإيمان واليقين بهذه القدرة المعجزة الخالقة، وإذا كان الاستمتاع بالجمال مباحاً في الأصول الإسلامية، فإنه مدخل إلى ارتقاء الروح والذوق، وسمو النفس وخلاصها من التردي والسقوط، ومحرك للفكر كي يجول إلى ما هو أبعد من المظاهر الحسية التي قد كتب عليها الزوال، فالجمال سبب من أسباب الإيمان، وعنصر من عناصره، والقيم الجمالية الفنية تحمل على جناحها ما يعمق هذا الإيمان ويقويه، ويجعله وسيلة للسعادة والخير في هذه الحياة.
والفلسفات المعاصرة ـ كما يقول الدكتور زكي نجيب محمود(1): قد صبت الاهتمام كله على الكون في طبيعته التي نحيا بين جنباتها، فكأنما الإنسان في عصرنا هذا، قد اتجه بفكره نحو بيته الذي يقيم فيه، يحاول معرفة، فلم يظهر من فلاسفة العصر بنظرة لا إثباتاً ولا نفياً ولا تعليقاً إلاّ في القليل النادر، ومن هذه الزاوية استحق عصرنا أن يوصف بما يوصف به كثيراً، وهو أنه عصر مادي، بمعنى أنه لا يجاوز حدود واقعة الذي يعيش فيه. إلى خالق ذلك الواقع بكل ما فيه ومن فيه، وهو - سبحانه - مالك يوم الدين، حين تفنى الدنيا ويكون الحساب.
فالمسلم إذ يقبل الجزء الأكبر مما قيل عن (البيت) من الداخل، يرفض رفضاً قاطعاً أن تكون جدران (البيت) هي أوله، وهي آخره، لأنه يعتقد أنه بيت إلى زوال، كان قبله أزل، وسيكون بعده أبد الخلود.
ويشير الأستاذ محمد قطب في (منهج الفن الإسلامي) إلى أن التصور الأوروبي قائم على مادية الإنسان، وحيوانية الإنسان، وإنكار الروح، وأن السبب في ذلك هو (الدارونية) القديمة، التي تولدت عنها (الماركسية) وعلم النفس الحديث، وعلم الاجتماع الحديث، وتأثر بها الأدب والفن في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
ولقد تأثرت (فلسفة الجمال) بهذه التصورات الجديدة للحياة، مثلما تأثرت فلسفة الجمال عند ارسطو بعوامل تاريخية وعقائدية، وحمل فلاسفة الجمال الجدد على كل الفلسفات الجمالية القديمة، كما حاولوا بكل قوة أو يعزلوا الفن عن الدين، وأن يصوروا العلاقة بينهما على أنها علاقة نفور وتضاد، فتارة يقولون: إن الفن غاية، شعارات الدين والسياسة وغيرهما تفسد الفنون، وتارة أخرى يزعمون أن الأديان قيود والفن حرية وانطلاق، ومرة ثالثة يدعون أن الدين عمادة الأخلاق، والفن لا يعبأ بهذا الجانب، إذ أن الفنون في نظرهم لا تعبأ بما هو فضيلة أو رذيلة، ولكنها تهتم بكل ما هو جميل في تصوير الخير أو الشر، ففي كل جمال من نوع ما.
إن هناك من يرى أن الدين يبحث عن الحقيقة، وأن الفن يبحث عن الجمال، وهذه مقولة تحتاج إلى إعادة نظر، أليس في الحقيقة التي يقصدها الدين جمال من خاص ؟؟ ألم نقل: إن الجمال ليس مجرد صورة حسّية أو انفعالية، وإن الأمر مركب، وليس على هذا النحو من التبسيط والسهولة؟ ثم ألا يبحث الفن أيضاً في إبراز الحقيقة؟ إن المسرحية الجميلة ما هي إلا تصوير للصراع بين الخير والشر، أو بين الفضيلة والرذيلة، وإن المأساة تعكس هموماً إنسانية، وتشير إلى حقيقة أو مجموعة من الحقائق، والقصة تفعل الشيء نفسه بأسلوب مغاير، وفي الإمكان ـ دون حيف ـ أن ننظر إلى الشعر إلى الشعر عموماً النظرة نفسها، ومن ثم يمكننا القول: إن ألوان الآداب المختلفة قد تبلور حقيقة نفسية، أو تجسد واقعاً اجتماعياً، أو تبرز قيمة من قيمة من القيم العليا في إطار معين، وهكذا نرى أن الآداب لنا ألواناً من الحقيقة في ثوب أخاذ، أو في شكل جميل، لأن تغليف الحقيقة بما يجعلها جميلة ومؤثر ة لا ينفي عنها كونها حقيقة، وهذا الشكل الجميل الذي تزف فيه الحقيقة، يختلف تماماً عن الحقيقة العارية المجردة التي تنتج عن البحوث العلمية البحتة، أو الفلسفية التقليدية.
إن اقتصار الفن على دور البحث عن الجمال وحده، تعطيل لوظيفة حيوية، وهو الذي يمكن أن ينقل الفنون والآداب إلى متاهات العبثية والانفلات، ومهما كان (الجمال) مطلوباً لذاته، فإن فاعليته تكون أقوى وأجدى إذا ما ارتبطت أسبابه بتجلي الحقائق وإشراقاتها. وإذا كانت الحقائق قد شابها بعض الزيف أحياناً تحت التصورات الفلسفية وحديثاً، فإن القرآن قد وضع أيدينا على الحقائق الكبرى في الدنيا وفي الآخرة، وأعطى للمؤمن قناعات تامة لا تتزعزع في كثير من الجوانب، ولكن يبقى الباب مفتوحاً للكدح والتجربة من أجل الوصول إلى حقائق جديدة ثانية، ومن المعلوم أن صور الجمال لا تعد، وأن آفاق الحائق المختلفة لا تحدها حدود، والأديب المسلم يستطيع أن ينطلق دون عائق في عوالم الحق والجمال والخير والتوحيد والعدل والحب والرجاء.
وإذا كان الأدب أساساً هو التعبير الجميل، فإن (الفكرة) هي عماد العمل الأدبي، ولها هي الأخرى جمالها، لأن العمل الأدبي كل لا يتجزأ، والجمال ينسحب على الشكل والمضمون معاً، وهذا ما أشار إليه بعض كبار النقاد، وفي الصدق الفني جمال يول حسان بن ثابت: وإن أشعر بيت أنت قائله بيت يُقال ـ إذا أنشدته ـ صدقاً
والمنفعة في العمل الأدبي لا تتنافى مع القيم الجمالية، وهذا راجع إلى قدرة الكاتب وبراعته في الأداء، لكن الذي لا شك فيه أن الشعارات الفجة، والدعاوى الصريحة، قد تفسد الكثير من جماليات الفن، ولقد استطاع كتاب كبار أن يجمعوا بين المنفعة والقيم الجمالية، فابدعوا أدباً جديراً باحترام العصور، ويقول (راسين) (1).
(الذي استطيع تأكيده، إنني ما فعلت في مكان آخر، كما فعلت هنا (مسرحية فيدر) في إبراز الفضيلة بشكل واضح، فاخف الأخطاء هنا تنال أشد العقاب، وفكرة الجريمة ينظر إليها هنا بالرعب نفسه مثلما ينظر إلى الجريمة ذاتها، ومواطن الضعف في الحب تصور هنا كمواطن ضعيفٍ, فعليه، والأشواق تصور لمحض أنها تظهر الاضطراب الشامل الذي تسببه، الرذيلة هنا تصور في كل مكان لتجعل المرء يدرك بشاعتها فيكرهها. هذه في الواقع هي الغاية الصحيحة التي يتوجب على كل امرىء يعمل من أجل المجموع أن يضعها نصب عينيه، وهي بالذات مما كان يشغل بال شعراء المأساة الأوائل قبل غيرهم، فمسرحهم كان مدرسة تعلم الفضيلة بشكل لا يقصر عما تعلمه مدارس الفلاسفة.. ).
وإذا كان (ديدرو) يرى أن العقلانية مفسدة للشعر، فإن (فولتر) على النقيض منه يقول: (أنا لا أقدر الشعر إلا عندما يكون زينة العقل).
وهناك مذهب شهير في الفن يطلقونه عليه مذهب (الجمالية)، ويدخل في نطاقه مذهب (الفن للفن)، والجمالية بمعناها الواسع (محبة الجمال)، وترى طائفة كبيرة من أصحاب هذا المذهب أن قيمة الفن توجد في ممارستنا المباشرة له، وليس فيما يقال عن تأثيره في السلوك، والفن ـ كما يقولون ـ يختلف عن الحياة، ولكن الموقف الجمالي يؤكد ذلك الاختلاف إلى حد القول: إن الفن لا علاقة له بالحياة، ولذلك فهو لا يحمل مضموناً أخلاقية، والجمالية تعطي الشكل أهمية كبرى، وتكون قيمة العمل الفني في الشكل دون الموضوع، بينما يرى آخرون من أتباع الجمالية: أن الجمال قيمة لا غنى عنها، تقديرها ضروري للحياة الخيرة ولكن لا يمكن فصلها عن قيمتي الخير والحق، وهي في الواقع تأتي بعدهما.
ونرى معظم النقاد الجماليون يزعمون أن المعايير الأخلاقية والدينية والفلسفية غير ذات مغزى تجاه قيمة العمل الفني، وإذا كان للمحتوى (المضمون) من أهمية فهي في حدود ما يساهم فيه في إطار الانطباع الجمالي العام، والنقد عندهم تقديري لا تقويمي، فمهمة الناقد (الجمالي) تفسير الأعمال الفنية وليس الحكم عليها بالجودة أو الرداءة.
وهناك طائفة ينتمون إلى هذا المذهب أطلق عليهم (أصحاب النزعة الأخلاقية) وهم يرون أن الأدب قد يكون ذا مغزى أخلاقي، دون أن يكون تلقيناً واضح ومباشر، أي دون الإعلام عن مغزى على طريقة الموعظة أو الحكاية التحذيرية، وقد عبر (جورج اليوت) عن ذلك حينما طلب من الروائيين أن يدافعوا عن الاصلاحات الاجتماعية، وذلك بإثارة العواطف الأنبل، وليس بوصف إجراءات خاصة. وعلى الرغم من أن المفكر والأديب (بيتر) كان من المتحمسين في البداية لمذهب الجمالية والفن للفن، إلا أنه عاد بعد عشرين عاماً ليقول: إن الفن العظيم لا ينفذ شروط الفن الجيد فحسب ـ وهو ما يجب أن يفعله ابتداءً ليكون فنّاً ـ ولكنه يجب أن يعالج كذلك المسائل الإنسانية الكبرى، وعظمة الفن لا تعتمد على الشكل بل على المادة، وعندما يكون الأدب أكبر تكريساً لزيادة سعادة الناس، ولإنقاذ المظلومين، أو لتوسيع نطاق التعاطف الإنساني، أو لتقديم حقيقة جديدة أو قديمة عن أنفسنا وعلاقتنا بالعالم، مما قد يعلي من أقدارنا، أو يشد عزائمنا في مقامنا بهذه الحياة.. فإنه بهذه الصفة ـ أي الفن ـ من الفن العظيم(1).
ومن هنا نلاحظ تضاد الجمالية مع مفهوم الأدب الإسلامي عند الغلاة من أصحابها، واقترابها منه لدى الجماليين (أصحاب النزعة الأخلاقية) الذين لا يشعرون بتناقض بين القيم الجمالية ومحتواها الفكري أو العقائدي، وقيام الأدب برسالة هادفة، لتحقيق القيم الإنسانية العليا التي تحقق السعادة للفرد والمجتمع، وتهب الحياة قوة وفاعلية، وتمدها بأسباب النجاح، وتؤكد قيم الفضيلة والحق والخير.
ولقد سأل طالب جامعي أستاذه بيتر قائلاً:
ـ (لماذا يجب أن نكون أخلاقيين (في الفن)؟
فأجابه بيتر قائلاً:
ـ (لأن ذلك غاية الجمال).
وقد أشار بعض الدارسين والباحثين إلى خطورة (مذهب الفن للفن) أو الجمالية المنحرفة وخطرها على السلوك والمجتمع، وضربوا مثلاً لذلك بشذوذ (أوسكار وايلد) وآثاره الأدبية التي تروج لذلك الشذوذ والفساد الأخلاقي.
وعلى الرغم من أن المفكر الأمريكي (بو) يقر بوجود المغزى الأخلاقي في العمل الفني بشرط أن يأتي بصورة عرضية (أو أكثر من عرضية)، إلا أنه يقسم العقل إلى:
(عقل خالص = وذوق = وحسن خُلُقي... )
وهذه الثلاثة ـ في رأيه تتصل بالأجزاء الثلاثة في ثالوث القيم الأفلاطوني (الحق ـ الجمال ـ الخير)، فالعقل الخالص مع الحقيقة، والذوق مع الجمال، كما يرى (بو) أيضاً أن الذوق يتصل بالواجب (الخير) في مظهره الجمالي، وقد يستهويه جمال الفضيلة، وينفر من قبح الرذيلة.
إن الاضطراب الذي ساد المفهوم الجمالي، راجع إلى اختلاف المنطلق العقيدي الذي يبدأ منه المفكرون، وإن تزعزع القيم الدينية في الغرب، والموقف السيىء الذي وقفه المفكرون والأدباء والفنانون عامة من التصورات الكنسية وتاريخها قد ساعد على محاولة إقصائها عن الحياة والفكر والفن بصفة عامة، وهي ظاهرة خصام بين الكنيسة والفن، كما حدث بينها وبين السياسة والعلم، وقد ساهم هذا الموقف في انحرافات خطيرة للفلسفات والأداب الأوروبية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل انتقلت عداوة إلى بلدان العالم الإسلامي والشرق بصفة عامكة، على الرغم من عدم وجود مبررات حقيقية لهذا الخصام في إطار المفهوم الإسلامي، ومهمتنا هنا أن نقضي على ظاهرة الخصام المفتعلة التي يحاول الضالون والمخدوعون الترويج لها في مجتمعنا الإسلامي. فالإسلام يعلي القيم الجمالية، ويعلي من شأنها، ويحيطها بسياج من العفة والنقاء والطهر، ويفتح الباب واسعاً أمام الإبداعات الفنية والأدبية الخلاقة، ويزيد (الكلمة الجميلة) شرفاً حينما يكلفها بأعظم رسالة، وأسمى مهمة، وأرقى دعوة نزل بها الروح الأمين.
ورسالة الأدب الإسلامي، جزء من رسالة الإسلام الشاملة، ووسيلة من وسائله الفعالة، والإسلام الذي أمر المؤمنين أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد، وعلمهم أن الله نظيف يحب النظافة، جميل يحب الجمال، لم يتنكر في يوم من الأيام للجمال الذي هو صنع الله وإبداعه، والبيان سحر وحكمة..أي جمال ومعنى، صورة فنية أخاذة، وحقيقة تشرق بالخير والحق والفضيلة والنور..أيمكن أن يكون الأدب أرفع وأروع من ذلك؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد