بسم الله الرحمن الرحيم
هناك نظريتان متناقضتان بشأن الحرب على الإرهاب
نظرية أولى: يقول أصحابها أن عدم معالجة المشاكل الدولية (الشرق الأوسط ـ البلقان ـ أفريقيا جنوب الصحراء ـ أميركا الوسطى، وسواها) يغذي الإرهاب ويوسع إطاره. كما أن انتشار الحرمان والفقر والظلم يدفع باليائيسن إلى الذهاب بعيدا في ممارسة الإرهاب، ولذلك يطالب أصحاب هذه النظرية بمعالجة هذه القضايا لاستئصال الإرهاب من جذوره.
أما النظرية الثانية: فإن أصحابها يقولون أن الإرهاب إسلامي، بدليل أن المشاكل الدولية ليست قائمة حصرا في العالم الإسلامي، وأن ثمة شعوبا عديدة أخرى تعاني من الفقر والحرمان والظلم ولكنها لم تنسف برجي التجارة في نيويورك، ولم تفجر مبنى وزارة الدفاع في واشنطن.
ولذلك يطالب أصحاب هذه النظرية بتحديد مصادر التحريض على ممارسة الإرهاب في الثقافة الإسلامية لاستئصال الإرهاب من جذوره.
النظرية الأولى ليست جديدة، فقد سال حبر كثير في محاولات لشرحها والتعريف بها، ولكن بلا طائل، أما النظرية الثانية فقد أينعت ثمارها مباشرة بعد العمل الإرهابي الذي تعرضت له الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول 2001 وذلك أولا من خلال حصر الاتهام بعناصر من المسلمين فقط، ثم من خلال احتماء منظمة القاعدة التي يتزعمها ابن لادن في دولة إسلامية هي أفغانستان، ولقد عزز من ذلك التناقض الواسع بين مشاعر العداء في العالم الإسلامي للسياسة الأميركية الداعمة للإرهاب الإسرائيلي في فلسطين، وبين الشعار الذي رفعه الرئيس الأميركي جورج بوش والذي يقول فيه: 'معنا أو مع الإرهاب'. كما عززه إدراج عدة دول إسلامية على لائحة المتهمين بالإرهاب مثل العراق والصومال واليمن.
لا شك في أن الإعلام الصهيوني لعب ولا يزال يلعب دورا أساسيا في محاولات ربط الإرهاب بالإسلام كثقافة دينية وليس كرد فعل على مواقف سياسية معادية لقضايا تتعلق بالعالم الإسلامي، ويحاول الرئيس الأميركي جورج بوش انطلاقا من حرصه على استيعاب العالم الإسلامي في الحرب التي يشنها على الإرهاب أن يفك الارتباط بين الإسلام كعقيدة والإرهاب مستفيدا من نظريات مستشاره للشؤون الإسلامية البروفسور دافيد فورت (الأستاذ في كلية القانون بجامعة كليفلاند).
فالدكتور فورت وهو أحد الإختصاصيين في الشريعة الإسلامية، يصور ابن لادن وجماعته على أنهم خوارج عن الإسلام، يسيرون على نفس الدرب التي سار عليها في القرن السابع جماعة الخوراج الذين حاربوا الإسلام السني والشيعي معا، إلى أن اندثروا.
غير أن نظرية فورت تلقى معارضة من اللوبي الصهيوني في وزارة الدفاع وفي مجلس الأمن القومي وخاصة في الإعلام الأميركي، إذ أن هذه القوى تعمل جاهدة على محاولة ربط الإرهاب بالإسلام، وتدعو بالتالي إلى اقتحام العقيدة الإسلامية 'لتحديثها' بما يحقق الهدف الأساسي من الحرب وهو استئصال الفكر الذي يدعو إلى ممارسة الإرهاب في العقيدة الإسلامية(؟).
يحدد هؤلاء مصدرين لذلك هما الجهاد والزكاة، وفي تصورهم أن الجهاد إرهاب، وأن الزكاة تمويل للإرهاب، وفي أدبيات هؤلاء أيضا أن المدخل إلى 'عصرنة' الإسلام تبدأ من هنا. وأن هذه العملية تتطلب أولا وقبل كل شيء إقفال المدارس الدينية.. والمراكز الثقافية الإسلامية في العالم، ووضع اليد على أموال الزكاة التي تجمع لمساعدة الفقراء والمحتاجين.
أما التهم الموجهة إلى هذه المدارس والمراكز فهي أنها بؤر وخلايا سرية لمنظمات إسلامية إرهابية، وأن أموال الزكاة هي عصب هذه المنظمات والممول الأساسي لتسلحها ولقيامها بأعمالها الإرهابية.
هذا يعني أن التعامل مع الإسلام بدأ ينتقل من مرحلة الاتهام إلى مرحلة العقاب، وأن العقاب الذي يتطلعون إليه هو 'عقاب إصلاحي'، وأن ما يحتاج إلى إصلاح في نظرهم هو الإسلام نفسه. وذلك بحمل المسلمين على التخلي عن ركنين من أركان الدين اللذين بدونهما لا يكتمل إيمان أي مسلم: الجهاد في سبيل الله، وأداء الزكاة.
منذ انتهاء الحرب الباردة، بدأ التنظير للدور الجديد للولايات المتحدة في عالم آحادي القوة، وقد لاقت نظرية صموئيل هانتغتون صدى أوسع من غيرها لأنها وضعت الإسلام في خندق والغرب في خندق آخر وجعلت أهل الخندقين في حالة صراع حضاري. ومنذ ذلك الوقت أيضا جرى طرح الإسلام عدوا للغرب بعد الشيوعية. بل وجرى طرح الإسلام عدوا للشعوب الإسلامية نفسها من حيث تحميله ظلما وافتراء مسؤولية ما تعاني منه مجتمعاتها من تخلف وفقر وحرمان.
أما الآن وبعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، فإن هذه النظريات بدأت تشق طريقها إلى الأدبيات السياسية، فالإسلام متهم في الغرب بالجمود وبالتخلف عن ركب الحضارة وهو متهم أيضا بأنه معاد للآخر وبأن تعاليمه تحرض على الإرهاب، وأنها ضد الليبرالية والديمقراطية، إلى آخر ما هنالك من اتهامات باطلة. على أساس هذا التصوير المشوه للإسلام توضع سيناريوهات للتعامل مع الإسلام، وهي تقضي بضرب المجتمعات الإسلامية من الداخل، وتأليب جماعة على جماعة، ومذهب على مذهب، وقبيلة على قبيلة، كما تقضي بجر السلطة الرسمية إلى مواجهة مع المؤسسة الدينية (وليس مع الحركات الإسلامية المتطرفة وحدها) بحيث تعمم الحالة المأساوية في الجزائر على الدول الإسلامية كافة.
وتقضي هذه السيناريوهات أيضا بوضع المشروع الذي أعده المستشرق الأميركي اليهودي برنارد لويس لحساب وزارة الدفاع الأميركية في مطلع الثمانينات (والذي تبنته إسرائيل فور ذلك) موضع التنفيذ، وهو المشروع الذي يقول بإعادة النظر في الخريطة السياسية للمنطقة الإسلامية الممتدة من باكستان حتى المغرب على أساس إقامة دويلات طائفية ومذهبية وعنصرية بحيث يكون لكل جماعة كيان سياسي خاص بها، وكأن اتفاقية سايكس- بيكو سنة 1917 ليست كافية. وكأن المطلوب هو الإمعان في تقسيم هذه المنطقة حتى يحقق تفتتها الأمن الإستراتيجي لإسرائيل، ويضمن سلامة المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية.
عندما تعرضت الولايات المتحدة إلى الهجوم الياباني في بيرل هاربور ردت بإعلان الحرب على اليابان، وقصفت هيروشيما ونكازاكي بقنبلتين نوويتين وحملت الدولة اليابانية على الاستسلام دون قيد أو شرط. ولكنها لم تكتف بذلك، فقد فرضت عليها أمرين: الأمر الأول هو وضع سقف منخفض لتسلحها ولعدد قواتها العسكرية، أما الأمر الثاني ـ وهنا بيت القصيد ـ فهو إعادة النظر في برامجها التربوية. فقد كانت الولايات المتحدة تعتقد أن الإرهاب الذي مارسته اليابان ضدها وضد شعوب شرق آسيا، هو ثمرة للثقافة اليابانية المتعالية على الآخر غير الياباني والمعادية له. ولا تزال برامج التعليم والتربية اليابانية تخضع حتى اليوم لمراقبة أميركية علنية ومباشرة.
قد تكون هذه السابقة ـ المستمرة ـ في ذهن بعض منظري السياسة الأميركية وهم يتعاملون مع العالم الإسلامي وكأن الإسلام مسؤول عن الجريمة الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول 2001.
حتى الآن هناك من يرى أن إدارة الرئيس بوش لا تأخذ بهذه النظريات المعادية للإسلام. فالرئيس الأميركي يردد باستمرار أن الإسلام هو دين سلام وأن التعاليم الإسلامية تنهى عن الإرهاب وتدينه. وأنه يتأثر في ذلك وإلى حد كبير بوجهة نظر مستشاره الدكتور دافيد فورت.
والسؤال الهام هو: هل يثبت الرئيس الأميركي وإدارته على هذا الموقف؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن ثمة قوتين تشدان الرئيس الأميركي في اتجاهين متعاكسين: هناك أولا قوة اللوبي الصهيوني سياسيا وإعلاميا داخل الإدارة الأميركية وخارجها، وهذه القوة تشد الرئيس بوش في اتجاه التصرف على أساس أن المشكلة مع الإسلام كدين وليس مع مجموعة صغيرة من الخوارج عن الإسلام.
أما القوة الثانية فهي العالم الإسلامي الذي يحاول أن يثبت للرئيس بوش أنه على صواب في موقفه الداعي إلى فك الارتباط بين الإسلام والإرهاب وأن يحثه على أن يتعامل مع الإسلام على أساس أنه دين الاعتدال والسماحة والسلام. وأن الإرهاب الذي مورس باسمه كان مصادرة للإسلام وأنه أساء إليه وإلى المسلمين بقدر ما أساء إلى الولايات المتحدة نفسها، بل وربما أكثر.
فلأي القوتين ستكون الغلبة؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد