بسم الله الرحمن الرحيم
السائل: هل وُجد مكتبات رسمية؟
الشيخ: وُجد مكتبات رسمية رعتها الدول الإسلامية. يعني في بغداد يوجد دور. في قرطبة وحدها أكثر من 70 مكتبة رسمية، وفي بغداد، في بلاد الحرمين في مصر وفي غيرها من بلدان المسلمين، في المغرب، في الشرق، في الهند وتكون مفتوحة طوال اليوم يستفيد منها الناس. على كل حال موجودة والحمد لله العناية بالكتب و توجد العناية الرسمية والشعبية للكتب إلى يومنا هذا. اليوم بعض المساجد فيها كتب مثل مكتبات متكاملة يستفيد منها طلاب العلم. الجامعات الآن ترعى مكتبات نادرة تضم شتى العلوم و المعارف. وأيضاً كذلك غير الجامعات، فالمكتبات العامة عندنا في هذه البلاد المباركة الشيء الكثير في بلاد الحرمين وفي نجد وفي الإحساء مكتبات عامرة. أيضاً مكتبات شعبية أسسها أفراد وهي مكتبات متكاملة فضلاً عن المكتبات الخاصة بدور العلماء وطلاب العلم.
السائل: عندما أشرتم يا شيخ إلى مكتبات المساجد وهي خطوة مهمة بدأت تظهر بحمد الله يعني لا بد أن نشير إلى شيء من هذا مثل مكتبة جامع شيخ الإسلام ابن تيمية بالرياض باعتبارها مكتبة كبيرة ولها صيت قوي وتدعم من قبل وزارة الشئون الإسلامية دعماً قوياً. بدأ عدد كبير من المساجد والجوامع يحتذون حذو هذه المكتبة التي أفادت طلبة العلم كثيراً.
الشيخ: نعم، لاشك أن الرياض الآن صارت مترامية الأطراف ويصعب على طالب العلم الذي في الرياض أو في شرقها أن يرتاد المكتبات التي في وسط الرياض أو في شماله. فوجدت هذه الفكرة وسبق إليها إخواننا في جامع شيخ الإسلام في مكتبة ابن القيم وقد زرتها أكثر من مرة وأطلعونا على شيء يَسُرّ، من كثرة الرواد ومن المنتفعين بهذه المكتبة وهي تضم كتب كثيرة جدا، ولدينا فكرة إن شاء الله لإنشاء مكتبة أيضا في شرق الرياض تضاهيها إن شاء الله.
وبعد العصور المتقدمة والاعتماد على المخطوطات والكتب القديمة ظهرت الطباعة ولنستصحب منع الكتابة في أول الأمر لأثر الكتابة على الحفظ. ظهرت الطباعة في أوروبا والأستانة ثم في سوريا وبيروت ثم في مصر وغيرها من بلدان المسلمين وخشي العلماء في هذه الحقبة على التحصيل العلمي من التأثر لسهولة الحصول على الكتب. لما كانت الخشية في أول الأمر من الكتابة في أنها تؤثر على الحفظ، الآن خشي من الطباعة أن تؤثر على التحصيل، كيف؟ التجربة أثبتت أنه كلما سهل الحصول على الكتابة أو على المعلومة ضعفت الإفادة. هذا شيء مجرب. خشي العلماء على التحصيل من جراء الطباعة فأفتى علماء الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية. هذا أول ما بدأت الطباعة، أذنوا بطباعة كتب التاريخ والأدب واللغة وغيرها أما الكتب الشرعية فلا تجوز طباعتها. كان العالم أو طالب العلم في السابق إذا احتاج إلى كتاب اضطر إلى نسخه، ومعاناة الكتابة وهذا شيء جربناه وجربه غيرنا أفضل من القراءة مرارا. فأنت إذا احتجت إلى كتاب لابد أن تكتب الكتاب أو تستعيره وتنسخه أو تستعيره وتقرأه وتدون ما يهمك منه. هل هذا مثل أن تذهب إلى مكتبة وتشتري كتاب وترصه مع إخوانه في الأدراج؟ أنا أقول كتابة كتاب عن قراءته عشر مرات. لا أبالغ إذا قلت هذا.
السائل: هذا ممكن في الكتب الصغيرة اليسيرة. أو بعض الفوائد فهل يمكن مثلا \" فتح الباري\" يكتب يا شيخ؟!
الشيخ: بعد الطباعة لا يمكن. لكن قبل الطباعة ممكن. وقد كُتِب مرارا. وشخص ما أدركناه أدركنا أحد أولاده يقول إن أباه يكتب كل يوم نسخة من النونية. والنونية 5820 بيتا وكل نسخة بريال وهو يقتات من هذا النسخ. نعم إذا لم يكن لديه الأهلية للتحصيل مجرد وراق قد لا يستفيد. لكن إذا كان من أهل العلم ولديه أرضية ولديه أهلية للتحصيل واحتاج إلى هذا الكتاب لما فيه من علم ونسخه لا شك أن مثل هذا يقع موقعه في القلب.
بعد أن اضطر الناس إلى الإقرار بالواقع. الأمر الواقع الذي فرض نفسه من الطباعة. أفتى العلماء بجواز طباعة الكتب الشرعية وطبعت لكن أثرها على التحصيل ظاهر. لاشك أن الطباعة نعمة والحواسب الآلية التي يأتي الحديث عنها نعمة. لكن لا تكون على حساب التحصيل. يعني لا يعتمد الإنسان اعتماداً كلياً عليها ويقول أنا اقتنيت فتح الباري أو تفسير ابن كثير أو الطبري أو القرطبي ثم ماذا؟ وبعض الطلبة عنده تفسير ابن كثير ولم يقرأه أبدا.
طبعت الكتب الشرعية وأجمع الناس على جوازها والإفادة منها وأثرها على التحصيل ظاهر. قد يقول قائل هي نعمة فلماذا تمنع؟ نقول هي تيسرت والحمد لله ونقر بأنها نعمة وكذلك الحواسب الآلية نعمة لكن نستفيد منها بقد ما يعيننا على تحصيل العلم منها ولا نعتمد عليها اعتمادا كليا.
بعد الطباعة وتجاوزنا مرحلة الطباعة واقتنى الناس الكتب ورصوها في الخزائن وبعض الناس اقتنى ألوف مؤلفة من الكتب ومات ولم يطلع على شيء منها إلا العناوين. يأتي ويرتبها وينظفها وهذا قبل هذا، وهذا بعد هذا. هذه العناية مفيدة في شيء واحد وهي أن السوس والأرضة تؤمن بإذن الله بسبب تقليبها يميناً وشمالاً من درج إلى درج لكن التحصيل أين؟
قد يقول قائل إن معرفة الكتب ومعرفة الطبعات فن. نقول فن لكن ليس فن غاية لكنه فن وسيلة إلى غيره. جاءت الحواسب الآلية التي جمعت من العلوم والمعارف على أقراص صغيرة ما لم يحلم به عالم أو متعلم، أشياء مذهلة لا نبالغ إذا قلنا إن بعض العلماء من المتقدمين قبل الطباعة مثل الحواسب في حفظهم يعنى من يحفظ 700. 000 حديث. أكبر برنامج للسنة فيه 523. 000 حديث يعنى رأس هذا الشيخ أحسن من هذا، وليس آلة جامدة صماء إذا صحف الخبر ما خرج. يفيد يجمع طرق يقدم يؤخر ويرتب ويستنبط ويعلم ويعمل. صار طالب العلم إذا احتاج إلى أي معلومة في أي فن من الفنون بعد هذه الحواسب ما عليه إلا أن يضغط زر يصل بواسطته إلى ما يريد بأسرع وقت. وهذا أيضا على حساب التحصيل العلمي لأن العلم متين لا يستطاع براحة الجسم كما قال يحيى بن أبي كثير.
يحيي بن أبي كثير كما ذكر الإمام مسلم في صحيحه أثناء حديث المواقيت قال يحيى بن أبي كثير: \" لا يستطاع العلم براحة الجسم \" لو كان العلم يستطاع براحة الجسم ما أدرك الفقراء شيء ولصار الناس كلهم علماء. فالعلم لا يخفي ما ورد فيه من النصوص تحث عليه وبيان منزلة أهل العلم ورفعهم درجات. نعم كان الناس كلهم علماء إذا كان العلم يستطاع براحة الجسم، لكن لابد من معاناة لابد من سهر لابد من عكوف على الكتب لابد من مزاحمة الشيوخ والزملاء.
السائل: لو أراد طالب علم أن يخرج حديثاً عن طريق الحاسب الآلي يحصل على المعلومة بسرعة. ولو رجع إلى الكتب تجد أنه يستفيد في طريق المرور على هذا الحديث يستفيد مئات الفوائد من أن يصل إليه.
الشيخ: الآن يريد بحث مسألة في كتاب، فيقلب هذا الكتاب فيقف على عشرات المسائل، كثير منها أهم من مسألته التي يبحث عنها، لكن يضغط زر يطلب مسألة يجد المسألة من أولها إلى آخرها بمصادرها ثم ماذا هل يحفظها طالب العلم بهذه الطريقة. لا يمكن. لأن الشيء الذي يأتي بسهولة لا يمكن أن يستوعب بسهولة أو يحفظ بسهولة بل يفقد بسهولة.
يحيي بن أبي كثير لما قال لا يستطاع العلم براحة الجسم، لا شك من خلال معاصرة ومعايشة للعلم ولما رأى عليه شيوخه وزملاءه وأقرانه من معاناة. يتصور قبل وجود هذه النعم من الكهرباء التي لا يختلف فيها الليل عن النهار بالنسبة للضوء. فقد كانوا أي القدماء – يكتبون على ضوء القمر. بهذا حصلوا العلم ونحن نريد الحاسب والشخص متلفلف بغطائه على فراشه يضبط حاسبه ويتعلم أو جالس في ملحق أو استراحة مع زملاء يتبادلون الأحاديث وأطراف الأحاديث وعندهم أنهم يطلبون العلم. العلم لابد له من معاناة. نعود إلى يحيي بن أبي كثير وإلى كلمته التي أودعها الإمام مسلم بين أحاديث المواقيت – مواقيت الصلاة، لماذا؟ هذا مناسبته أعجز الشراح أن يوجدوا مناسبة لكلام يحيي بن أبي كثير الذي أودعه الإمام مسلم في هذا المكان. الإمام مسلم أعجبه سياق هذه الأحاديث. المتون والأسانيد بهذه الطريقة فأراد أن ينبه بأنه لا يمكن أن يصل الإنسان إلى مثل هذه العلوم بهذه الطريقة بهذا السبك العجيب براحة الجسم فأتى بهذا بشعور أو من لا شعور. نعم هذه الوسائل نعم إن أستفيد بها واستعين بها على الوجه المناسب ولم يعتمد عليها وإلا فهي عائق عن التحصيل. من وجوه الانتفاع بهذه الحواسب: إذا ضاق الوقت على خطيب أو محاضر وأراد أن يتثبت من حديث أو أثر أو نقل أو غير ذلك بحيث لا يستطيع الرجوع إليه لضيق الوقت، فلــه ذلـــك يرجع إلى الحاسب. كذلك من أراد اختبار عمله بحيث بحث مسالة في جميع ما وقف عليه من كتب وجميع ما قيل فيها، وإن كان حديثاً. جمع جميع ما وقف عليه من الطرق ثم أراد أن يختبر عمله إن كان هناك زيادة. فهذه الزيادة التي يأخذها من الحاسب تقع في قلبه موقع بحيث تثبت مثل ما لو بحثها في كتاب، أما أن تكون هذه الآلات وسائل للتحصيل ابتداء عوضا عن القراءة والحفظ وحضور الدروس ومجالس العلم فلا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد