لغة الدّموع !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لعلّها اليوم على مشارف السّنة السّادسة عشرة, إن لم تكن –هذه- احتوتها في أعماقها!!

رأيتها قبل قرابة السّت سنوات, وكانت –ربّما- في خريفها التّاسع, إذ أشكّ أنّ تلك الطّفلة الصغيرة رأت الرّبيع يوماً في حياتها!!

هناك في مدينة الأحلام والكوابيس, حيث تسكن جميع المتناقضات, وتحوم أشباح الفقر جنباً إلى رياح التّرف!!!

حيث يرقد القديم البائس لصق الجديد التّائه!! في مدينة تناوشها اللصّوص, وانزوى الشّرفاء في أحشاءها, لاذوا بالصّمت هلعاً من أن يوقظوا الذلّ!!...فتركوها كلأً مباحاً لوحوش الغاب, وأنواع الجوارح التي تحلّقت لتحجب صفاء سماء المدينة البائسة!!

متربّصة لنهش جسد المدينة الرابضة في غابة من التّيه!!!

تلك المدينة التي أكل الزمان من جسدها الطّاهر, سلبها أبناؤه ابتسامة الغروب, وحنين الشّفق الخلاّب!!!

سرقوا منها سحبها الحبلى بأمطار الحب!!!

كنت أقطع شارع هايل بخطوات يدفعها الفرح, الّذي حجب عنّي شيئاً من بؤس الشّارع...وفجأة لاح لي وجه صغير, كأنّه قدّ من البؤس....كأنّه قطعة حزن... سكنت رأس طفلة لتصير وجهها....يا لله....أي أحزان تجمّعت لتحرم ذلك الوجه الصّغير فرحة الطّفولة؟

أيّ هموم تلك التي سلبت ابتسامات عمر بريء طاهر؟

أيّ ريح خريف أتت لتصوّح أزهار الرّبيع النضرة؟!

أيّ شتاء هذا الّذي استحثّ السّير....ليأخذ من البراءة دفأها...

من الطّفولة شمس الفجر الجميل؟

أيّ دموع هذه الّتي أبت إلاّ أن تكون أبلغ من أيّ كلام....أقوى من أي صراخ..

..رسمت على خدّين صغيرين ندوب زمن لم تزل على أعتابه..

..ولم ترَ من خيره شيئاً بعد...فلماذا خطفت شروره سعادة تلك العينين الصّغيرتين؟!!

سالت دموعها.....تدفّقت إلى أعماقي كألسنة اللهب...

أضرمت النّار في أعماقي السّعيدة!!

فتبدّدت سعادتي كالبخار....شعرت بعدها بظلمة شديدة خطفت نور النّهار ذلك اليوم!!

يا لله...أي بلاغة احتوتها تلك العيون الصّغيرة...الدّامعة....أي نفاذ نفذته...

.تلك النظرات الباكية....إلى نفس يشقيها دموع البراعم الصّغيرة؟!!

تحوّل جسدي إلى أذن كبيرة....يستمع لعيون بدأت تتحدّث...لغة الدموع!!

تحدّثت الدموع...بتهدّج حزين...ينخر في القلب بكل عنف....وبكل بؤس!!:

أترى طفولتي هذه....كيف خطفتموها....كيف سلبتم مرحها؟

أترى سعادتي التي لم أرها قط....لم أهنا بها بعد...جفّت في صحاريكم القاتلة!!

حرمتموها...حتى حق التبخّر....لئلاّ تكتشف جريمتكم في حقّها!!

بلعتها رمالكم الآثمة....وبخلتم عليها حتّى بالأثر...يدل على سعادة دفنت!!

لم أعد أعلم من لغتكم هذه شيئاً...حتّى الكلمات نشلتم معانيها....أي جريمة هذه؟

ما المرح....وما الفرح....وما الابتسامة....وما ضحكات الربيع...؟

ما هو الرّبيع هذا....أهو أكذوبة أخرى من أكاذيبكم؟

وما النّوم الهادىء....وما السّرير؟ أهناك سرير غير هذه الأرض؟

أهناك لحاف غير هذه السّماء؟

عن أي شيء تتحدّثون؟

أنا لا أعرف سوى حديث اللقمة....أوجدها لكتلة لحم كوّرها الزمن في بيت بائس!!

لا أعلم سوى أنين الجوع المضني....وصراخ حزن كئيب!!

أما خفتم سؤال الله: بأي ذنب قتلت، بأي ذنب قتلتم طفولتنا....وذبحتم سعادتنا....ووأدتم أرواحنا...في قبور أجساد خاوية، بأي ذنب قتلت....ستسألون...

عذراً أي بنيّتي....عذراً لطفولة سلبناها....وعاش المترفون على أطلالها.

بنوا قصورهم..هنالك...غير آبهين بالجريمة...غير آبهين بـــ ((أي ذنب قتلت)).

عذراً...

....عذراً.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply