كل العالم كان ينتظر نتائج الانتخابات الأمريكية، وكل العالم كان يتابع نتائج التصويت لصالح أحد المرشحين، لِمَ كل هذا الاهتمام في أمر يعد في الدول الأخرى شأناً داخلياً، السبب واضح فأمريكا في عهد المحافظين الجدد، وفي العصر (البوشي) باتت تتدخل في شؤون العالم، وحسب الاستطلاعات الإعلامية فإن أكثر دول العالم بما فيها أكثر دول أوروبا الغربية كانت تتمنى نجاح منافس بوش الديمقراطي، ليستريحوا من سياسة بوش التي ورطت العالم في صراعات لا تنتهي، ولكن الشعب الأمريكي اختار (بوش)، واختار الفئة التي حوله في (الصهيو - أمريكية) هذا رغم خسائر بوش والمأزق الذي هو فيه ( الخسائر البشرية في الجنود، فضحية أبي غريب، الخسائر المالية، تدهور الدولار)، وقد وقع كثير من المثقفين الأمريكيين بياناً ضد سياسات بوش، وبعض الصحف الكبرى وقفت مع خصمه الديمقراطي.
هناك عوامل كثيرة تدخلت في هذه الانتخابات وهذا الاختيار، ولكنني أعتقد أن من أهم العوامل هو الجانب الديني، فالشعب الأمريكي شعب متدين بشكل عام، وهو من هذا الجانب يختلف عن الشعوب الأوربية، ولذلك كانت من دعاية بوش الانتخابية أن يتهم منافسه بأنه (ليبرالي) أي متحرر من بعض القيود الدينية، وأصبحت الليبرالية تهمة مشينة.
هذه النزعة الدينية المتعاطفة مع الصهيونية زادت مع قدوم بوش إلى البيت الأبيض، لقد صوتوا له وهم يعلمون أنه سيواصل حملاته على العالم الإسلامي محاطاً بالبوارج وحاملات الطائرات.
صوتوا له لأنهم يمجدون القوة، ويؤمنون بمبدأ الصراع والبقاء للأقوى، وبوش يعدهم ويمنيهم في هذه الأمور، ولا ننسى أيضاً السطحية السياسية التي تجعلهم لا يسمعون إلا ما تقوله لهم الآلة الإعلامية الكبيرة التي يملكها هذا التيار، لا يدرون ماذا يجري في العالم من الظلم التي تمارسه دولتهم، هذا الظلم الذي انفردت به أمريكا وما رافقه من احتقار العالم هو الأولى بأن يطلق عليه (أسلحة الدمار الشامل).
إن من يحكم في الديمقراطية الأمريكية ليس العدد الأكبر، بل العدد الأصغر المحدود بالثلاثي: الإعلام الموجه، والثروات الكبرى، والجامعات الكبرى، المال في أمريكا هو الذي يقوم بالعبء الأكبر، فلا يستطيع أن يضطلع بعبء الحملات الانتخابية التي تكلف الملايين سوى أصحاب الملايين، ولهذا يقوم التقليد الديمقراطي الأمريكي على تعيين السفراء من بين أصحاب الثروات الكبيرة الذين تبرعوا للرئيس المنتخب.
الديمقراطية الأمريكية هي نظام الحكم الذي تتخذ فيه القرارات لا من قبل الغالبيةº بل من قبل الأقلية التي تعطي نفسها من خلال الآلة الانتخابية لبوش الغالبية، ومهما يكن من شأن هذه الانتخابات، وهذا الاختيار (البئيس) يبقى السؤال لماذا نحن العرب والمسلمين مرتهنون لمجيء بوش أو ذهابه، لماذا نفرح أو نحزن إذا نجح أحدهم أو فشل، هل ننتظر أن يأتي مرشح أكثر اعتدالاً فيتصدق علينا باعتداله في قضية فلسطين أو العراق، ويكون أقل انحيازاً وتعصباً، ونحن أليس لنا قرار، أليس لنا سياستنا، لماذا لا نبني المؤسسات ونهتم بأنفسنا.
إن إعادة انتخاب بوش سيجعله أكثر غطرسة وانتفاخاً، سيمثل دور قيصر روما، بعض الشعب الأمريكي بدأ يفكر بالهجرة إلى كندا ابتعاداً عن سياسات بوش، وها هو بوش يحتفل بانتصاره فيقتحم المدينة الباسلة الصابرة (الفلوجة) ويهدمها على رؤوس أصحابها، فماذا ننتظر غير هذا، إن النواح والردح لا يفيدنا في شيء، ولكن يفيدنا أن نثق بالله ثم بأنفسنا.
السودان ماذا يخطط له؟
بعد احتلال العراق دأب بعض الصحفيين والكتّاب على السؤال المعروف: مَن سيتلقى الضربة التالية؟ ويذكرون في هذا المجال سورية وإيران، وما زال بعضهم يسأل السؤال نفسه، إن الذي يجري على الساحة في المنطقة العربية أو ما يريدون أن يحرفوه إلى (الشرق الأوسط الكبير)، يُشعر المتتبع أن الضربة القادمة التي يمهد لها من الآن ستكون في السودان، (فالسيناريو) الذي طبق على العراق قبل الاحتلال يجري شبيه له في السودان، وإن كان أقل حجماً بكاء على دارفور، قرارات للأمم المتحدة، ثم المطالبة بوضع دولي خاص بالإقليم، وهذا المطلب الأخير يدعو له من يسمي نفسه بالمعارضة من أهالي دارفور، وهو من أنصار الترابي - مع الأسف الشديد -.
هكذا تسير الأمور: إضعاف السودان ثم تقسيمه، وهذا إن وقع - لا سمح الله - فإن الضرر لن يشمل السودان فحسب بل سيكون له تأثير على الدول المجاورة وعلى رأسها مصر التي لا تتحرك بما فيه الكفاية لدرء هذا الخطر، وحتى لا تصل النار إليها، وهذا من أعجب الأشياء، فوجود دول صغيرة أو مقاطعات تعادي مصر وجيران مصر شرقاً وغرباً ما يجعل المنطقة كلها ضعيفة، مشغولة بنفسها فليس هناك تنمية ولا يحزنون.
إن الحكومة السودانية - ومهما تكن ظروفها - هي مقصرة في مسألة دارفور، وكان عليها أن تحل هذه المشكلة منذ زمن بعيد، ولا يداخلها الغرور، وتكون قصيرة النظر، فالمسألة خطيرة ويجب أن يتدارك الأمر قبل أن تقع المصيبة، وما أمر العراق ببعيد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد