بسم الله الرحمن الرحيم
ولكن انتشار الإسلام في هذا الوقت كان محدودا، وتوقف عند المدن المحاذية للحدود بين الكاميرون وتشاد، وقد استمر الوقف ردحا طويلا من الزمن حتى قيض الله الزعيم الإسلامي عثمان فوديم الذي وصل الكاميرون قبل 160 عاما وساهم في نشر الإسلام في الجزء الشمالي من البلاد، وأسس أنصاره مملكة إدماو الإسلامية في 1826، وساهمت كذلك العديد من القبائل النيجيرية وفي مقدمتها الهوسا في نشر الإسلام في الكاميرون عبر عملهم في التجارة وسعيهم إلى انتشار مبادئ الإسلام وحفظهم القرآن الكريم.
أما في مناطق الجنوب فقد بدأ الإسلام في الانتشار في العقود الثلاثة الأخيرة عبر عديد من الدعاة، إلا أن الذين انتشروا في مدن الجنوب لنشر الدعوة الإسلامية استفادوا من مناخ الحرية الدينية النسبي الذي يتمتع به الكاميرون العلمانية.
وقد أدت سلوكيات المسلمين وأخلاقهم المتواضعة دورا كبيرا في اعتناق ألاف المسيحيين والوثنيين لمبادئ الإسلام، وأدى المسلمون على مدار تاريخ الكاميرون دورا مهما قدموا الغالي والنفيس من أجل حصول الكاميرون على استقلالها حتى وصل زعيمهم أحمد ايجو إلى رئاسة البلاد واستمر فيها لأكثر من عشرين عاما ساعد خلال هذه السنوات على تبؤ المسلمين مناصب الدولة العليا، وأسهم في دعم المؤسسات الإسلامية وشهد عصره انتشاراً للإسلام في معظم أنحاء البلاد وليس الأجزاء الشمالية فقط من البلاد..لكن هذا الأمر لم يدم طويلا فما أن وصل إلى حكم البلاد بول بييا حتى تبدلت الأوضاع وتصاعد نفوذ المسيحيين.
تهميش
وتواكب هذا الصعود مع تهميش شديد للمسلمين حتى أن الحكومة الكاميرونية الحالية لا تضم من المسلمين إلا وزيرا واحداً هو أدم جاراجوم الذي يشغل حقيبة وزير العلاقات الكاميرونية العربية واستمرت سياسات بييا في تهميش المسلمين وإبعادهم عن المناصب الدبلوماسية في الوقت الذي يزداد فيه النفوذ الصهيوني في الكاميرون ازدياداً رهيباً، حيث يعتمد الرئيس على أعداد كبيرة من المستشارين الصهاينة الذين تغلغلوا في جميع مؤسسات الدولة، وانعكس هذا التغلغل انعكاساً سلبياً على أوضاع المسلمين في الكاميرون فقد أهملت الدولة تبني أي خطط تنموية في مناطقهم مما يؤدي إلى زيادة حدة الفقر والجهل بين أوساطهم ووصلت الأمية إلى أرقام قياسية ساهمت في تراجع دورهم وإمكانية حصولهم على وظائف ذات شأن.
تسهيلات محدودة
ولا شك أن الفقر والجهل والأمية قد ساهما في ازدياد أوضاع المسلمين سوءا، وهو ما ظهر واضحاً على مؤسساتهم الإسلامية ومساجدهم حيث يوجد في الكاميرون أكثر من 1200 مسجد حالة معظمها سيئة جدا، بني أغلبها بمواد بناء بسيطة وقديمة حيث لا يوجد دعم إلا عدد قليل من بعض مؤسسات الإغاثة في الكويت والإمارات التي قامت بإنشاء عدد من المدارس والمراكز الإسلامية في العاصمة ياوندي التي يعيش فيها أكثر من 950 ألف مسلم.
ولا تقدم الدولة في الكاميرون أي دعم لبناء دور العبادة وتكتفي بتقديم التراخيص وفتح بعض التسهيلات البسيطة لمن يتقدم بطلب بناء مسجد أو كنيسة أو مدرسة إذا كان بها طابع ديني ولا يستطيع المسلمون في الكاميرون تمويل هذه المؤسسات بسبب أوضاعهم الاقتصادية السيئة وتفشي البطالة في صفوفهم حتى إن بعض كبار التجار من مسلمي الكاميرون لم يصلوا إلى القدرة المالية التي تستطيع تمويل هذه المؤسسات لدخولهم هذا المجال منذ سنوات قليلة.. في حين يمتلك المسيحيون أغلب وسائل التعليم والإعلام والمؤسسات التجارية لدرجة أن رجال الأعمال المسيحيين يحظون بدعم ورعاية من الرئيس بول ابييا الذي يقوم بزيارة أثريائهم وبعض المستثمرين اليهود في بيوتهم في الوقت الذي لا يعبأ فيه بمشكلات المسلمين، ولا بانتشار الفقر في معظم مناطقهم.
غزو تنصيري
الفقر في مناطق المسلمين وفي مدنهم الكبرى في ناروا وماروا وساميان أعطى فرصة ذهبية لمنظمات التنصير كي تنشر سمومها، حيث تنتشر في الكاميرون العديد من الإرساليات التنصيرية منها الإخوة الكومبنيون وإرساليات أفريقيا المعمدانية ومنظمة كاريتاس، كما سعت منظمة شهود يهو إلى اختراق الأرضي الكاميرونية وبث سمومها مركزة على المناطق النائية التي ينتشر فيها المزارعون المسلمون في أقصى شمال البلاد، ورغم إنفاق هذه المنظمات لملايين الدولارات لتنصير المسلمين هناك إلا أن النتائج التي حققتها هذه المنظمات ضئيلة جدا أو لا تقارن بالأموال التي أنفقت لهذا الغرض، إلا أن هذا الفشل لم يجعل هذه المنظمات تتراجع عن مساعيها التنصيرية.. كما أن البلاد تشهد إقبالا على اعتناق الإسلام يومياً اعتمادا على جهود فردية من بعض الدعاة خصوصا في أوساط الوثنيين الذي يعتنقون الإسلام تأثرا بالأخلاق الطيبة التي يتمتع بها الدعاة المسلمون.
ويقابل هذا الغزو التنصيري الكثيف بغياب إسلامي كامل فلا توجد في الكاميرون مؤسسات إغاثة إسلامية إلا القليل جدا بعد تشديد الدولة هناك ضغوطها على الجمعيات الإغاثية الإسلامية التي كانت تعمل في الكاميرون قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا أنها أجبرت على الخروج من البلاد إثر الضغوط التي مورست عليها في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب، وكان لهذه الأحداث تأثير على الصلات بين الكاميرون والعالم الإسلامي فرغم أن البلاد عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي إلا أن الصلات شبه مقطوعة مع الدول الأعضاء فيها وتقتصر هذه الصلات على بعض المنح التي تقدمها جامعات إسلامية لطلاب كاميرونيين للدراسة في جامعة الأزهر في مصر والجامعة الإسلامية بالسعودية.
فنادرا ما نجد في العاصمة ياوندي أو أي من المدن الكاميرونية بناء أسهمت دولة عربية في بنائه أو مسجد شيدته، حتى التي يوجد لها كليات أو جامعات إسلامية متخصصة في الدراسات الإسلامية أو اللغة العربية.. إلا أننا نفاجأ بشيء مذهل أن 4 % من الكاميرونيين يجيدون اللغة العربية إجادة تامة ويحفظون أجزاء من القرآن الكريم وهو ما يشير إلى أن الظروف الصعبة التي مر بها المسلمون في الكاميرون لم تؤثر سلبياً على مستقبل هذا الدين الحنيف في البلاد، فرغم الصعوبات والظروف السيئة إلا أن المعتنقين للدين الإسلامي في ازدياد مطرد لدرجة أنه لا يمر يوم واحد إلا وتشهد البلاد دخول مؤمنين جدد خصوصا في شهر رمضان الذي تبقى فيه بيوت المسلمين مفتوحة في المناطق الغربية والشمالية التي يشكلون فيها أغلبية لإطعام الناس فيها ويخرجون فيها الزكوات، وهو ما يجبر الكثيرين على الإعجاب بسلوكهم واعتناق الإسلام احتراما لهذه السلوكيات التي لا تتوفر في معتنقي الأديان الأخرى.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 2 )
كسري
-محمد قمبودناع
17:53:00 2020-05-26
عن الإسلام واللغة العربية في الكاميرون وخاصة مدينة كسري
-عبدالله توم دناع
10:17:02 2016-09-07